الوقت - يكتسي الأربعون الحسيني(عليه السلام) هذا العام طابعًا استثنائيًا في ظل عملية طوفان الأقصى، حيث إن ملايين المعزين الحسينيين القادمين من شتى بقاع الأرض للمشاركة في أعظم تجمع ديني إنساني، يقطعون المسافة بين النجف وكربلاء سيرًا على الأقدام، إحياءً لذكرى مصائب آل البيت الأطهار(عليهم السلام)، وهم هذا العام - أكثر من أي وقت مضى - سيستحضرون المآسي الجسام التي حلت بالشعب الفلسطيني المظلوم من جور الصهاينة القتلة اليزيديين.
في أربعينية هذا العام، سيتردد صدى صيحات الملايين من زوار كربلاء من مختلف أنحاء المعمورة - صرخات المظلومية والحرية ومقارعة الظلم الذي يتعرض له أهل غزة، وتأييد المسلمين لصمود الشعب الفلسطيني - في أرجاء العالم بقوة غير مسبوقة، وستشكل أيام الأربعين الفرصة المثلى لتحقيق هذه الغايات النبيلة.
وفي هذا السياق، أعلنت اللجنة الثقافية والتعليمية في المقر المركزي لإحياء الأربعين، أن شعار هذا العام هو "طريق الأقصى"، تجسيداً للروابط العميقة بين رسالة النهضة الحسينية العادلة والمقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني، و لا سيما في غزة الصامدة المظلومة.
وصرح رجل الدين حميد أحمدي، رئيس المقر المركزي لإحياء الأربعين: "أن جوهر نهضة عاشوراء ومراسم الأربعين، يتمثل في مناهضة الظلم ونصرة المظلومين، وفي أربعينية هذا العام، سنسعى جاهدين لإيصال صوت مظلومية أهل غزة، والتعبير عن الاستنكار الشديد ضد المعتدين الدوليين، كخطوة في سبيل دعم القضية الفلسطينية".
رفع الأعلام الفلسطينية وصور الشهيد "إسماعيل هنية"
ومن أبرز مظاهر الطابع الفلسطيني المميز لأربعينية هذا العام، حمل الزوار للرموز والأعلام الفلسطينية أثناء مسيرة "المشاية" المقدسة.
كما يحمل المشاركون صور الشهيد إسماعيل هنية، المجاهد الصلب، الذي يمثل رمزاً بارزاً لصمود الشعب الفلسطيني ومظلوميته، والذي استشهد في سبيل الحق والعدالة.
أما مواكب الخدمة الشعبية على امتداد الطريق، فقد تزينت هذا العام بالأعلام واللافتات والأناشيد، التي تحمل مضامين دعم نضال غزة وإبراز مظلوميتها.
لم يقتصر رفع الأعلام الفلسطينية على الزوار الإيرانيين فحسب، بل حظي بترحيب واسع من قبل الزوار القادمين من شتى البلدان، وفي هذا الصدد، وجّه السيد مقتدى الصدر في مستهل شهر محرم توصيةً لأتباعه قائلاً: "أوصي المواكب الحسينية والرواديد برفع العلم الفلسطيني واستذكار مظلوميتهم، سواء في مراسم العزاء خلال العشرة الأولى من محرم، أو في مراسم الأربعين"، وأضاف الصدر: "إن مظلومية الشعب الفلسطيني مستلهمة من مظلومية الإمام الحسين عليه السلام".
الأربعون: الساحة المثلى لمواجهة المجرمين الصهاينة
إن إحياء ذكرى محرم ومسيرة الأربعين بالنسبة للشيعة، ليست مجرد إحياء لشعيرة دينية فحسب، بل هي في جوهرها ترويج لنمط حياة يُعلي من شأن العيش بحرية على الخضوع للطغيان، ويفضّل الموت في سبيل العدالة والحق على الحياة الذليلة تحت نير الظلم، وهو نهج لا يرى في التضحية بالنفس في سبيل الحق فضيلةً فحسب، بل يؤمن إيماناً راسخاً بالانتصار الحتمي للدم على السيف.
يتجلى بوضوح أن القوة المحركة للمقاومة في لبنان واليمن والعراق وسوريا، والتي تمهّد لتطبيق استراتيجية "وحدة الساحات"، هي ذاتها التي تدفع المقاومة في فلسطين وغزة، ولا توجد مدرسة كمدرسة كربلاء في تعليم الإنسان كيف يكون مظلومًا منتصرًا، وكيف ينتصر الدم على السيف، وهذا هو سر خلود ثورة كربلاء وديمومتها.
إن هلع الصهيونية العالمية وقلقها المتزايد من اتساع نطاق الاهتمام بمسيرة الأربعين وانتشار رسالتها، ينبع تحديدًا من هذا المنطلق، إذ تشكّل هذه المسيرة النواة الأساسية لحركة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتحوّل خريجي مدرسة كربلاء والمتأثرين بمبادئها ومعارفها إلى عشاق للشهادة، هؤلاء الذين يؤمنون، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العقائدية، بأنه كما انتصرت كربلاء على السيف وخلُدت، فإن النصر النهائي سيكون حليف غزة وفلسطين حتمًا.
ومن الجلي أن الكيان الصهيوني يحظر على الفلسطينيين المشاركة في مراسم مسيرة الأربعين، بيد أنه من المؤكد اليوم، ومع تنامي شعبية خطاب المقاومة بين أوساط الشعب الفلسطيني وتقويضه لأسس المساومين والمطبّعين، قد تحقق التلاحم والتضامن الفلسطيني مع إخوانهم في التجمع العالمي لمسيرة الأربعين الحسينية، ويتطلع الشعب المظلوم في غزة إلى الإقامة المهيبة لمراسم الأربعين، معتبرين إياها رسالة دعم حاسمةً وقاطعةً للمقاومة.
شهد عام 2021 حدثاً تاريخياً غير مسبوق في مسيرة زيارة الأربعين، حيث أُقيم موكب فلسطيني بمشاركة واسعة وبارزة من علماء الدين والشباب الفلسطيني الفاعل، رافعين شعار "لبيك يا حسين… لبيك يا أقصى".
وفي كلمته خلال حفل افتتاح هذا الموكب، صرّح الشيخ سعيد أبو نعسة، العالم الديني الفلسطيني قائلاً: "أردنا من خلال هذا الموكب تأكيد التلاحم بين مبادئ الثورة الحسينية وقضيتنا العادلة في فلسطين، و لا سيما في ظل مساعي العدو لزرع بذور الفرقة بيننا".
وأضاف الشيخ أبو نعسة: "إن مشاركتنا في مسيرة "أذان الأقصى"، تأتي لنؤكد أن فلسطين هي بوصلة قضايا الأمة الإسلامية في عصرنا الراهن، ومن هنا، من أرض العراق وكربلاء، أرض العزة والكرامة، ومن رحاب مقام الإمام الحسين عليه السلام، نبعث برسالة تضامن مع صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني".
أما اليوم، في أربعينية عام 2024، تحضر فلسطين بروحها وإن غابت بجسدها، حيث يمضي الزوار في مسيرتهم صوب كربلاء حاملين في أرواحهم وقلوبهم طريق الأقصى.