الوقت – لايخفى على احد ان امريكا تسعى الان الى ادارة الازمة في المنطقة بشكل تقلل من جهة خسائر الدول الغربية والانظمة التابعة لها ومن جهة اخرى تزيد التكاليف التي يدفعها محور المقاومة في المنطقة، وتدخل سياسة الغربيين والامريكيين ازاء التوتر الحاصل بين السعودية وايران وكذلك التوتر الناجم عن افعال الارهابيين في هذا السياق.
ان سياسة ادارة الازمات هي سياسة معروفة في التاريخ السياسي الامريكي وقد رأي العالم كيف ادار الامريكيون ازمة الصواريخ النووية في كوبا وعندما فشل الامريكيون في حذف طالبان من الساحة الافغانية قال "هنري كيسينجر": "ليس من واجب القوات الامريكية ان تحل الأزمات بل ان واجبها هو ادارة الازمات"، وبعد الهزيمة الامريكية في العراق قال "جورج بوش" ان التدخل الامريكي المباشر في الدول الاخرى يزيد من كراهية الشعوب وخاصة المسلمين ضد امريكا وبعد ذلك وقع الامريكيون على اتفاقية امنية مع العراقيين وسحبوا قواتهم من هناك.
ان ادارة الأزمة لها وجه آخر ايضا وهو سياسة "زيادة الأزمات" في المنطقة لكي يستطيع الامريكيون تشتيت قدرات القوى المنافسة والمناوئة لهم و الهاء هؤلاء بأزمات داخلية.
ومنذ عام 2007 الذي اعلن فيه الامريكيون ان سياستهم في المنطقة هي احتواء الازمات بل تقل الازمات في المنطقة بل زادت وحدثت ازمات اليمن والعراق وسوريا وتركيا وليبيا وبعض الدول الاسلامية الاخرى في افريقيا وكان الدور الامريكي والغربي واضحا في هذا المجال، ان الامريكيين لن يقدموا على احتواء الازمة في اليمن وخفض عدد الهجمات السعودية بل ساعدوا الرياض في عدوانها، وفي سوريا يعلم الجميع كيف كان اداء الامريكيين الذين وصفوا ايضا هجوم داعش على العراق بأنها صراع طائفي محملين الحكومة العراقية مسؤولية اشعاله!
والان نرى ان الامريكين يدعون بأنهم منشغلون بخفض التوتر في النزاع القائم بين السعودية وايران لكن الحقيقة هي امر آخر فهناك انباء موثوقة تقول ان وزير الخارجية الامريكي كان يزور العواصم العربية وخاصة الرياض بالتزامن مع المفاوضات النووية الجارية مع ايران ويؤكد لهم ضرورة توحيد صفوفهم في مواجهة ايران، وقد ابلغ الامريكيون السعوديين بان ايران تحتاج الى احتواء اكبر في فترة ما بعد الاتفاق النووي.
ان وزيري الدفاع والخارجية الامريكيين قد اعلنا مرارا وتكرار خلال الاشهر الماضية ان ايران تهدد بشكل جدي الدول العربية وان امريكا تساعد الان هذه الدول لرفع قدراتها في مواجهة ايران، والان وبعد التوتر الاخير في العلاقات بين ايران والسعودية نجد ان جون كيري الذي لم يتحرك ازاء اعدام 47 معارضا في السعودية في يوم واحد يتصل بنظيره الايراني طالبا منه بعدم قيام ايران باتخاذ اية اجراءات ازاء السعودية، وهناك اتصال آخر من هذا النوع اجرته مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي "فدريكا موغريني"، اما "فيليب غوردون" وهو احد مستشاري وزير الخارجية الامريكي في شؤون الشرق الاوسط فقد قال: "ان امريكا لاتستطيع اعادة العلاقات السعودية الايرانية الى ما كانت عليه قبل الان" واضاف "غوردون" بلهجة احتيالية نحن الان ليس فقط نشهد افتراقا بين الشيعة والسنة بل نشهد افتراق السعودية عن ايران.
وترتكز السياسة الامريكية فيما يتعلق بالازمة الاخيرة في العلاقات الايرانية السعودية على 3 أسس اولها زيادة التوتر عبر مفاوضات سرية وثانيها احتواء ايران و ردها بحيث تبدو ايران ضعيفة امام السعودية وثالثها ادارة أذهان وافكار المسؤولين الايرانيين حتى يفكر هؤلاء بأن امريكا تقف على الحياد او انها تراقب الاداء السعودي والايراني لانتخاب الطرف الافضل وربما يكون هذا الطرف ايران!
لكن من يراقب اداء الامريكيين يجد انهم يديرون الأزمة و انهم يريدون تعميقها بين السعودية وايران فسلوك الامريكيين تجاه ايران في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي يثبت جيدا ان واشنطن وحلفائها يرون مصالحهم في ازدياد التوتر مع ايران وليس العكس.
ان امريكا التي كانت تعلم مسبقا باعدام "آية الله النمر" كان بامكانها ايقاف التنفيذ بكل بساطة وباتصال هاتفي واحد لكنهم لم يفعلوا هذا الشيء وبعد وقوع الجريمة طلبوا من الطرف المقابل أي ايران ضبط النفس ولاشك بأن الامريكيين لهم دور فعال في قطع علاقات بعض الدويلات العربية مع ايران لانهم يعتبرون ذلك اضعافا لمكانة ايران.
ولا يختلف اثنان ان امريكا ومن اجل اخافة ايران تضغط عبر عملائها على المسلمين الشيعة في بلدان اخرى تماما كما حدث في نيجيريا وافغانستان وباكستان و أذربيجان، ان حكام البيت الابيض يواصلون الضغط على ايران بشتى الطرق والوسائل لتغيير سلوكها ظنا منهم بأن ايران ستتراجع امام دولة ضعيفة مثل السعودية وتكف عن ضرب المعادلات الامريكية في المنطقة.