الوقت- إنه اليمن جار السعودية والبلد الذي يعيش اليوم حرباً داخلية، لم تكن دول الخليج الفارسي وبالتحديد السعودية بعيدةً عنها يوماً من الأيام. أما اليوم وفي ظل صعود الحوثيين، تقف دول الخليج الفارسي ولا سيما السعودية، محتارةً وعاجزة عن التصدي لهذه الحركة. ما هو الدور التخريبي التاريخي للسعودية في اليمن؟ وكيف يتمثل العجز السعودي اليوم في اليمن؟
أولاً: الدور التاريخي للسعودية في اليمن:
سعت المملكة العربية السعودية وعلى الدوام للحفاظ على شبكات نفوذها الداخلي في اليمن وذلك مع مختلف القوى، وخصوصا القوى القبلية. وكانت دائماً تتجاوز الحكومة المركزية، وتؤسس لعلاقاتٍ خاصة مع شيوخ العشائر والقبائل النافذين الذين شكلوا وعلى الدوام، قوى دعم وإسناد داخلي لها. ولم يكن ذلك حباً من المملكة لجارتها اليمن، بل لما يشكل موقع اليمن من نقطة استراتيجية لها، وبالتحديد الحدود الطويلة معه، وطمعاً بما يشكله مضيق باب المندب من موقعٍ استراتيجي أيضاً. واستمرت سياسة المصلحة هذه حتى في تاريخنا الحديث. فماذا سجل التاريخ الحديث من معطياتٍ حول دور السعودية في اليمن؟
ثانياً: ورد في التاريخ أن السعودية دوماً، عملت لمصالحها، ولو على حساب جارتها اليمن...
في 22 مايو 1990 تم الإعلان عن الوحدة اليمنية رسميا وإعتبار الرئيس علي عبد الله صالح رئيسا للبلاد وعلي سالم البيض نائب لرئيس الجمهورية اليمنية. وبقي ذلك حتى نيسان من عام 1990، حين تم تبادل اطلاق النار في معسكر تابع لليمن الجنوبي قرب صنعاء سرعان ما تطور لحرب كاملة في 20 مايو 1994 وحصلت الحرب الأهلية في اليمن، بعد ثلاثة أسابيع من تساقط صواريخ سكود على صنعاء، وأعلن حينها علي سالم البيض نفسه ومن عدن، رئيساً على دولة جديدة سميت حينها جمهورية اليمن الديمقراطية. حينها لم يعترف أحد بهذه الدولة الجديدة إلا السعودية التي عملت على إخراج إعتراف بها، من مجلس دول تعاون الخليج الفارسي ، برغم معرفة هذه الدول حينها، أن هذا الأمر قد يؤدي الى زيادة الصراع الداخلي، فوافقت البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة في حين رفضت قطر وسلطنة عمان الإعتراف بالجمهورية التي أعلنها علي سالم البيض. فما كان من السعودية حينها إلا أن توجهت للأمم المتحدة للدفع بقرار أممي بوقف إطلاق النار، ففشلت الجهود السعودية لعرقلة الوحدة اليمنية، فتوجهت بعدها الى امريكا مطالبة إياها الإعتراف بعلي سالم البيض فرفض الامريكيون حينها أيضاً.
حاولت السعودية استعمال عملائها القبليين ضد الوحدة ولكن عبد الله بن حسين الأحمر ـ الذي كان معادياً للوحدة سابقا ـ أبقى على تحالفه مع علي عبد الله صالح، فقامت السعودية بدعم علي سالم البيض بالأموال والأسلحة ، وهو الذي خذلها وهرب من البلاد وانتصرت الحكومة اليمنية حينها واعادت السيطرة على عدن في يوليو 1994. ولكن ذلك لم يمنع السعودية من المضي قدماً في أذية اليمن.
ففي الوقت الذي أعلنت الحكومة اليمنية أنها تؤيد قرارا عربياً لحل أزمة الحرب العراقية الكويتية في أغسطس 1990، ورفضت اليمن التي كانت الدولة العربية الوحيدة في مجلس الأمن تلك الفترة، التصويت لقرار أممي يقضي بانسحاب القوات العراقية من الكويت وتدخلت قوات التحالف بقيادة امريكية لإنهاء الصراع مع دولة الكويت. كان علي عبد الله صالح وحزبه وقيادات الحزب الإشتراكي اليمني يعتقدون حينها، أن أغلب رؤساء الدول العربية سيتخذون موقفا متعاطفا مع الرئيس العراقي صدام حسين وهو إما الإعتراف بجمهورية الكويت أو الإتفاق على حل عربي بانهاء الخلاف الكويتي العراقي دون تدخل أممي. وكان علي عبد الله صالح ناقماً على موقف السعودية الرافض لإنضمام اليمن لمجلس تعاون دول الخليج الفارسي في الثمانينات وكان يؤمن حينها أن وجود عراقٍ ضعيف يعني هيمنة السعودية على شبه الجزيرة العربية مما سيسمح لها بمزيد من التدخل في شؤون اليمن الداخلية والخارجية.
فكان رد فعل السعودية حينها والتي كانت من أبرز معرقلي جهود الوحدة اليمنية منذ البداية، أن زادت من ضغوطاتها على اليمن وادعت أن اليمن تآمرت مع العراق والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية لتقسيم السعودية بينهم واعادة آل سعود إلى نجد. وبالرغم من أن السعودية لم تمتلك دليلاً على مزاعمها قامت بنشر قوات من المرتزقة الباكستانيين على الحدود مع اليمن. وشددت إجرائاتها( اجراءاتها ) على العمال اليمنيين وشنت حملات إعلامية على اليمن واليمنيين واستخدمت المغتربين كورقة لكسر اليمن، باعتبار المغتربين الورقة الأكثر حساسية وفعالية. ولم تكتف بذلك بل قامت بترحيل قرابة نصف مليون عامل، ستين ألف منهم اضطر للعيش في مخيمات للاجئين عند عودتهم لليمن وذلك بعد أن كانت سمحت لهم سابقاً بالعمل في السعودية دون كفيل. وهو ما أضر بالإقتصاد اليمني الضعيف أصلاً، إذ كان المغتربون يرسلون قرابة مليارين دولار سنوياً إلى اليمن، أي 20% من الإيرادات الخارجية ، وزادت السعودية من دعمها التقليدي للقبائل ضد الحكومة المركزية لإستخراج تصريحات مؤيدة لها من زعامات القبائل والقوى الدينية المعادية للوحدة أصلاً. وكانت حقيقة الدور السعودي تعود الى أن السعودية طامعةً بالآبار النفطية في مأرب وشبوة والجوف وهو ما فاقم الأزمة الحدودية بين البلدين.
ثالثاً: على السعودية أن تستسلم للواقع الجديد..
مما لا شك فيه أن السعودية اليوم غارقة في همومها، إن على الصعيد الداخلي أو الخارجي. فهي الدولة التي سعت لبناء نفوذها في كافة المنطقة، وإن على حساب الدول. وهو الأمر الذي لا طالما اتبعته دول الخليج الفارسي وفي مقدمتها السعودية. واليوم ما زاد السعودية هماً، هو الملف الداخلي المتأزم، والصراعات المحتدمة على السلطة بين أركان النظام السياسي الداخلي الواحد. كل هذه الهموم تجعل صانع القرار السعودي أمام خريطةٍ جديدةٍ متعددة الأخطار والتحديات، مما يفرض على الدولة التي طالما تكبَّرت على الجميع، إجراء عمليات هائلة من الحسابات الخاصة بها بكل قرار سياسي.
لكن الواضح للجميع اليوم، أن الواقع قد تغيَّر ففي ظل توازن الضعف بين مكوناته السياسية وتعثر خطوات التوافق الداخلي السعودي، يبدو أنه على السعودية أن ترضخ لصعود الحوثيين في اليمن. بل من الأفضل لها هذه المرة أن تترك اليمنيين في حالهم يقررون مصيرهم السياسي الخاص بهم. ولكن دولةً كالسعودية أرست معالم هيبتها على حساب الدول الأخرى، ومن خلال التبعية المطلقة للمعسكر الأمريكي، قد تجد صعوبة في التأقلم مع ذلك.
طالما سعت السعودية دوماً الى خراب اليمن، بما فيه مصلحتها، وطالما أنها لم تحترم حق الجيرة، وكانت دائماً تشعل الفتن في الداخل اليمني. ها هي اليوم أمام واقعٍ جديد، فرضه صعود الحوثيين، وقد بانت السعودية عاجزةً أمام هذا الواقع، فهل ستسعى السعودية لكسر اليمن مرةً أخرى؟ أم أن السعودية هي التي كُسرت هذه المرة؟؟...