الوقت- مع توقف وضع الحرب في غزة أمام الكيان الصهيوني وتوقف العمليات العسكرية للجيش، أفادت وسائل إعلام عبرية بأن جنرالات الجيش قدموا خطة جديدة إلى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء هذا الكيان من أجل إدارة الحرب في المستقبل، وحسب هذه الخطة، يجب تهجير الفلسطينيين من شمال غزة، ومن ثم محاصرة هذه المنطقة وإجبار عناصر المقاومة على الاختيار بين خيارين: الاستسلام أو الموت.
وحسب صحيفة "هآرتس" فإن هذه الوثيقة كتبت تحت عنوان "خطة الجنرالات" بمبادرة من الجنرال جيورا آيلاند، رئيس دائرة العمليات في الجيش، وبدعم من العشرات من كبار الضباط، ووفقاً لها، كل منطقة في المحور الشمالي لمدينة نتساريم، وسط قطاع غزة وكل الأحياء، سيتم إعلانها منطقة عسكرية مغلقة، ويأمل الجنرالات المتقاعدون والاحتياط أن يتم تنفيذ هذه الخطة من قبل حكومة نتنياهو في أقرب وقت ممكن.
العوائق المحلية والدولية
تم اقتراح هذه الخطة بينما لم يحقق جيش الاحتلال خلال الأشهر الأحد عشر التي مرت على الحرب الكثير في تحقيق الأهداف الأولية للغزو العسكري لغزة، ومن وجهة نظر المنتقدين في الأراضي المحتلة، فهو مصر على البقاء في غزة، إن محور "فيلادلفيا ونيتساريم"، الذي تمت الموافقة عليه مؤخراً من قبل مجلس الوزراء الإسرائيلي الصغير، لا يمكن أن يساهم بشكل كبير في إحداث تغيير جذري في ساحة المعركة لصالح الوضع المهتز لحكومة نتنياهو.
وذكرت صحيفة هآرتس يوم الجمعة الماضي أن خطة الجنرالات لإعادة توطين السكان المتبقين في شمال غزة لا يمكن تنفيذها لعدة أسباب، وكتبت هذه الصحيفة في تقرير لها "بعد سماع تصريحات نتنياهو الأخيرة، يبدو أنه لا يبحث عن قرار جديد، بل يبحث عن شراء الوقت، وهو من وجهة نظر القانون الدولي يعتبر مجرم حرب". وحسب هذا التقرير، فإنه في حال تمت الموافقة عليها وتنفيذها، سيتم فتح إجراءات جديدة ضد نتنياهو ومسؤولين آخرين في محكمة العدل الدولية، بالإضافة إلى ضغوط قوى المعارضة الإسرائيلية، بما في ذلك احتمال عصيان قوات الاحتياط ضد الخطة، ما قد يؤدي إلى فشل هذه الخطة.
وحسب صحيفة هآرتس، "حتى لو فازت كامالا هاريس بالانتخابات الأمريكية في نوفمبر، فإنها قد تمنع تنفيذ نوايا نتنياهو، وعلينا أن نعلم أن نتنياهو في المراحل الأخيرة من حياته المهنية، وهو من الذين يتطلعون إلى التشبث بالسلطة والهروب من السجن"، وإن خطة الجنرالات هي أن سكان حوالي 70 كيلومترا شمال غزة ما زالوا يعيشون في مناطقهم منذ بداية العدوان الإسرائيلي، ويرفضون الاستجابة لأوامر الجيش بالتوجه إلى جنوب غزة، ومن الصعب طردهم.
كما فشل جيش الاحتلال خلال حرب غزة في اكتشاف أنفاق حماس، حيث إن الهجمات الصاروخية التي تطلقها كتائب القسام بين الحين والآخر من شمال غزة باتجاه الأراضي المحتلة تظهر أنه حتى لو افترضنا أن الصهاينة سيحققون شيئاً على الأرض، فستواصل حماس مهاجمة العدو من داخل الأنفاق.
واحتل الجيش الإسرائيلي غزة منذ عام 1967 حتى عام 2005، لكنه اضطر إلى مغادرة هذا القطاع رغما عن إرادة الفلسطينيين، وبسبب موجة الكراهية التي نشأت بين سكان غزة ضد العدو المحتل، فضلا عن تعزيز من فصائل المقاومة، هذه المرة أيضاً لن يفعل الاحتلال شيئاً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التحديات الكبرى التي تواجهها تل أبيب لا تزال دون مساس على حدود لبنان، وعلى الجبهة الشمالية، خلقت العمليات اليومية لحزب الله في لبنان الخوف في قلوب المستوطنين، وبعد أحد عشر شهراً، لم تتمكن حكومة نتنياهو بعد من إعادة المستوطنين الفارين إلى المناطق الحدودية مع لبنان.
واعترفت السلطات الأمنية في مناطق الشمال مراراً بأنها غير قادرة على مواجهة حزب الله، وأن استمرار الصراع أدى إلى تعطيل الحياة اليومية في الشمال، وحذرت فصائل المقاومة في المنطقة مرارا من أنه طالما استمرت الحرب في غزة فإنها لن توقف عملياتها ضد الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن الإصرار على احتلال شمال غزة سيشعل نار الحرب في المنطقة.
وفي الضفة الغربية، يستمر الوضع على نفس المنوال، ورغم العمليات المكثفة في أجزاء مختلفة من هذه المنطقة في الأسابيع الأخيرة، إلا أن الجيش الصهيوني لم يحقق أي شيء ضد المقاتلين الفلسطينيين.
وعدا عن ذلك فقد تم فتح جبهة جديدة على حدود الأردن ضد الصهاينة، ما زاد من القلق لدى زعماء تل أبيب. كما أدى انخراط الجيش في جبهات مختلفة وعدم وجود أفق واضح لنهاية الحرب إلى اشتداد التمرد في صفوف قوات الاحتياط، والعديد من هذه القوات غير مستعدة للعودة إلى غزة مرة أخرى، ويدعي نتنياهو أنه تمكن من تحقيق العديد من أهدافه في غزة، لكن مسؤولين صهاينة آخرين لهم رأي مختلف.
وأعلن أميت هاليفي، عضو لجنة العلاقات الخارجية والأمن في البرلمان الإسرائيلي، السبت، بينما أقر بهزيمة الجيش، أن الكيان دخل نفقا لا نهاية له، وقال: "الجيش الإسرائيلي لم يهزم كتيبة أو حتى مجموعة من حركة حماس في مدينة رفح، والإحصائيات المعلنة عن خسائر هذه الحركة مبالغ فيها"، وأحد العوائق الخطيرة أمام تنفيذ خطة الجنرالات في غزة هو موقف المجتمع الدولي الذي عارض خطة إعادة توطين الفلسطينيين واحتلال هذا القطاع، وحتى الدول العربية أبدت مؤخرا ردود فعل قوية على نهج حكومة نتنياهو في محور فيلادلفيا، والإصرار على خطط طموحة يمكن أن يغير عملية تطبيع العلاقات مع العرب.
التغطية على أزمة الخلافات في الجيش
الحديث عن الخطة الجديدة لقادة جيش الاحتلال في شمال غزة تأتي في ظل الكشف مؤخرا عن انقسامات خطيرة بين القادة العسكريين للحرب مع نتنياهو وحلفائه المتطرفين في الحكومة، والبداية من موجة الاستقالات في صفوف كبار القادة في مختلف الرتب الأمنية والعسكرية، والأزمة في مسألة قيادة الحرب وارتباك العمليات العسكرية في غزة، تبدو واضحة للعيان.
وفي الأشهر الأخيرة، أعرب رئيس الأركان العامة هرتزل هاليفي ووزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت عن معارضتهما لوسائل الإعلام عدة مرات، وقالا إنهما لا يعتبران استمرار الحرب في غزة مفيدًا لأمن الأراضي المحتلة، وطالبوا بوقف الصراع والتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار للإفراج عن الأسرى.
من وجهة نظر السلطات الأمنية، ليس من الممكن القضاء على حماس، واستمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى تكلفة أكبر وسقوط المزيد من الضحايا، وقد اعترف هاليفي وبعض كبار القادة مرارا وتكرارا بفشلهم في عملية اقتحام الأقصى وقبلوا المسؤولية عنها، لكن نتنياهو لم يقع بعد تحت العبء ويتجنب قبول الإهمال في الـ7 من أكتوبر.
حتى أن هاليفي وغالانت اعترفا عدة مرات بعدم قدرة العمليات العسكرية على تحرير السجناء وحماية حياتهم من أجل الضغط على حكومة نتنياهو والوزراء المتشددين، ولهذا السبب، اتسعت الفجوة بين السلطات الأمنية والسياسية، ولا يريد الجيش أن يُنسب إليه الفضل في هزيمة فصائل المقاومة في غزة.
وحتى اتخاذ موقف تنسيق خطط الجيش والحكومة في المواقف الرسمية للجيش بشأن العملية الحربية ليس متسقاً على الإطلاق، وعلى سبيل المثال، قال الجيش الإسرائيلي في بيان له يوم السبت: "ليس لدينا قوات كافية للقتال على عدة جبهات في نفس الوقت، ولا نعرف كيف سينتهي هذا الوضع"، وكشفت وسائل إعلام عبرية، يوم الجمعة الماضي، أن أكثر من ألف ضابط صهيوني بمختلف الرتب العسكرية طلبوا الاستقالة ووقف التعاون مع الجيش الصهيوني.
وأكدت وسائل إعلام الكيان الصهيوني أن جيش هذا الكيان أخفى طلب استقالة هؤلاء الجنود الصهاينة بسبب الخوف من الفوضى الداخلية، وفي هذا الصدد، أبلغ يوسي شاريئيل، قائد الوحدة 8200 في الجيش الإسرائيلي، رؤسائه ومرؤوسيه، الخميس الماضي، أنه ينوي الاستقالة من منصبه، وكتبت صحيفة يديعوت أحرونوت: "قدم شاريئيل استقالته إلى هرتسي هاليفي رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش"، ويقال إن هاليفي يعتزم أيضًا تقديم استقالته لنتنياهو في ديسمبر.
ومن خلال احتلال شمال غزة، يحاول نتنياهو إظهار ذلك على أنه إنجاز للحرب ضد حماس واستعادة ثقة المواطنين المفقودة في حكومته، لكن الفجوة بين السكان الغاضبين في الأراضي المحتلة والحكومة واسعة للغاية لدرجة أنها لا تستطيع ذلك، ويتم إصلاحها بهذه التدابير.
وزادت عائلات الأسرى والصهاينة الساخطين الآخرين من نطاق الاحتجاجات ضد نتنياهو بسبب الهزائم المتكررة للجيش في غزة ويريدون التوقيع على اتفاق تبادل أسرى بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وفي هذا الوضع فإن الحديث عن خطة إنشاء منطقة عازلة وبناء المستوطنات في شمال غزة ليس إلا حلماً جميلاً قصيراً وعابراً وسط كوابيس نتنياهو وزملائه، وهو كلام لا قيمة له ومخادع كالفقاعة على الماء.