ألقت التطورات الاقليمية بظلالها على الساحة اللبنانية، وتصدر الحوار المرتقب بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" مجدداً لائحة الاهتمام في الوسط السياسي، حوار جديد أحوج ما يكون اليه لبنان حاليا يهدف لترقيع المشاكل وتقطيع المرحلة وسط تهدئة بالخطاب السياسي بانتظار ما ستؤول اليه التطورات الاقليمية.
تكشف مصادرعين التينة ان الرئيس نبيه بري يضع اللمسات الأخيرة على جدول أعمال الحوار المرتقب بين "الأصفر" و"الأزرق"، وسط مؤشرات قوية على ان الحوار سينطلق الأسبوع المقبل بين مدير مكتب رئيس تيار المستقبل نادر الحريري والمعاون السياسي لأمين عام حزب الله حسين خليل، خاصةً بعد اعلان الرئيس بري ضرورة بدأ الحوار قبل نهاية السنة، وتوضح المصادر ان لا شروط على الحوار باستثناء إبعاد المواضيع الخلافية التي يتداخل فيها المحلي مع الإقليمي والدولي كسلاح المقاومة وقتال حزب الله في سوريا.
الحوار الذي تبناه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير بمناسبة عاشوراء، بينما أعلن الموافقة عليه الرئيس سعد الحريري في آخر مقابلة تلفزيونية أجريت معه الأسبوع الماضي، يعتبر خطوة أولى وأساسية على طريق “المصالحة” الوطنية الشاملة، لأنه سيتطرق الى المسائل الداخلية اللبنانية وسط تجميد الملفات الاقليمية، وأولها انتخاب رئيس جديد للجمهورية لإنهاء الفراغ الرئاسي المستمر منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 ماي الماضي ولا يزال يدور في حلقة مفرغة الى يومنا، والاتفاق على قانون جديد للانتخابات تجري على أساسه الانتخابات البرلمانية بعد تمديد المجلس لنفسه دورة كاملة، وكذلك تشكيل حكومة جديدة تلبي متطلبات السعب اللبناني، اضافةً الى الموضوعين الأمني والاقتصادي.
ان الاستحقاق الرئاسي وقانون الانتخاب هما أهم الملفات الخلافية التي تهمّ البلد، وإذا تمّ الاتفاق عليها ستترتب على أساسها المصالح العامة والمصلحة الوطنية، فيشكّل انتخاب رئيس للجمهورية مفتاحاً لمرحلة سياسية جديدة، وهو "أول البنود على جدول أعمال الحوار"، ومن الطبيعي وفق الدستور، أن تكون الخطوة الأولى بعد انتخاب رئيس الجمهورية قيام حكومة جديدة ثم مناقشة قانون جديد للانتخاب تُجرى بعد إقراره الانتخابات النيابية، وكل هذه الحركة تشكّل انطلاقة جديدة وتعطي زخماً لمناخ جديد في البلاد .لا يختلف اثنان على أن موقف لبنان الرسمي يصبح محصّناً بوجود رئيس للجمهورية، بما في ذلك دعم الجيش اللبناني الذي يواجه الخطر تلو الخطر، ويخضع لامتحان القدرة على مواجهة الإرهاب في ظل انقسام سياسي حاد، اضافة الى تقوية المساعي الجارية لإطلاق العسكريين المخطوفين والذين يشكّل استمرار احتجازهم ضربة موجعة إلى الدولة بكل مؤسساتها العسكرية والأمنية خصوصاً.
يأتي الدعم الإقليمي للحوار للحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان كي لا تتطور الأمور بطريقة أخطر تشعل شرارة المذهبية لتحرق لبنان، وبالتالي تنتقل الى كل دول الجوار، كما أن وصول جحافل داعش الى الحدود اللبنانية واعتدائها على الجيش في الداخل فرض على الطرفين (المستقبل وحزب الله) إعادة النظر بمواقفهما بما يؤدي إلى تحصين الجبهة الداخلية وحفظ لبنان واللبنانيين.
اذاً تشير المعطيات المتوافرة أنّ الاطار العام لجدول أعمال الحوار قد يحدد بالآتي :
أولاً:حلّ الفراغ الرئاسي عبر انتخاب رئيس توافقي للبلاد .
ثانياً: تشكيل حكومة جديد قادرة على انقاذ لبنان
ثالثاً: تسيير الانتخابات النيابية، والاتفاق على معالم قانون انتخابي جديد .
رابعاً: وقف الاحتقان المذهبي، والحدّ من التعبئة الدينية .
خامساً: دعم الجيش اللبناني وتعيين سبل مواجهة أخطار التيارات التكفيرية
سادساً: تحديد الاطار العام للحكومة المقبلة، لتفادي أزمة جديدة أمام كل استحقاق دستوري .
سابعاً: وقف التدهور الاقتصادي، من خلال توفير المناخات السياسية والامنية التي تسهم في تحقيق انتعاش ونموّ اقتصادي في لبنان .
صحيح أن نجاح الحوار ليس مرتبطا بالمستقبل وحزب الله فقط ، نظراً لوجود قوى المسيحية وازنة، وأكبرها التيار الوطني الحر الذي يترأسه حليف حزب الله النائب ميشال عون، و”حزب القوات اللبنانية” الذي يتزعمه سمير جعجع حليف سعد الحريري، لكن الاتفاق بين الطرفين، سيؤثر ايجاباً على باقي الأطراف اللبنانية، وبمجرد تحديد الأجندة سيطلق الرئيس بري العنان للحوار الذي سيترأس أولى جلساته بين الطرفين، لأن مجرد حصوله سيكون عامل انفراج سياسي واجتماعي ينزع فتائل الاحتقان على الساحة اللبنانية، كما سيفتح أفاقاً لتفاهمات سياسية جديدة.
اذاً، يعد الحوار ممرا إلزاميا، وخيارا مهما جدا، لخلق مساحات مشتركة بين الطرفين، تمهد لحل الكثير من الأمور العالقة وتذليل الكثير من الخلافات في وجهات النظر، وسقف هذا الحوار هو حماية البلد من كل ما يحاك من مؤامرات "شهدنا آثارها في المنطقة " ، لكن لا يمكن التكهن بنتائجه قبل الشروع به، كون الأمور الخلافية بين الطرفين وعلى رأسها ملف الرئاسة والانتخابات هم مشترك لهما، وإن كانت وجهات النظر بشأنها مختلفة كما يحصل في الحكومة، حيث تختلف وجهات النظر بشأن مواضيع شتى.
في الختام، ان الحوار المرتقب بين “المستقبل”، الذي يقود تحالف “قوى 14 آذار”، و”حزب الله”، الذي يقود تحالف “قوى 8 آذار” “صعب” ولا يمكن معرفة الوقت الذي سيستغرقه، الأ أن الجميع يؤكد أن لا مفر من الحوار بين اللبنانيين، خاصة في هذه المرحل الحساسة التي يشهدها الشرق الأوسط، كما أن الحوار لن يخدم حزب الله والمستقبل فقط بل سيخدم لبنان واللبنانيين، فهل سيستطيع حوار حزب الله-المستقبل اختراق جدار برلين اللبناني؟