الوقت- يرى مجلس الحكم السياسي الذي يسيطر عليه الجيش أن وضعه العسكري مستقر ومواتٍ، ويرى في محادثات جنيف فخًا خططت له الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة لمساعدة موقف المتمردين، وبينما تستمر الأزمة الداخلية في السودان فإن الصراعات بين الجيش ومليشيات قوات الرد السريع تستمر في حصد الضحايا في هذا البلد الأفريقي المهم، وتفيد التقارير بأن الوضع الإنساني لملايين نازحي الحرب مأساوي، وانتهت الجولة الجديدة من الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في الأيام الأخيرة بشكل غير حاسم، لتظل آفاق أزمة السودان تدور حول سماع كلام الأطراف المتحاربة في ساحة المعركة واستخدام السلاح؛ حلقة مفرغة لم تسفر عن نتائج بالنسبة للشعب الذي خاب أمله في الثورة السودانية، سوى القتل والفقر والمجاعة والتشريد.
جنيف، لقد فشلت المفاوضات بالفعل
ومنذ بداية الصراع العسكري، عُقدت عدة جولات من المفاوضات السياسية لوقف الحرب في جدة وجيبوتي وأديس أبابا والمنامة والقاهرة، والآن وصلت هذه المفاوضات إلى محطة جنيف، وجرت هذه الجولة من المفاوضات دون الأطراف الرئيسية وبواسطة وسطاء دوليين فقط، من بينهم الولايات المتحدة وسويسرا والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأمم المتحدة ودول إفريقية، مع الإعلان عن عدم مشاركة السودان، وأصبحت الحكومة تحت سيطرة الجيش وانسحاب قوات الرد السريع.
وحسب توم بيريلو، المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، فإن هذه الجولة من المفاوضات ركزت على مدى التزام الأطراف بالتزامات جدة، واحترام القوانين الإنسانية الدولية، وإمكانية تقديم المساعدات لمناطق الحرب، وإنهاء النزاعات المسلحة من قبل الأطراف.
وقبل بدء المفاوضات، كان الجيش السوداني قد طلب تنفيذ مبادئ اتفاق جدة (مايو 2023) كشرط مسبق للمشاركة في هذه الجولة من المفاوضات، إلا أن جهود الوفد الأمريكي لإقناع الحكومة بحضور اجتماع جنيف باءت بالفشل، وفي 9 أغسطس/آب، أرسل مجلس الحكم السوداني برئاسة الفريق البرهان وفداً إلى جدة للتفاوض مع وسطاء أمريكيين لإجراء محادثات أولية لمراجعة شروط حضور اجتماع جنيف، وكان أحد الشروط الأساسية لهذا الوفد هو قبول طلب استعادة السيطرة على المدن التي استولت عليها قوات الرد السريع خلال الحرب.
وكان اتفاق جدة (مايو 2023)، الذي أبرم بعد شهر من بدء الاشتباكات الدامية في أبريل 1402، أهم اتفاق بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الرد السريع بقيادة محمد دهلان أوغلو المعروف بحميدتي، ويتضمن هذا الاتفاق، الذي تم التوصل إليه للسيطرة على نطاق الحرب وتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين، أشياء مثل "تجنب وتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين"، و"عدم إعاقة حريتهم في التنقل لمغادرة مناطق النزاع أو المناطق المحاصرة"، و"عدم استخدام الأطفال" وحدد "الامتناع عن جميع أنواع التعذيب".
وهذا الاتفاق، إذا بقي على أرض الواقع، لم يتمكن من تحقيق أهدافه على المدى الطويل، بل بقي في الواقع عبارة عن بيان سياسي أكثر من كونه اتفاقا تنفيذيا، وحتى الآن، ترى الحكومة الخاضعة لسيطرة الجيش أن وضعها العسكري مستقر ومواتٍ، وتعتبر محادثات جنيف فخاً دبرته الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات لمساعدة أوضاع المتمردين، ويعتبر مجلس الحكم السوداني بقيادة الفريق البرهان، الذي يطلق على نفسه الحكومة الشرعية الوحيدة في هذا البلد، قبول المفاوضات مع قوات الرد السريع في الوضع الحالي امتيازا لهذه القوة وتعزيزا لمكانتها السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبالتالي فهي غير مستعدة للتعاون مع ميليشيات الرد السريع والجلوس على طاولة المفاوضات.
كما يرى "أليكس دي وال" المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي أن مجلس سيادة السودان هو تحالف غير متناسق لم يتفق أعضاؤه على أهدافهم الحربية، وبالتالي فإن الجنرال البرهان يتعرض لضغوط منهم لا للتفاوض، وسبب آخر لفشل العمليات السياسية مثل عملية جدة، ومبادرة الدول الأفريقية، والآن محادثات جنيف، هو القضية الجيوسياسية الواسعة لصراعات السودان، والتي أدت إلى تعقيد حل الأزمة، وحسب التقارير، أرسلت مصر وبعض الدول الأخرى من غرب آسيا أسلحة ومعدات عسكرية إلى مجلس السيادة السوداني، وعلى الجانب الآخر، تلقت قوات الرد السريع دعماً عسكرياً من الإمارات العربية المتحدة وروسيا، والآن يصر المجلس الحاكم في السودان على أنه لن يشارك في أي اجتماع سلام تحضره الإمارات، هذا فيما تمت دعوة الإمارات بصفة مراقب في مفاوضات جنيف.
يقدم تقرير صدر مؤخراً عن منظمة العفو الدولية أدلة واسعة النطاق على أن حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2004 على منطقة دارفور السودانية، والتي تسيطر قوات الدعم السريع على جزء كبير منها، قد تم انتهاكه باستمرار طوال فترة النزاع، ووفقا لمنظمة العفو الدولية، يستخدم المقاتلون على جانبي الصراع أسلحة تركية الصنع، ويزعم تقرير منظمة العفو الدولية أيضًا أن الأسلحة القادمة من صربيا واليمن والصين قد استخدمت في الصراع.
ما هي العواقب الإنسانية للحرب الأهلية؟
واليوم، من بين الولايات الثماني عشرة، هناك ثلاث ولايات فقط لم تتأثر بشكل مباشر بالحرب، والخسائر البشرية المذهلة، وقال معهد مراكز الصراعات المسلحة وتنبؤ البيانات – إيكليد، الذي يجمع معلومات عن النزاعات المسلحة، إن حوالي 16650 شخصا قتلوا في هذا الصراع حتى الآن ونزح أكثر من 11 مليون شخص، منهم 2.1 مليون شخص فروا إلى الدول المجاورة.
وكان أكبر امتداد إقليمي للأزمة "حتى الآن في تشاد"، حيث تفر أعداد كبيرة من اللاجئين، وخاصة من دارفور، وهناك أيضًا مخاوف من احتمال تورط إريتريا وإثيوبيا في الصراع، حيث من المحتمل أن ترسم منظمات الميليشيات المحلية في المنطقة ساحة معركة معقدة، وأعلنت الأمم المتحدة عن "أزمة إنسانية كارثية" في السودان، وقالت إن 26 مليون شخص، أي حوالي نصف السكان، يواجهون "جوعا حادا"، وتعطلت التجارة والزراعة والأسواق المحلية، ونفد المخزون الغذائي، وفي هذه الأثناء، تواجه مجموعات الإغاثة تحديات شديدة للوصول إلى السكان المحتاجين، وفي كثير من الأحيان، يرفض المقاتلون فتح الطرق أمام جماعات الإغاثة، وليس أمام المدنيين خيار سوى إعداد الطعام عن طريق تناول أوراق وجذور الأشجار والنباتات.
ويقول معهد تصنيف الأمن الغذائي – IPC – إن أكثر من 750 ألف شخص على حافة المجاعة، وهذه ليست مجرد أرقام، ولكنها تمثل معاناة ويأس الملايين من الناس، وفي الوقت نفسه، اتُهمت المجموعتان العسكريتان المتورطتان في الحرب الأهلية بارتكاب جرائم حرب واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب وقتل المدنيين، ووصفت الأمم المتحدة الحرب الأهلية في السودان بأنها "أزمة منسية" ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار بين الجانبين باعتباره السبيل الوحيد لمنع المزيد من انتشار المجاعة.