الوقت- لم يعد خفياً على أحد أن الاحتلال الصهيوني يتبع سياسة ممنهجة في تدمير القطاع الصحي في أي عدوان يشنه وهذا ما رآه العالم أجمع في غزة وما يراه اليوم في لبنان، وبطبيعة الحال لم يستثنِ العدوان المرافق الطبية أو الأطباء والمسعفين العاملين حيث فقد اضطر عدد من مستشفيات جنوب لبنان إلى الإقفال مؤقتا بعد استهداف قوات الاحتلال الصهيونية لطواقمها الطبية.
واقع القطاع الصحي في لبنان
لم تسلم بعض المستشفيات الحكومية ومعها طواقم الإسعاف من الاستهداف الإسرائيلي المباشر في ظل تصاعد العدوان والقصف المستمر على قرى الجنوب اللبناني، ما أجبر إدارات مستشفيات مرجعيون، وميس الجبل، وبنت جبيل الحكومية على إغلاق أبوابها مؤقتا، وإجلاء المرضى والجرحى، وهو ما أخرجها بالكامل عن الخدمة.
يأتي هذا التدهور في ظل الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية الطبية جراء اشتداد العدوان الإسرائيلي الهمجي على الجنوب اللبناني، واستهداف المستشفيات وطواقم الإسعاف معا، في حين تواجه المستشفيات الأخرى في لبنان تحديات كبيرة تشمل نقص الأدوية والمعدات الطبية، والضغط المتزايد بسبب ارتفاع أعداد النازحين والجرحى.
وتعرض حرم محيط مستشفى "الشهيد صلاح غندور" في بنت جبيل لقصف مدفعي إسرائيلي بـ4 قذائف، ما أسفر عن إصابة 15 فردا من الطاقم الطبي والتمريضي، وتم نقل المصابين إلى مستشفيات مجاورة لتلقي العلاج بواسطة فرق الصليب الأحمر، ليخرج عن الخدمة.
وفي حادثة أخرى، استهدفت مسيرة إسرائيلية طاقم إسعاف الهيئة الصحية الإسلامية قرب مستشفى مرجعيون الحكومي، ما أدى إلى استشهاد 7 أفراد وإصابة 5 آخرين، وتتقاطع هذه الاستهدافات مع سياسة ضرب المنظومة الطبية واستهداف الأطقم الصحية التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ أكثر من عام من العدوان المتواصل.
وحسب الإحصاءات الصادرة عن وزارة الصحة اللبنانية، فقد بلغ عدد الشهداء من العاملين في القطاع الصحي خلال الأسبوع الفائت 108، إضافة إلى إصابة 225 آخرين، وتعرض أكثر من 45 مركزا صحيا لأضرار جسيمة بالإضافة لخروج 122 سيارة إسعاف عن الخدمة.
مخاوف انتشار الأوبئة بين النازحين
تتفاقم موجة النزوح الداخلي في لبنان نتيجة الأوضاع المتدهورة حتى وصلت أعداد النازحين، حسب آخر إحصاء رسمي، إلى مليون ومئتي ألف نازح، توزّعوا بين المدارس الرسمية والخاصة، الجامعات، الكنائس والأديرة، الجوامع ودور العبادة، وبعض الساحات العامة، هذا الواقع الذي وضع النازحين في مواجهة ظروف معيشية وصحية قاسية يجعلهم عرضة لانتشار الأمراض المعدية، ومع تفاقم الفقر والازدحام، تعلو التحذيرات من نشوء بيئة خصبة لانتشار الأوبئة بشكل سريع، ما يهدّد الصحة العامة في لبنان.
اكتظاظ مراكز الإيواء بالنازحين اللبنانيين يُنذر بزيادة فُرص ومخاطر الإصابة بالأمراض المعدية، لا سيّما الجلدية منها، حيث تفتقر هذه المراكز إلى المرافق الأساسية، كالمياه الصالحة للشرب وأماكن الاستحمام المجهّزة، هذا إضافة إلى خطر تراكم مياه الصرف الصحي وغياب خدمات الرعاية الصحية تزامناً مع عدم توافر المنظّفات والمعقّمات والأدوية وغياب أدنى معايير النظافة الشخصية.
كارثة صحية تدقّ ناقوس الخطر وتلوّح بوقوع إصابات جماعية ستتفاقم حدّتها نتيجة القيود المفروضة على حركة الطيران، والتي ستؤخّر وصول شحنات كبيرة من الإمدادات الطبية إلى لبنان، كما أفادت منظمة الصحة العالمية، وأشارت مصادر طبّية إلى أن الأطفال وكبار السنّ هم الأكثر تضرراً من تدهور الوضع الصحي وانتشار الأمراض.
الواقع الصحي في غزة
يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتدمير القطاع الصحي في قطاع غزة هذا ما خلص إليه تقرير أممي، حيث اتهم محققون أمميون كيان الاحتلال بتعمد استهداف النظام الصحي في غزة وقتل وتعذيب عاملين في القطاع الطبي، معتبرين أنه يرتكب جرائم ضد الإنسانية.
وفي هذا السياق كشفت لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة في بيان لها أن تل أبيب نفّذت سياسة ممنهجة لتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة كجزء من هجوم أوسع على القطاع، وأضافت إن الاحتلال ارتكبت جرائم حرب وجريمة ضد الإنسانية تتمثل في الإبادة من خلال الهجمات المستمرة والمتعمدة على العاملين الطبيين والمرافق الطبية.
اللجنة الأممية وعلى لسان رئيستها نافي بيلاي أكدت على أنه ينبغي على الاحتلال الإسرائيلي أن يوقف على الفور تدميره العشوائي وغير المسبوق للمرافق الصحية في غزة، وأضافت إن ذلك يشكل استهدافاً مباشراً للحق في الصحة، ما يترتب عليه عواقب سلبية كبيرة وطويلة الأمد على السكان المدنيين.
كما خلص التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية تعمدت قتل واحتجاز وتعذيب العاملين في المجال الطبي واستهدفت المركبات الطبية في غزة وقيّدت تصاريح مغادرة القطاع لتلقي العلاج الطبي، مشددا على أن مثل هذه الأفعال تشكل جرائم حرب عديدة وجريمة ضد الإنسانية تتمثل في الإبادة.
وتمثل الهجمات على النظام الصحي في غزة ومنها استهداف المستشفيات وفرض القيود على وصول الإمدادات الأساسية مثل المستلزمات الطبية والوقود والمياه، انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، غير أن الاحتلال يتعمد استهداف مستشفيات غزة ومنظومتها الصحية وإخراجها من الخدمة، ويواصل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية وسط حصيلة ثقيلة من الشهداء والجرحى والنازحين، بالإضافة إلى دمار هائل وسياسة تجويع ممنهجة.