الوقت- وسط التطورات السياسية والعسكرية المتسارعة في الشرق الأوسط، يبدو واضحا ارتباك وضعف القيادة الإسرائيلية، ممثلة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبينما كان من المتوقع أن يظهر نتنياهو قوة وإصرارا في مواجهة التحديات التي تواجه وجوده الهش، فإن الواقع يظهر مشهدا مختلفا تماما، حيث يتعثر نتنياهو في قراراته ويفشل في تحقيق أهدافه، ما يضطره للبحث عن ضحية لتحميله مسؤولية هذا الفشل، وفي خضم هذا الالتباس، يتجلى ضعف نتنياهو وعدم قدرته على التعامل مع التحديات الأمنية والسياسية التي تحيط بالكيان الصهيوني من كل جانب.
منذ بداية العدوان على غزة، مني الكيان الصهيوني بهزائم فادحة تكشف مدى هشاشة الجبهة الداخلية وعدم قدرتها على مواجهة صمود المقاومة الفلسطينية، وإن فشل نتنياهو في تحقيق أي إنجازات ملموسة في تحقيق الأهداف التي صرح بها بداية العدوان على غزة ، يقود الكيان الصهيوني إلى دوامة من الفوضى والضعف ويهدد مستقبله.
هزيمة نتنياهو المدوية في غزة
لقد كانت غزة دائما الصخرة التي سقطت عليها مخططات الكيان الصهيوني، وبالنسبة لنتنياهو منذ توليه منصب رئيس الوزراء، كانت غزة كابوساً مقلقاً، ويتجلى الفشل الصهيوني بشكل واضح في جولات العنف والتصعيد المتكررة التي يقوم بها جيش الاحتلال في قطاع غزة، وقد لجأ نتنياهو مرارا وتكرارا إلى سياسات الإرهاب والضربات العسكرية، لكنه فشل فشلا ذريعاً، ولم توقف هجماته الوحشية الصواريخ المنطلقة من غزة، بل على العكس من ذلك، واصلت المقاومة الفلسطينية سحق أحلام نتنياهو وأذاقت جيش الاحتلال مرارة الهزيمة.
وفي العدوان الأخير على غزة ، حدد نتنياهو عدة أهداف، لكنه فشل في تحقيق أي منها، وأذاق جيش الاحتلال مرارة الهزيمة في محاولته دخول غزة والسيطرة عليها، حيث واجه مقاومة شديدة من المقاومة الفلسطينية في غزة سحقت أحلام نتنياهو وأثبتت أن إرادة الشعب الفلسطيني لا تقهر.
ولا تزال المقاومة الفلسطينية تواجه الكيان الصهيوني بشجاعة حتى يومنا هذا، مطلقة الصواريخ التي تدمر المستوطنات وتبث الرعب في قلوب الصهاينة، لقد فشل نتنياهو فشلاً ذريعاً في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وهنا في غزة، بعد كل هذه السنوات، يواصل الصمود والمقاومة والتحدي، ما يثبت أن الكيان الصهيوني هش وضعيف في وجه العزيمة والإرادة للمقاومة الفلسطينية.
نتنياهو وإقالة المسؤولين العسكريين والأمنيين
وفي محاولة يائسة لصرف الانتباه عن فشل نتنياهو في التعامل مع غزة، فقد كان لدى نتنياهو رغبة قوية في إقالة عدد من كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين الاسرائيلين . وبحسب ما كشفت قناة "كان" العبرية، إن نتنياهو كان ينوي إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بعد العودة من واشنطن، "إلا أن الاغتيالات عرقلت الأمر"، وأضافت القناة إن نتنياهو كان يريد أيضا إقالة رئيس الأركان هرتسي هليفي، ورئيس الشاباك رونين بار.
وتشير مصادر القناة إلى أن هدف نتنياهو من عمليات الطرد هذه هو إيجاد قيادة عسكرية وأمنية مطيعة تنفذ أوامره دون معارضة، وهذا يظهر بوضوح ضعف نتنياهو وعدم قدرته على التعامل مع التحديات الأمنية، وخاصة تلك القادمة من غزة، كما يكشف عدم ثقة نتنياهو في قيادته العسكرية والأمنية، ما يثير تساؤلات جدية حول قدرته على اتخاذ القرارات الصحيحة في أوقات الأزمات.
ولا تقتصر هزيمة نتنياهو على الجبهة الفلسطينية فحسب، بل تشمل أيضا مواجهة التحديات الأمنية المختلفة التي يواجهها الكيان الصهيوني، على سبيل المثال، فشل نتنياهو في منع نمو قوة حزب الله في لبنان، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً لأمن الكيان الصهيوني المحتل، كما تواجه "إسرائيل" تهديدات متزايدة من إيران وحركات المقاومة في المنطقة مثل حركات المقاومة في العراق واليمن، ولم ينجح نتنياهو في صياغة استراتيجية فعالة للتعامل مع هذه التهديدات المتزايدة.
بالإضافة إلى ذلك، فشل نتنياهو في التعامل مع الاحتجاجات الفلسطينية المستمرة في الضفة الغربية، ما أدى إلى انتقادات دولية واسعة النطاق ضد الكيان الصهيوني، وترك نتنياهو في موقف ضعيف، كما أن فشله في وقف الهجمات الفلسطينية الفردية ضد المستوطنين الإسرائيليين أظهر ضعفًا واضحًا في قدرته على توفير الأمن والحماية الإسرائيليين.
ويثير فشل نتنياهو في مواجهة التحديات الأمنية المتعددة تساؤلات جدية حول قدرته على قيادة الكيان الصهيوني في هذه الأوقات المضطربة، ومع تزايد التهديدات من كل الأطراف، يبدو أن نتنياهو غير قادر على تقديم استراتيجية فعالة لضمان أمن واستقرار الكيان الصهيوني.
ارتباك نتنياهو السياسي
حيرة نتنياهو لا تقتصر على الجانب العسكري والأمني، بل تمتد إلى الساحة السياسية، وعلى الصعيد الداخلي، يواجه نتنياهو ردود فعل عنيفة متزايدة بسبب سياساته المثيرة للجدل، كما أدى فشله في تشكيل حكومة مستقرة بعد عدة جولات من الانتخابات إلى إضعاف موقفه السياسي، وعلى المستوى الخارجي، فشل نتنياهو في تحقيق تقدم دبلوماسي مع الدول العربية في ملف التطبيع رغم جهوده، كما أدت علاقاته المتوترة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إضعاف حكومته.
وأثارت قرارات نتنياهو الأخيرة، التي كان ينوي من خلالها إقالة المسؤولين العسكريين والأمنيين، انتقادات من داخل "إسرائيل"، ويعتقد البعض أن هذه القرارات تعكس ارتباك نتنياهو ومحاولته اليائسة للبقاء في السلطة، كما أن فشله في تحقيق الاستقرار والأمن يدعو إلى التشكيك في قدرته على قيادة الكيان الصهيوني في هذه الأوقات الصعبة.
عواقب هزيمة نتنياهو القاسية
إن فشل نتنياهو في عدوانه على غزة له عواقب وخيمة على الكيان الصهيوني، سواء على المستوى الأمني أو السياسي أو الداخلي، ومن الناحية الأمنية، ستواصل المقاومة الفلسطينية إطلاق الصواريخ وتنفيذ هجمات فردية ضد المستوطنين، ما سيخلق حالة من الخوف وعدم الاستقرار في صفوف الإسرائيليين، لقد أدى فشل نتنياهو في تحقيق الاستقرار على الحدود مع غزة إلى شعور الإسرائيليين بعدم الأمان وعدم قدرتهم على حمايتهم من ضربات المقاومة الفلسطينية.
وعلى المستوى السياسي، أدت هزيمة نتنياهو إلى إضعاف مكانة الكيان الصهيوني على الساحة الدولية، وفشله في تحقيق أي إنجاز ضد المقاومة الفلسطينية أضر بصورة الجيش الإسرائيلي الذي كان يدعي دائما القوة والتفوق، وأدت علاقة نتنياهو المتوترة مع الحكومة الأمريكية إلى إضعاف الكيان الصهيوني في المحافل الدولية وتقليص التأييد الذي يتمتع به حيث سبق وأن تم فتح تحقيق في محكمة العدل الدولية بالجرائم التي قام بها الكيان الصهيوني بارتكابها في غزة.
وعلى المستوى الداخلي، يواجه نتنياهو انتقادات شديدة من المعارضة الإسرائيلية التي تتهمه بالعجز عن توفير الأمن والاستقرار للكيان الصهيوني. وقد أثارت جهوده اليائسة للبقاء في السلطة، حتى على حساب خسارة ما تسمي "المصالح الوطنية"، غضب العديد من الإسرائيليين، وستكون الأيام المقبلة صعبة على الكيان الصهيوني، وخاصة في ظل تحركات المقاومة في تصريحات المنطقة للرد بشكل حاسم على غطرسة الصهاينة، إن حركات المقاومة عازمة على وضع حد للعدوان الصهيوني، وسترد بكل حزم على العدوان والصلف الصهيوني.
إن فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه في غزة وزيادة تهديدات حركات المقاومة يضع الكيان الصهيوني في موقف صعب ويجعله عرضة لردود أفعال قاسية قد تهز قاع الميزان وتغير المعادلات في المنطقة ببطء تحت نتنياهو بارتباكه وهزيمته، وضع الكيان الصهيوني على حافة الهاوية، وعرضه للخطر من كل جانب.
في النهاية، يبدو أن نتنياهو غارق في دوامة الفشل والضعف، إضافة إلى الفشل السياسي، فهو يظهر هشاشة النظام الصهيوني وعدم قدرته على مواجهة التحديات، ومهما حاول نتنياهو تغيير القيادة العسكرية والأمنية، فإنه لا يزال غارقاً في دوامة الفشل.
ويعيش الكيان الصهيوني أوقاتاً عصيبة في ظل تضارب نتنياهو وقراراته المتهورة، إن الفشل في تحقيق الأمن والاستقرار وتزايد التهديدات من كل الأطراف يضعف موقفه ويجعله عرضة للانتقادات الداخلية والضغوط الدولية، لقد قاد نتنياهو، بسياساته الفاشلة، الكيان الصهيوني إلى مستقبل غامض مليء بالتحديات والمخاطر وقرب بزواله، إن هزيمة نتنياهو البائسة تهدد وجود الكيان الصهيوني الهش وتعجل بزواله.