الوقت - مع تصاعد التوترات بين إيران والکيان الصهيوني، بدأ الوسطاء الإقليميون العمل لدعوة إيران إلى ضبط النفس، وثنيها عن مهاجمة الأراضي المحتلة.
فبعد الرسائل المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران عبر اللاعبين الإقليميين، جاء هذه المرة أيمن الصفدي، وزير خارجية الأردن، شخصياً إلى طهران نيابةً عن الغربيين للقاء علي باقري، القائم بأعمال وزارة الخارجية الإيرانية، لمناقشة التطورات الأخيرة في المنطقة والعلاقات الثنائية.
تحدث الصفدي وباقري مرتين عبر الهاتف في الأيام الأخيرة حول آخر التطورات في المنطقة، وخاصةً الجرائم الأخيرة للکيان الصهيوني، بما في ذلك اغتيال إسماعيل هنية في طهران، ومن المتوقع أن يلتقي هذا الدبلوماسي الأردني أيضاً بعدد من المسؤولين الإيرانيين الآخرين خلال زيارته لطهران.
بلا شك، يحمل وزير الخارجية الأردني في زيارته إلى طهران، في خضم التوترات بين محور المقاومة والکيان الصهيوني، رسائل من الولايات المتحدة وربما أطراف أخرى، ومن المحتمل أن الأردن يعتزم نقل السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة في المنطقة إلى المسؤولين في طهران، لمنع تصاعد التوترات في المنطقة، كما يدعي مسؤولو البيت الأبيض.
سجل الأردن الأسود في اللعب لمصلحة الاحتلال
في حين أن الأردن قد حوّل نفسه في السنوات الماضية إلى درع واقٍ للصهاينة، فإنه يعتبر نفسه وصياً على القدس الشريف، وفي الواقع يجب أن يكون داعماً للشعب الفلسطيني المضطهد في مواجهة الظلم غير المحدود للمحتلين.
كان الأردن ثاني دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع الکيان الصهيوني، ومنذ ذلك الحين، بدلاً من دعم فلسطين، سعى لتأمين مصالح المحتلين، وبينما ارتكب الجيش الصهيوني في السنوات الأخيرة العديد من الجرائم في قطاع غزة والضفة الغربية، وانتهك حرمة المسجد الأقصى، لكن لم يكن هناك رد فعل حازم وقاطع من عمان لإجبار الصهاينة على التراجع.
وفي حين أن وصي المسجد الأقصى يجب أن يقف أكثر من غيره ضد هذه الجرائم، إلا أن الفلسطينيين أنفسهم حملوا عبء الأردن، ففي قضية جريمة جيش الاحتلال في حي "الشيخ جراح" بالضفة الغربية، والتي كانت أول إجراء لحكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة ضد الجماعات الفلسطينية، صمت الأردن، بينما وقفت الجماعات الفلسطينية المقاتلة بقيادة حماس والجهاد الإسلامي ضد المحتلين، ونفذت عملية "سيف القدس".
ويمكن رؤية السجل الأسود للأردن في التماشي مع مصالح الصهاينة مرةً أخرى بوضوح في الحرب الأخيرة على غزة، ففي مواجهة الإبادة الجماعية الواسعة للفلسطينيين في غزة، كان أقل ما يمكن للأردن فعله هو قطع علاقاته الدبلوماسية مع الکيان الصهيوني، والمساعدة في تسليح الفلسطينيين في الضفة الغربية، لكنه في هذه القضية تحديداً تخلّف حتى عن بعض دول أمريكا اللاتينية، واستمر في التعاون مع الکيان الإسرائيلي.
کذلك، بدلاً من مساعدة الشعب الفلسطيني، قام الأردنيون بإنشاء ممر بري لنقل البضائع الصهيونية من الخليج الفارسي إلى الأراضي المحتلة بمساعدة الإمارات والسعودية، لتخفيف الضغط الاقتصادي عن الصهاينة الناتج عن العمليات البطولية لحرکة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر.
لقد تجاوزت الحكومة الأردنية حتى توقعات مسؤولي تل أبيب في دفاعها عن الصهاينة، حيث ساعدت بنشاط في اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية خلال عملية "الوعد الصادق" الإيرانية، بمساعدة أمريكية، لمنع إلحاق الضرر بالصهاينة، وأصبحت بمثابة واقٍ لهذا الکيان.
من ناحية أخرى، وضع الأردن نفسه في الخطوط الأمامية لمواجهة محور المقاومة، من خلال منح قواعد للقوات الأمريكية لمنع الهجمات على الأراضي المحتلة، وكان هجوم جماعات المقاومة العراقية على مبنى "البرج 22" بسبب استخدام أمريكا للأراضي الأردنية لشن هجمات ضد الجماعات العراقية.
كما افتتحت عمان الشهر الماضي أول مكتب لحلف الناتو في الشرق الأوسط على أراضيها، ما جعلها فعلياً مراقباً للناتو في المنطقة، وخاصةً للدعم العسكري للصهاينة.
من المقرر أن يرصد هذا المكتب جميع التحركات المناهضة للصهيونية في غرب آسيا وشمال إفريقيا، ويتصدى للتهديدات ضد الأراضي المحتلة إذا لزم الأمر، وقد تحمل الأردن عبء هذا العار، ولذلك، مع وجود دول مثل الأردن التي تهتم بتأمين مصالح وأمن الصهاينة أكثر من مصالحها الوطنية، يمكن لقادة تل أبيب أن يطمئنوا.
علاوةً على ذلك، يوم الجمعة الماضي، عندما اعتقل الجنود الصهاينة خطيب المسجد الأقصى، ونفوه لمجرد أنه دعا لقراءة الفاتحة لإسماعيل هنية، لم يُظهر الأردن أي رد فعل، حتى ردود الفعل السياسية التي أبداها الأردن وغيره من القادة العرب تجاه جرائم المحتلين، كانت مجرد إجراءات استعراضية لم تخفف من المعاناة الكبيرة للشعب الفلسطيني المظلوم.
عدم رد فعل طهران يتسبب في تصاعد التوتر
خلال الأشهر العشرة الماضية، حيث يعاني سكان غزة العزل من أسوأ الظروف الإنسانية ويصارعون الموت يومياً، لم تقم السلطات الأردنية بأي مشاورات دبلوماسية لإقناع العالم بوقف الجرائم في غزة.
لكن الآن، وقد ارتعد الصهاينة خوفا من هجمات إيران وحزب الله، بدؤوا في العمل لتخفيف خوف وقلق المستوطنين، والجدير بالذكر أن هذه الخدمة المجانية تتم تحت ستار منع عدم الاستقرار وانتشار الحرب في المنطقة، في حين أن جهود الصهاينة لتصعيد التوتر وتوسيع نطاق الحرب الإقليمية، هي الآن موضع استنکار جميع المراقبين السياسيين والمحللين، حتى الغربيين.
لقد سعى القادة الصهاينة منذ تأسيس کيانهم المزيف إلى تحقيق حلمهم القديم "من النهر إلى البحر"، وهم يتقدمون بهذه السياسة خطوةً بخطوة، وقد كانت إيران وجماعات المقاومة هي التي منعت تحقيق هذه المؤامرة الشريرة في العقود الماضية.
في النظام الدولي، يعتبر الدفاع المشروع أمراً مقبولاً، وفي الواقع، إذا لم يكن هناك رد مناسب ورادع على وقاحة الکيان الإسرائيلي، فسيجد الصهاينة شجاعةً أكبر للقيام بأعمال مزعزعة للاستقرار، ما سيعرّض أمن المنطقة للخطر.
ولذلك، يجب على إيران أن تنفّذ عمليةً لاستعادة كرامتها والرد المناسب على انتهاك سيادتها، حتى يتلقى الکيان رسالةً مفادها بأنه إذا استمر في مغامراته، فإن محور المقاومة سيواجهه بكل قوته.
بالتأكيد، لن تتمكن التحركات السياسية للوسطاء من زعزعة إرادة طهران وحزب الله والجماعات الأخرى في المنطقة، لإعطاء رد قاسٍ متعدد الأوجه ومشترك للکيان الصهيوني.
في هذه الأثناء، من الأفضل أن يدرك الأردن وغيره من المتصالحين العرب، أن تكرار دورهم الخائن في إنشاء درع دفاع جوي للصهاينة ليس في مصلحتهم، ويمكن أن يدخل المنطقة بأكملها في أزمة.
من ناحية أخرى، تأتي تحركات الأردن في وقت يدعم فيه الرأي العام في المنطقة هجمات المقاومة على الأراضي المحتلة، وسيكون أي بلد يقف في جبهة الکيان الإسرائيلي مكروهاً من قبل المسلمين.
السبب الرئيسي لاستمرار الکيان الصهيوني في ارتكاب جرائمه في غزة، ليس الدعم الحاسم من الغرب، بل إن صمت الدول العربية جعل هذا الکيان أكثر غطرسةً، ولو أن العرب المتصالحيين قطعوا علاقاتهم السياسية مع "إسرائيل"، وفرضوا عليها عقوبات اقتصادية في بداية حرب غزة، لكان الوضع مختلفاً.
لكن العرب بصمتهم ودعمهم السري لتل أبيب، أطلقوا يد الکيان للاحتلال والجريمة، وهم الآن يكافحون لوقف هجوم إيران، حتى لا تتكبد العصابة الإجرامية الحاكمة لفلسطين المحتلة خسائر وضحايا.