الوقت- في ساحة جيوسياسية مشتعلة، برزت مؤشرات خطيرة تعكس تحولًا في مسار العلاقات الأردنية-الإسرائيلية، لم تعد التهديدات الإسرائيلية تجاه الأردن مجرد تصريحات عابرة من قادة متطرفين، بل أصبحت أكثر وضوحًا وتماسكًا، مدفوعة برؤية توسعية تعتمد خرائط جديدة ومشاريع قديمة تحمل في طياتها أطماعًا تاريخية في الشرق.
خرائط "إسرائيل الكبرى"، التي نشرتها جهات رسمية إسرائيلية مؤخرًا، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر الصمت السياسي، خرائط تمتد لتشمل أجزاءً من الأردن ودولًا عربية أخرى، في خطوة استفزازية أثارت ردود فعل غاضبة من الحكومة الأردنية ومكونات المجتمع السياسي والشعبي.
في مواجهة هذه التطورات، ارتفع صوت وزارة الخارجية الأردنية، مُدينة "الأوهام العدائية" التي تروج لها الحكومة الإسرائيلية، تصريحات رسمية وصفت تلك الخرائط بأنها انتهاك صارخ للسيادة الوطنية وتهديد للأمن الإقليمي، لكن في خضم الإدانة، لم تُقدم الحكومة الأردنية إجابة واضحة عن الخطوات المستقبلية.
وفي المقابل، جاءت أصوات محلية أكثر جرأة، مثل السياسي ممدوح العبادي الذي لم يتردد في التحذير من سيناريو "عدوان وشيك" يستهدف المملكة، العبادي، بخبرته السياسية الطويلة، دعا إلى تحصين الجبهة الداخلية والاستعداد لأسوأ الاحتمالات، معتبرًا أن تجاهل هذا الخطر قد يكلف الأردن كثيرًا.
على الجانب الآخر، يبدو أن "إسرائيل" تتحرك بخطى ثابتة نحو تنفيذ مشروعها التوسعي. حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو ليست مجرد لاعب عابر في المشهد الإسرائيلي، بل تمثل قناعة راسخة بأن "إسرائيل الكبرى" ليست خيارًا، بل هدفًا استراتيجيًا.
التصريحات المتطرفة التي تطلقها شخصيات إسرائيلية بارزة، والدعوات إلى ضم الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات، لا تُقرأ بمعزل عن مشروع أيديولوجي يرى في الأردن "امتدادًا تاريخيًا لإسرائيل"، هذا المشروع، الذي يعود إلى عقود مضت، يعاد تسويقه الآن في ظل توافر بيئة سياسية إقليمية ودولية تسهّل تمريره.
أوراق الأردن: كيف نواجه؟
بين الإدانة والتحذير، يبرز سؤال محوري: كيف يمكن للأردن أن يواجه هذا التصعيد؟
الأردن اليوم بحاجة ماسة إلى تقوية العلاقة بين الحكومة والشعب، القضايا الداخلية، من أزمات اقتصادية واجتماعية، يجب أن تُحل بسرعة لتصفير المشكلات الداخلية، وتهيئة الشعب ليكون شريكًا في حماية الوطن.
لا تزال لدى الأردن أوراق ضغط دبلوماسية يمكن تفعيلها، سواء عبر التنسيق مع الحلفاء الإقليميين أو باستخدام القنوات الدولية، وإن إدانة السياسات الإسرائيلية على مستوى المنظمات الدولية يمكن أن تعرقل، ولو جزئيًا، مشاريع الاحتلال.
في ظل التصعيد الإسرائيلي، لا يمكن استبعاد السيناريو العسكري، الاستعداد الدفاعي وتعزيز القوات المسلحة الأردنية بات ضرورة ملحة لضمان حماية الحدود والسيادة.
يستعيد الأردنيون اليوم ذكرى "معركة الكرامة" التي وحدت الشعب والدولة ضد تهديد خارجي وجودي، لكن التحدي اليوم مختلف وأكثر تعقيدًا، إذ لا يتعلق فقط بمعركة حدودية، بل بمشروع شامل يستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة.
الدرس المستفاد من الكرامة ليس في استرجاع لحظة الانتصار فقط، بل في استلهام الروح الوطنية التي جعلت الشعب الأردني قادرًا على مواجهة التحديات.
التحولات الحالية تدق ناقوس الخطر، لتعلن أن لحظة المواجهة السياسية وربما الأمنية أصبحت وشيكة، على الأردن أن يقرأ المشهد بدقة، وأن يبني استراتيجيته على أساس مصلحته الوطنية العليا.
الشعب الأردني، الذي أثبت قدرته على الصمود في أحلك الظروف، يظل الرهان الأكبر في هذه المعركة، لكن تحقيق ذلك يتطلب قيادة سياسية واضحة الرؤية، ودولة قادرة على تحويل التحديات إلى فرص لتعزيز الوحدة الوطنية وحماية السيادة.
في الختام، لا خيار أمام الأردن سوى الاستعداد الكامل، لأن الحفاظ على الوطن لا يتحقق إلا بإرادة قوية ومشروع وطني شامل.