الوقت- على مدى أشهر من القصف والتهجير كانت مجاهرة الاحتلال بارتكاب المجازر وخصوصاً في مراكز ومدارس إيواء اللاجئين الصورة الأكثر نازية في سياسة الإبادة الجماعية التي ينفذها في قطاع غزة على مرأى ومسمع وصمت العالم أجمع، لربما من غير المستغرب اقتراف الاحتلال الصهيوني مثل هذه الجرائم لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق ما هي الغاية الأساسية لكيان الاحتلال من تركيز استهدافه لمراكز اللجوء ومدارس الإيواء التي يبحث أهل غزة فيها عن الأمان من نيران الاحتلال الصهيوني الفاشي.
من الجدير بالذكر، وحسب توثيق المكتب الإعلامي الحكومي فإن الاحتلال قصف خلال حرب الإبادة المستمرة 172 مركز إيواء مأهول، منها 152 مدرسة تتبع للحكومة أو (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) أونروا، فيما أسفر الاستهداف المتعمد والمباشر ومن دون إنذار مسبق سقوط 1030 شهيداً.
محاولات تبرير المجازر
بالتزامن مع القصف الإسرائيلي لمراكز الإيواء والمدارس ومحيط المستشفيات في مختلف مناطق قطاع غزة، يُصدر جيش الاحتلال بيانات سريعة عن "أهداف إرهابية" في الأماكن المستهدفة، ما يوحي بتحويل هذه المؤسسات لمراكز قيادة لفصائل المقاومة والحكومة التي تديرها حركة حماس، لكن الفلسطينيين ينفون ذلك، ويقولون إن قصف تلك المراكز والمؤسسات، من بينها مراكز الإيواء في غزة يراد منه جعل القطاع بأكمله بقعة غير آمنة وغير قابلة للحياة، ولزيادة التضييق على السكان ودفعهم للخروج على فصائل المقاومة.
والمدارس بالذات، والتي تقصفها "إسرائيل" بشكل شبه يومي بزعم أنها مراكز قيادة وسيطرة لفصائل المقاومة أو الحكومة وأجهزتها الأمنية والشرطية، هي أكثر المقرات التي يذهب الفلسطينيون إليها على اعتبار أنها معروفة للإسرائيليين وآمنة تماماً، وأنها تظهر من الجو كأبنية مدرسية مفتوحة، وهو ما يميزها عن الأبنية والمناطق الأخرى، لكنها تحوّلت إلى مكان غير آمن أيضاً، يتهدّدها الخطر جميعها في ظل الادعاءات الإسرائيلية والتبريرات السريعة للمجازر التي يرتكبها الاحتلال فيها، و من الجدير بالذكر أن جيش الاحتلال لا ينذر الفلسطينيين في مراكز الإيواء بهذا القصف، ما يعني تعمده إيقاع الخسائر البشرية في صفوفهم.
كل ما يدعيه الاحتلال عقب القصف هو ادعاءات لتبرير هذه الجرائم والإبادة، ويتم تشجيع الاحتلال على هذه الجرائم بالدعم الأمريكي والصمت العربي والإسلامي والتراخي الإقليمي والدولي، فالاحتلال بعد عشرة أشهر من القتل والتدمير لم يضع أي خطوط حمراء ولم يراع أي قيم إنسانية أو قوانين دولية، وما يقوم به هو عمليات إبادة، فيما يستهدف المدارس وهي أماكن لجوء، ليقول إنه لا يوجد مكان آمن.
إبادة ممهنجة
السياسة الصهيونية الممهنجة في الإبادة الجماعية للفلسطينيين تبدأ من خطة تجويع الناس ومنع كل مقومات الحياة واستهداف كل المرافق الحيوية وجعل قطاع غزة منطقة غير قابلة للحياة، ومن جهة أخرى يمنع جيش الاحتلال الإسرائيلي الناس من التحرك ما يؤدي لتكدّسهم في مراكز الإيواء في غزة وأماكن أخرى قبل أن يستهدفهم سواء في الخيام أو المدارس أو المستشفيات، وهي عملية إبادة ممنهجة.
لماذا التركيز على مراكز الإيواء؟
لماذا يستهدف الاحتلال الصهيوني المدارس ومراكز الإيواء لربما الإجابة على هذا السؤال تكون بهدف الإبادة الجماعية لكن في القصف الممنهج لهذه المراكز يدل على أن هناك أهدافا ممنهجة ومخططا صهيونيا خطيرا من انتهاج كيان الاحتلال سياسة الأرض المحروقة التي لا تفرق بين حجر و بشر، وهناك أكثر من سيناريو للإجابة على هذا التساؤل.
أحد أبرز السيناريوهات يتثمل في أنها حرب انتقامية في وجهها الأول: لم يعد يخفى على أحد، أن هذا العدوان الجنوني يمثل حربا انتقامية، يحاول فيها جيش الاحتلال أن يعيد لنفسه قليلًا من هيبته التي لم تُبقِ منها المقاومة الفلسطينية شيئًا في يوم العبور المقدس ال 7 من أكتوبر 2023، فغزة يجب أن تُباد بكل من فيها وما فيها، قصف جنوني بدأ على مساكن المواطنين دون سابق إنذار، أبراج تسقط على رؤوس أصاحبها، حصار مُطبق على غزة، لا حرمة لأي شيء في غزة بعد اليوم، فلماذا تسلم المدارس ومراكز الإيواء؟
محاولة لطمس صورة الهزيمة إعلاميًا: كيف يُمكن مسح صورة هزيمة الجيش الذي لا يُقهر عن الإعلام؟ أمران لا ثالث لهما، تصدير الكذب وبيعه إعلاميًا، فهذه حرب يحاول الكيان أن يظهر أنه يدافع عن نفسه فيها ، ضد المقاومة التي تقطع رؤوس الأطفال والنساء، وبالكثير من الدم، وتحريك عاطفة الشعوب إلى مشاهد القتل والإبادة الجماعية، من خلال تصدير " القوة" وبيعها إعلاميًا، ولسان حال قادة الكيان يقول: " ليكن الجيش إجراميًا، ولا يكون منهزمًا، فهزيمة الجيش، تعني غياب الأمان، هجرة المواطن الإسرائيلي، وعدم وفود مهاجرين جدد، وتعني في النهاية، تفكك الدولة.
تفتيت الحاضنة المجتمعية: " أليست تلك النسوة من يتزوجن المقاومين ويكون الأسر بهم؟ لا بأس في قتلهن إذن"، هكذا صّرح من يدير الحرب من الأمريكيين، ليتم تنفيذ المخطط، فأكثر من 70% من الشهداء هُن من النساء والأطفال، يقتل الاحتلال في كل ساعة 6 أطفال و4 نساء، يترصد لهن في مساكنهن، في المستشفيات، في مراكز الإيواء، فالمكان لا يهم، والقتل مشروع، والهدف الانتقام من الحاضنة المجتمعية للمقاومة.
لن يكن هناك مكان آمن في غزة: منذ يومها الأول، انتهجت قوات الاحتلال سياسة الأرض المحروقة، فلا مكان آمن يلجأ إليه المواطن في غزة، في محاولة لتهجير أهالي الشمال إلى الجنوب، من خلال إلقاء المنشورات التي تحثهم للهجرة إلى الجنوب، امتثل بعض المدنيين لهذه التعليمات، لتتم ملاحقتهم في الشاحنات التي تقلهم وتحولهم إلى أشلاء متناثرة في الشوارع، ليعود كثير من أهالي الشمال إلى بيوتهم، فإلى أين ينزح المواطنون إذا كانت كل المناطق هي أهداف للطائرات الجبانة؟
محاولات فاشلة لتجفيف مصادر الصمود: منذ اليوم الأول انتهج الاحتلال سياسة الحصار للقتل والانتقام، للتجويع والإجبار على الاستسلام، لا ماء ولا كهرباء ولا طعام، يُحكم الجيش الإسرائيلي الخناق على هذا الشعب كلما فشل في المواجهة العسكرية، فالضوء الأخضر مُعطى وله أن يفعل ما يشاء في حربه " الدفاعية"، كما يُصدر لنا الغرب، فيستبيح حرمة المدارس والمستشفيات، والجرحى في سيارات الإسعاف، محيط المستشفيات والمدارس، أين تختبئ المقاومة؟ أخبرونا أين السنوار؟ نعدكم أن نخفف الحرب عنكم، هذا ما خرج وصّرح به وزير الدفاع "الإسرائيلي" مخاطبًا أهل غزة.
محاولات تمرير مشروع التهجير الفاشل: وربما تكون هذه هي النقطة الأهم؛ فمنذ أيام الحرب الأولى أيضًا، حاولت الولايات المتحدة وطفلها المدلل "إسرائيل" تمرير مشروع تهجير أهلنا في غزة إلى سيناء، ولتكون وجهتهم الثانية هي تهجير أهالي الضفة إلى الأردن، عارض هذا المشروع حلفاؤهم العرب من دول الطوق- مصر والأردن-، لينخفض سقف هذا المشروع تدريجيًا، فيُصرح وزير الخارجية الأمريكي بأنه خروج مؤقت برغبة أهالي غزة، فإن كان مشروع التهجير فاشلاً، فالبديل هو الانتقام من كل من أفشل هذا المخطط.
تدمير البنية التحتية: حتى وإن انتهت الحرب، فلا يريد هذا الكيان لأهلنا في غزة أن يعيشوا، فلن تتوافر أدنى مقومات الحياة، فقد دمّر الاحتلال كل البُنى التحتية، البيوت و المساكن في غزة، هُدمت المساجد والكنائس، المخابز وشبكات الصرف الصحي، الجامعات والمدارس، فغزة بكل ما فيها مقاومة، وخصم لعدوها.