الوقت- في الوقت الذي لم تتمكن قوات الاحتلال الصهيوني من تهجير الفلسطينيين خارج فلسطين جاءت خطة الجنرالات الفاشية المزعومة في محاول لتهجير سكان غزة داخلياً واحتلال القطاع وزرع مستوطنات فيه، وقد عمد جيش الاحتلال الصهيوني إلى تحويل الاهتمام العالمي عن الدمار في قطاع غزة، إلى لبنان، وسط الحديث عن البدء بتنفيذ استراتيجية كيان الاحتلال الجديدة في الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، وإن كانت قبول الاستسلام أو التجويع أو ما يعرف بخطة الجنرالات الخطة التي يعتمدها جيش الاحتلال بعد أن أدرك أن حماس والمقاومة الفلسطينية قادرون على الصمود حتى بين أنقاض غزة.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن حزب الليكود -الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو– وزع دعوات لحضور مؤتمر بالقرب من حدود قطاع غزة لتشجيع الاستيطان شمال القطاع.
وفي سياق متصل قالت حركة نحالا الاستيطانية: إن "الحدث ليس مجرد مؤتمر نظري، بل هو تمرين عملي وتحضير لتجديد الاستيطان في غزة"، مؤكدة أن عودة المستوطنين إلى غزة لم تعد مجرد فكرة، فقد وصلت إلى مراحل متقدمة بدعم من الحكومة والشعب، على حد زعمها.
آلية خطة الجنرالات
خطة الجنرالات تهدف إلى السيطرة على شمال قطاع غزة، وذلك بتهجير سكان المنطقة إلى الجنوب، ثم فرض حصار كامل على الشمال، بما في ذلك منع دخول الإمدادات والمساعدات الغذائية والماء والوقود، واستخدام التجويع وسيلة ضغط للتهجير.
ثم لاحقا يتم تحويل شمال القطاع إلى "منطقة عسكرية مغلقة" بهدف القضاء بشكل كامل على أي وجود لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المنطقة، وتفترض هذه الخطة أن الحصار أكثر الحلول فاعلية لإنهاء الحرب وتقليل عدد القتلى من جنود الاحتلال الإسرائيلي، كما تُقدر أن السيطرة على شمال غزة يمكن أن يدفع سكان المناطق الأخرى للانتفاض ضد حركة حماس.
تبدأ المرحلة الأولى من الخطة بإخلاء شمال القطاع من السكان، الأمر الذي كان جزءا من إستراتيجيات الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وقبل وضع هذه الخطة.
وبعد نزوح الفلسطينيين إلى الجنوب عبر طريق الرشيد مرورا بممر نتساريم (منطقة تمتد من الشرق إلى الغرب وتقسم القطاع نصفين)، وإخلاء المنطقة من السكان ستبدأ مرحلة تحويل شمال القطاع إلى منطقة عسكرية مغلقة.
وفي المرحلة الثانية والأخيرة تفرض الخطة حصارا شاملا على من تبقى في شمال القطاع إضافة لعزل المنطقة عن باقي القطاع، وذلك بمنع أي حركة دخول أو خروج منها أو إليها، ووقف المساعدات والإمدادات بما في ذلك الغذاء والوقود والمياه، واعتبار كل من تبقى أهدافا عسكرية.
وضع كارثي في شمال القطاع
تحول شمال غزة الذي عاش عاما من الحرب المدمرة إلى ساحة حرب عقابية إسرائيلية جديدة، وحاصرت القوات الإسرائيلية مخيم جباليا للاجئين المدمر في محاولة لتفكيك البنية التحتية بشكل منهجي.
وفي هذا السياق أصدرت قوات الاحتلال الاسرائيلي أوامر إخلاء لنحو 400,000 من السكان المتبقين في شمال غزة، وطلبت منهم الذهاب إلى مناطق أبعد جنوبا مكتظة بالنازحين وما زالت تتعرض للقصف الإسرائيلي فيما خلفت الغارات الجوية عشرات الشهداء.
ووصف عمال الإغاثة المشهد الكارثي هناك، وكأنه الجحيم وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن آلاف الأشخاص ومن بينهم خمسة من موظفيها، محاصرون في مخيم جباليا، وقالت سارة فويلستيكي، منسقة المشروع بالمنظمة، في بيان صحفي: "لا يسمح لأحد بالدخول أو الخروج، أي شخص يحاول سيتم إطلاق النار عليه".
وقال جيش الاحتلال في بيانه: إن الحصار سيظل قائما مهما احتاج من الوقت ولتحقيق الأهداف، ومن جانب آخر واصلت قوات الاحتلال الصهيوني منع وصول المساعدات الغذائية إلى شمال غزة حيث إنه في الفترة من آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر، ولم تدخل أي شاحنات طعام على الإطلاق في شهر تشرين الأول/ أكتوبر.
الواقع المرير الذي يعيشه سكان شمال القطاع يتكلم عن أنه إذا اختار سكان شمال غزة عدم المغادرة - والعديد منهم قد لا يفعلون ذلك، نظرا للمفهوم المنتشر على نطاق واسع في القطاع بأنه لا يوجد أي مكان آمن في غزة- فإنهم سيتضورون جوعا حتى الموت.
وحذرت الأمم المتحدة في مؤتمر صحفي من أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قطعت "شرايين الحياة الحيوية" إلى شمال غزة، وفي بعض الحالات، أُمرت المستشفيات المكتظة بإجلاء المرضى، بما في ذلك الأطفال في وحدة الأطفال حديثي الولادة.
وتحدث تقرير للأمم المتحدة الأسبوع الماضي عن "سياسة منسقة" من قبل كيان الاحتلال لتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة كجزء من حربها ضد حماس.
رحلات استكشافية وتخطيط للاستيطان
في ظل بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ خطة الجنرالات في شمال قطاع غزة عادت للواجهة مخططات اليمين اليهودي المتطرف في توسيع بؤر الاستيطان حيث وثّقت مشاهد من مؤتمر لجماعة "شبيبة التلال" الاستيطانية رحلة بحرية "استكشافية" نظمتها عائلات إسرائيلية للاطلاع على أراضٍ في قطاع غزة تخطط للاستيطان فيها، الحركة التي تؤمن بضرورة إقامة "دولة يهودية" على "أرض إسرائيل الكبرى" عبر طرد الفلسطينيين جميعاً.
وكشف فيلم وثائقي بعنوان "الفداء المقدس" عن مخططات المستوطنين الذين ينتمون إلى اليمين الإسرائيلي المتطرف وتكتيكاتهم لاقتلاع الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، عبر بناء المزيد من البؤر الاستيطانية، تم تصوير الفيلم الذي أنتجته قناة "تي آر تي ورلد" التركية من خلال التسلل بين الجماعات المتطرفة في الضفة الغربية بعد شهرين من اندلاع حرب غزة، ويعرض الوثائقي تكتيكات هذه الجماعات في تنفيذ أعمالها العدائية باستخدام الإرهاب المنظم لإجبار الفلسطينيين على الهجرة القسرية.
أكثر خطة نازية في التاريخ
اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن "خطة الجنرالات الوحشية أحد أكثر الخطط العسكرية انحطاطا ونازية في التاريخ الحديث"، وأضافت إن الاحتلال يرتكب جرائم إبادة جماعية مكتملة الأركان في شمال قطاع غزة.
وفي هذا السياق أكد القيادي في حركة حماس أسامة حمدان أن كل ما يتم رصده على الأرض من تحركات إسرائيلية في شمال القطاع "يؤكد أننا أمام واحدة من أكثر الخطط العسكرية انحطاطا ونازية في التاريخ الحديث، وضعها قادة لا أخلاق ولا شرف عسكري لديهم، وتدل على الاستهتار الصارخ بالقوانين الدولية".
وأضاف: إن هذه الخطة "هي تتويج لعام كامل من الإبادة الوحشية التي استخدم فيها جيش الاحتلال النازي كافة الأسلحة والمجازر التي يندى لها الجبين، والتي لم تمكنه من تحقيق أهدافه ولم تدفع الشعب لمغادرة أرضه"، وقال إن هذه الممارسات ليست حربا وإنما هي خروج على كل القوانين الدولية والأعراف، وإن على المجتمع الدولي محاسبة "هذا الاحتلال الصهيونازي"، مؤكدا أن قيم الإنسانية تتعرض لانتكاسة كبيرة في ظل استمرار "غطرسة وفاشية هذا الاحتلال الذي يهدد بقاء المنظومة الدولية".