الوقت– بينما تحاول الأطراف الإقليمية إنهاء الحرب في غزة من خلال مفاوضات وقف إطلاق النار وتمهيد الطريق لإرسال المساعدات الإنسانية إلى مليوني فلسطيني يعيشون في هذا القطاع، لا تزال سلطات تل أبيب مصرة على مطالبها الطموحة.
بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، الذي لا يريد وقف الحرب في غزة تحت ضغط الوزراء المتشددين، يلجأ إلى سيناريوهات كاذبة من أجل تحديد حركة حماس باعتبارها المذنب الرئيسي لاستمرار الحرب.
وفي خطابه مساء الاثنين، حاول نتنياهو إقناع جمهوره بأن تل أبيب لم تكن السبب في عدم التوصل إلى اتفاق في محادثات الدوحة، وأن اتهامه بأنه راشق الحجارة على طريق المحادثات مع حماس هي خدمة ليحيى السنوار.
وفي محاولة لتبرير مواقفه، أظهر نتنياهو خريطة غزة وحاول إثبات أن سيطرة الجيش على محور "فيلادلفيا" على الحدود المصرية هي مسألة استراتيجية وأن هذه السيطرة هي الضمانة الوحيدة ضد تدفق الأسلحة إلى حماس في غزة.
وفي حديثه عن تهريب الأسلحة عبر أنفاق حماس، يقول نتنياهو إن الصهاينة اكتشفوا 20% فقط من الأنفاق خلال الأحد عشر شهرا الماضية، وليس لديهم أي وثائق أو معلومات عن بقية الأنفاق، وأغلب هذه الاكتشافات هي الأنفاق الموجودة وسط غزة، وتلك التي يدعي نتنياهو أنها تحولت إلى مواقع لتهريب الأسلحة على الحدود المصرية، لا تزال مجهولة.
وبالطبع، في هذه الأثناء يتجنب نتنياهو الإجابة على السؤال القائل بأنه إذا كانت سيطرة الجيش على محور فيلادلفيا لم تتمكن منذ عدة أشهر من تحديد الأنفاق المزعومة في رفح، وتواصل حماس شراء الأسلحة بطرق مختلفة وتواصل هجماتها الصاروخية ضد الأراضي المحتلة، فما الذي سيحل هذه المشكلة على حدود رفح؟ وهي القضية التي دفعت معظم المحللين والفاعلين الأجانب إلى تقدير أن أهداف نتنياهو الأساسية هي تعطيل عملية اتفاق وقف إطلاق النار ومنع الحرب من التوقف حتى تحديد نتائج الانتخابات الأمريكية، وكذلك إلغاء الدور المصري في التطورات الفلسطينية، وهذه القضية، مثل المصريين، لم تعجب معظم الحكومات العربية وأثارت ردود فعل واسعة.
غضب العالم العربي
أثارت ادعاءات نتنياهو الجديدة غضب العالم العربي، وأدانت الدول العربية بشدة ادعاءات نتنياهو الجديدة بشأن محور فيلادلفيا وأكدت أن هذه الأكاذيب تهدف إلى تضليل الرأي العام الصهيوني بشأن قضية تبادل الأسرى وتحويل أنظار العالم حول جرائم هذا الكيان ضد الشعب الفلسطيني.
وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا أعلنت فيه أن هذه الدولة تعرب عن معارضتها الشديدة لمزاعم نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا، وتؤكد أن نتنياهو يسعى بهذه المحادثات وإشراك مصر إلى تعطيل مسار اتفاق وقف إطلاق النار والتبادل، وهي إحدى القضايا التي تلفت انتباه الإسرائيليين.
وشددت مصر على أن مجلس الوزراء الإسرائيلي يتحمل تبعات مثل هذه الادعاءات، والتي ستؤدي إلى تصعيد الوضع، والغرض من هذه المحادثات هو تبرير السياسات العدوانية التي تؤدي إلى مزيد من تصعيد التوترات في المنطقة.
وكان غضب المصريين كبيرا لدرجة أنه في خضم مغامرات حكومة نتنياهو على حدود رفح، قام أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، بزيارة الحدود وتفقد الأوضاع الأمنية وطرق حماية الحدود مع غزة في يوم الخميس، وتعد زيارة أكبر مسؤول عسكري مصري إلى حدود غزة بمثابة تحذير لقادة تل أبيب المتطرفين من أن القاهرة ستتعامل مع أي أعمال استفزازية على الحدود، وحذرت السلطات المصرية مرارا وتكرارا من تصعيد التوتر على حدودها، وضد أي تغييرات أمنية وتهجير للفلسطينيين من غزة، لأن هذا الإجراء يهدد بشكل خطير سلامة أراضي مصر.
وفي هذا السياق أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا أعلنت فيه: أننا ندين بشدة حديث "إسرائيل" عن محور فيلادلفيا والمساعي العبثية لتبرير عدوان هذا الكيان، ونقف إلى جانب مصر ضد هذه المزاعم الإسرائيلية.
كما أصدرت وزارة الخارجية العراقية بيانا أكدت فيه أن العراق يدين بشدة ادعاءات كيان الاحتلال حول محور فيلادلفيا بهدف إفشال جهود وقف إطلاق النار في غزة ومساعي هذا الكيان لتشويه الحقائق وتضليل المجتمع الدولي من خلال هذه الأكاذيب حول قطاع غزة الحدودي ونحن نرفض الأمر تماما.
بدورها أعلنت وزارة الخارجية الكويتية في بيان لها أن البلاد تؤكد تضامنها مع مصر وترفض تصريحات نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا بهدف صرف الأنظار عن الجرائم التي يرتكبها كيان الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني والتصدي لانتهاكات الاحتلال، والكويت تقف إلى جانب مصر وتطالب بوقف عدوان وجرائم هذا الكيان.
وكانت وزارة الخارجية العمانية من بين الدول العربية الأخرى التي ردت على ادعاءات نتنياهو وأصدرت بيانا أعلنت فيه أننا نرفض بشدة ادعاءات كيان الاحتلال بشأن محور فيلادلفيا ونؤكد تضامننا مع مصر.
كما أعلنت الخارجية القطرية في هذا السياق أن الهدف من ادعاءات نتنياهو هو تضليل الرأي العام وعرقلة جهود الوسطاء لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وشددت الوزارة على أن أسلوب "إسرائيل" في تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام من خلال تكرار الأكاذيب سيؤدي إلى تدمير فرص السلام وتوسيع نطاق العنف، وتواصل دولة قطر التأكيد على ضرورة تعزيز الجهود الإقليمية والعالمية لإجبار "إسرائيل" على وقف عدوانها على قطاع غزة.
كما رفض الأردن ادعاءات نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا، وأكد أن الهدف من هذه الادعاءات هو عرقلة جهود الوسطاء لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
بعض الدول العربية التي وقفت موقفاً سلبياً تجاه جرائم الجيش الصهيوني في غزة خلال الأحد عشر شهراً الماضية، وبصمتها جعلت كيان الاحتلال أكثر غطرسة تجاه إبادة الفلسطينيين، لكنها لم تستطع الصمت أمام أكاذيب نتنياهو.
وتعلم الدول العربية أن القرارات الجديدة للحكومة الإسرائيلية المتطرفة تعني استمرار قتل المزيد من الناس في غزة وتكرار الحلقة المفرغة التي تزيد من التوتر في المنطقة، لأن فصائل المقاومة حذرت مرارا وتكرارا من أنه طالما استمرت الحرب في غزة، فإنها لن توقف عملياتها في الأراضي المحتلة دعما للشعب الفلسطيني، وقد زاد هذا الموضوع المخاوف من توسيع نطاق الحرب.
ويعلم العرب أن الحرب الإقليمية ليست في مصلحة أي دولة، وأن الدول العربية ستعاني أكثر من غيرها، وبالإضافة إلى الدعم الجزئي للشعب الفلسطيني، فإن الحكام العرب لا يعتبرون استمرار الحرب في غزة في مصلحتهم، لأنه بسبب تصاعد التوترات في البحر الأحمر، فإن التجارة البحرية للعرب في هذه المنطقة معرضة للخطر، واستمرار الحرب في غزة سيجعل هذا الممر المائي الدولي متوترا لفترة طويلة، وفي هذه الحالة، سيتم تهديد المصالح التجارية للعرب.
ليس من الصعب دحض كلام نتنياهو عن محور فيلادلفيا، لكن كلامه كان يهدف إلى التغطية على هدفه الحقيقي، وهو منع التوصل إلى اتفاق.
هناك عدة أسباب دفعت نتنياهو إلى جعل انسحاب الجيش من محور فيلادلفيا مسألة مبدأ واستراتيجية، وبهذه الادعاءات يريد نتنياهو إقناع الصهاينة بأن محور فيلادلفيا مهم جداً لأمن الكيان الصهيوني، وتركه للموافقة على هذا الاتفاق خطيئة عظيمة ويفتح أبواب الأنفاق أمام إعادة تسليحهم.
وتعلم الدول العربية أيضاً أن نتنياهو يقطع الطريق أمام اتفاق وقف إطلاق النار بهذه الادعاءات، ويسعى إلى تحقيق مصالحه السياسية ومصالح أصدقائه.
وتدرك الدول العربية أن النية الحقيقية لحكومة نتنياهو من البقاء في محور فيلادلفيا هي الضغط على الفلسطينيين للانتقال إلى أراض أخرى، ولذلك فهي لا تريد لكيان الاحتلال أن ينفذ هذا المشروع، لأن تهجير مئات الآلاف من سكان غزة إلى الدول العربية سيخلق أزمة جديدة لهذه الدول سيكون من الصعب التغلب عليها.
إن الترحيل القسري لسكان غزة يهدف إلى الاحتلال الكامل لهذا القطاع وهو مقدمة لاحتلال الضفة الغربية وتشكيل دولة يهودية، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة.
ومن ناحية أخرى، يشعر بعض الحكام العرب بالقلق من أن يؤدي استمرار الحرب في غزة إلى تكثيف موجة الانتقادات لهم، ومن تدهور شرعية هذه الأنظمة، ولذلك فإنهم يحاولون من خلال وقف إطلاق النار في غزة وقف قتل الفلسطينيين وإنقاذ أنفسهم من ضغوط الرأي العام.
الصهاينة أيضاً لا يصدقون كلام نتنياهو
ويسعى نتنياهو إلى استعادة سمعته باعتباره "سيد الأمن" في الأراضي المحتلة، وأنه الوحيد الذي يتمسك بمواقف حازمة وصارمة لمصلحة أمن الصهاينة، فهو يريد كسب المزيد من النقاط وتعويض خسائره حتى يصبح البطل والحامي ل"إسرائيل" وينتخب رئيسا للوزراء مرة أخرى، لكن الصهاينة لا يصدقون هذه الصورة السوداء.
وقال يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية: "إن نهاية الحرب هي في مصلحة إسرائيل، وكان مفهومنا للأمن دائمًا عبارة عن حروب قصيرة المدى"، كما ذكر لابيد أن مشكلتنا لا تتمحور حول فيلادلفيا؛ بل هو محور بن غفير وسموترتش، وإذا انسحب نتنياهو من محور فيلادلفيا لتحرير الأسرى، فأنا أعده بأنني سأدعمه للعودة إلى هناك لاحقاً.
كما أعلن بيني غانتس وغادي أيزنكوت، المسؤولان السابقان في حكومة نتنياهو الحربية، عن عزمهما فضح أكاذيب رئيس الوزراء بشأن الحدود بين مصر وغزة، المعروفة باسم "محور فيلادلفيا"، وحسب بيان صادر عن مكتب غانتس، فإنه سيقول إن تل أبيب يمكنها العودة إلى ممر فيلادلفيا إذا لزم الأمر، لكن هذا الوقت ينفد لإنقاذ حياة الرهائن.
وفي الأسابيع الأخيرة، أعرب يوآف غالانت، وزير الحرب في الكيان الصهيوني، عن معارضته لبقاء الجيش في محور فيلادلفيا، وقال جالانت وممثلو وزارة الحرب في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء الحربي إنه لا حاجة لبقاء الجيش في محور فيلادلفيا في إطار اتفاق تبادل الأسرى وأنه من الممكن تقديم رد أمني دون نشر القوات في هذه المنطقة،ويعتقد رؤساء الأجهزة الأمنية أن "إسرائيل" تقف على مفترق طرق استراتيجي، وأن البقاء في فيلادلفيا ليس مهما.
غالانت ورئيس أركان الجيش، اللذان هما في قلب تطورات الحرب، لا يريان أنه من المناسب مواصلة الصراع مع فصائل المقاومة في غزة، لأن من وجهة نظرهما أن قوات الاحتياط في الجيش قد ضعفت، وأن خطة لتدمير حماس، والتي أعلن الوزراء المتطرفون أنها هدفهم الرئيسي وهم يعرفون أنها بعيدة المنال، ومن وجهة نظر السلطات الأمنية فإن استمرار الحرب في غزة لن يؤدي إلا إلى الفشل وزيادة التكاليف للمحتلين، ولذلك يحاولون إقناع حكومة نتنياهو بعواقب هذه الحرب.