الوقت- رغم مرور عشرة أشهر على عملية "عاصفة الأقصى" في ال 7 من تشرين الأول 2023، التي وجهت ضربة قوية لهيمنة الكيان الصهيوني، إلا أن آثار هذه العملية الفريدة لم تغادر الأراضي المحتلة يوما بعد يوم، واليوم تترتب على ذلك عواقب سياسية وأمنية جديدة للصهاينة على نطاق أوسع.
يواصل بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء الصهيوني والقادة الأمنيون تبادل الاتهامات بأنهم سبب الوضع الحالي في الأراضي المحتلة حول مسألة من هو المذنب الرئيسي في فشل عملية اقتحام الأقصى.
مع استمرار الحرب في غزة، تتسع هذه الخلافات، وفي الأيام الأخيرة امتدت إلى حرب كلامية بين نتنياهو ومسؤولي الجيش، وفي هذا الصدد، قال نتنياهو مؤخراً إن أحد أسباب عدم إحراز تقدم في مفاوضات تبادل الأسرى في الأشهر الأخيرة هو أن الجيش لا يمارس ضغطاً عسكرياً كافياً ضد حماس، وهو ما يعني عملياً اتهام قادة الجيش بعصيان الأوامر. وفي هذا الصدد، أفادت القناة 12 التابعة للكيان الصهيوني أن رئيس أركان الجيش، هرتسي هولواي، أخذ هو الآخر تصريحات نتنياهو على محمل الجد في أحد اللقاءات وطالبه بالاعتذار، إلا أن رئيس الوزراء لم يرد حتى الآن على هذا الطلب.
وبينما يعتبر نتنياهو الجيش هو سبب فشل مفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس، التي وضعت مؤخرا شروطا تعتبر، حسب وسائل إعلام إسرائيلية، نوعا من المماطلة في مسار المفاوضات، وهو ما تصفه صحيفة هآرتس بالفشل كما تصف المفاوضات التي أجراها نتنياهو بأنها "إسقاط قنبلة ذرية على الصهاينة".
في المقابل، أمر نتنياهو الذي يعاني من الخوف من كشف معلومات اجتماعاته الأمنية، بعدم تسجيل الاجتماعات الأمنية والمشاورات الوزارية التي تعقد في مقر وزارة الحرب من الآن فصاعدا، كما سيقوم الجيش بإيقاف أجهزة التسجيل الأوتوماتيكية في غرفة الاجتماعات.
وكتبت صحيفة هآرتس عن ذلك: لكن نتنياهو غير راضٍ عن ذلك، ولإنهاء مخاوفه من أن هذه الاجتماعات ستُستخدم ضده يومًا ما، فإنه يعقد العديد من اجتماعاته في مكتبه للتأكد من عدم وجود أجهزة تسجيل.
يأتي هذا الإجراء من نتنياهو بينما بموجب قانون ديوان رئيس الوزراء، يتعين على الحكومة إعداد محاضر جميع اجتماعات مجلس الوزراء واللجان الوزارية، ويجب تسجيلها وأرشفتها، وقبل أسابيع اتهمت وسائل إعلام عبرية نتنياهو بأنه أمر بعدم تسجيل المفاوضات أثناء الحرب لتجنب استجوابه بعد انتهاء حرب غزة، حتى لا تستخدم ضده في فترة بعد الحرب.
نتنياهو يسعى للفرار السياسي من اتهامات ال 7 من أكتوبر
وهجمات نتنياهو الجديدة على الجيش، والتي تكثفت منذ بداية الشهر الجاري مع تعليق زوجته الغريب على مواقع التواصل الاجتماعي حول احتمال قيام الجيش بانقلاب، فيما تجري عملية النظر في قضية تشكيل لجنة لتقصي حقائق الأحداث بتاريخ ال 7 من تشرين الأول وجاري تقديم المسؤولين عن إهمال حماية الكيبوتسات، ولهذا السبب، اتخذ نتنياهو مبادرات جديدة لتجنب مشاكل مستقبلية في أدائه في حرب غزة، ويبحث عن بدائل للجنة التحقيق الرسمية في إخفاقات ال 7 من إكتوبر.
وحسب موقع "والا"، فإن نتنياهو يدرس تغيير قانون تشكيل لجنة تحقيق رسمية، والذي بموجبه يجب على رئيس المحكمة العليا لهذا الكيان تشكيلها، وتحظى لجنة التحقيق هذه بدعم 80 عضوا في الكنيست، ويتم تشكيل اللجنة في وقت تتزايد فيه المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية حول عدم كفاءة الأجهزة الأمنية في مواجهة عملية اقتحام الأقصى.
وحسب التقرير، فإن نتنياهو حريص على تأجيل تشكيل لجنة التحقيق الرسمية حتى الانتخابات العامة المقبلة، ولكن إذا زادت الضغوط الشعبية لتشكيل لجنة تحقيق رسمية، فإنه سيحاول إفشالها من خلال التحايل على قانون المؤسسة وإفشال تشكيل لجنة تحقيق رسمية.
كما زاد التوتر بين نتنياهو ويؤاف جالانت وزير الحرب في الكيان الصهيوني بسبب الاتفاق مع حركة حماس بشأن إطلاق سراح الأسرى ووقف الحرب، كما منع نتنياهو جالانت من عقد اجتماع منفصل مع رؤساء الموساد والشاباك.
هذا فيما قال جالانت الأسبوع الماضي بعد نشر النتائج الأولية للتحقيق في أحداث ال 7 من أكتوبر: "علينا جميعا أن نتقاسم العبء الواقع على عاتق شعب إسرائيل.. في ال 7 من تشرين الأول/أكتوبر، لم نقم بمسؤوليتنا في الدفاع عن شعب إسرائيل... يجب تشكيل لجنة رسمية وموضوعية لتقصي الحقائق والتحقيق مع الجميع، بما في ذلك الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، وحتى أنا ورئيس الوزراء وقائد الجيش والشاباك، وينبغي لهذه اللجنة أن تحقق في فشل ال 7 من أكتوبر وأسباب تزايد قوة حماس".
لقد تحمل الجيش الإسرائيلي جزءا من مسؤولية الفشل في اقتحام الأقصى، وطالب الحكومة مرارا وتكرارا بتحمل مسؤولية هذا الفشل، لكن نتنياهو يتهرب من قبول المسؤولية عن فشل هذه العملية، وحتى في بداية حرب غزة، قام نتنياهو بإتلاف بعض الوثائق المتعلقة بيوم ال 7 من أكتوبر حتى لا تستخدم هذه الوثائق ضده في المستقبل، وأثارت هذه القضية موجة من الانتقادات في الأراضي المحتلة، كما يعلم قادة الجيش من الجيد جدًا أنهم إذا خسروا في حرب غزة، فسيتعين عليهم تحمل تكاليف كبيرة، وستحاسبهم المحكمة العليا وأحزاب المعارضة في يوم ما بعد الحرب، وربما يتم سجنهم، لذلك لا يريدون أن تكون الحكومة ضحية لهذا الحادث ويسقط كل الحطام على الجيش.
وقد تسببت هذه القضية في تفاقم الانقسامات بين السلطات السياسية والأمنية أو وقف الحرب في غزة، ويقال إن جالانت يريد تسريع قبول الاتفاق بشكله الحالي، لكن نتنياهو يدعي أن اقتراح حماس غير مقبول، وأن الحل الوحيد لتحسين الاقتراحات هو الضغط العسكري.
ومنذ بداية الحرب، رفض نتنياهو سلسلة من المقترحات بشأن البدائل المحتملة لحماس في غزة، بما في ذلك خطة أمريكية لتسليم إدارة غزة إلى السلطة الفلسطينية ودعوات عربية لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية تضم حماس هناك ليست فترة ما بعد الحرب.
وفي خطاب ألقاه مؤخراً، قال نتنياهو إن الجيش الإسرائيلي سيواصل الحرب حتى يحقق أهدافه، وهي تدمير حماس وإعادة الأسرى إلى منازلهم، ويعتقد نتنياهو والوزراء المتشددون في الحكومة أنهم إذا واصلوا الحرب لفترة طويلة، فيمكنهم تدمير حماس واحتلال غزة، لكن مسؤولي الأمن العسكري الذين يراقبون عن كثب التطورات الميدانية قالوا مرارا وتكرارا إن تدمير حماس أمر مستحيل، فالحركة ليست مجرد مجموعة عسكرية، بل هي مؤسسية مثل الفكر بين الفلسطينيين.
ومن ناحية أخرى فإن تدمير أنفاق حماس كان أحد أهداف الهجوم على غزة، وبعد عشرة أشهر ما زالوا يفشلون في اكتشاف هذه الأنفاق، ورغم المعدات الحديثة للجيش إلا أن 20% فقط من هذه الأنفاق تحت تصرف قوات الاحتلال، وهو ما يوضح مدى صعوبة الحرب مع الفصائل الفلسطينية في غزة.
كما أن فصائل المقاومة قتلت أو جرحت حتى الآن أكثر من آلاف جنود الاحتلال في غزة، وهذه الإحصائيات تتزايد كل يوم، لكن حكومة نتنياهو لا تعلن عن إحصائيات دقيقة عن حجم خسائر الجيش من أجل تخفيف الضغط عليها من الرأي العام، من خلال الرقابة على المعلومات.
قمع نتنياهو باسم الإرهاب والانقلاب
وكما ذكرنا، فقد تصاعد التوتر بين الجيش ونتنياهو إلى حد أن زوجة نتنياهو زعمت مؤخراً أن الجيش يخطط لانقلاب ضد الحكومة، كما نشر نجل رئيس الوزراء، يائير نتنياهو، منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به يتهم فيها قادة الجيش بتدبير انقلاب ضد والده للتغطية على عيوبه في مواجهة هجمات حماس على المستوطنات الإسرائيلية في عملية ال7 من أكتوبر.
كما زعم نتنياهو في خطاب ألقاه يوم الإثنين: "لا شيء غير مرجح، ما حدث لترامب، قد يحدث لي أيضًا، وينتشر التحريض على العنف واغتيال المسؤولين والوزراء وعائلاتهم، ليس يومياً فحسب، بل كل ساعة".
ويبدو أن نتنياهو، الذي يتعرض لضغوط شديدة هذه الأيام من أحزاب المعارضة والوزراء المتشددين في الحكومة، يريد أن يبدو مضطهدا ويخفف الضغوط الداخلية على حكومته بمثل هذا الخطاب.
وحسب بعض الخبراء، فإن الصراع بين الجيش ونتنياهو وأحزاب اليمين المتطرف لا علاقة له بالمرحلة الحالية، بل هو اختلاف جوهري، لأن نتنياهو يعتبر القادة العسكريين منافسين له على منصب رئيس الوزراء، لأن هناك تقليدا في "إسرائيل" يقضي بأن القادة العسكريين يدخلون السياسة بعد التقاعد، وهذا التقليد يجعل القادة الحاليين والمتقاعدين معارضين محتملين لسياسيين مدنيين آخرين مثل نتنياهو.
ويعتقد أيال ألما، المحلل العسكري لراديو إسرائيل، أن "دوائر كثيرة في الائتلاف الحكومي، بما في ذلك نتنياهو، تتطلع إلى استغلال الفراغ والاستقالات المتوقعة في جهاز المخابرات لاختيار وتعيين شخصيات تحمل أفكار وأجندة نتنياهو، واليمينيين وهم موالون للأحزاب الشريكة للحكومة، ونتيجة لذلك، يسيطرون على كل المؤسسات الحكومية".
الاحتمال الغامض للحرب في ظل الخلافات بين الجيش والحكومة
وفي ظل التطورات الميدانية واحتدام الانقسامات السياسية بين السلطات الصهيونية، فإن استمرار الحرب في غزة لن يكون في مصلحة المحتلين، ورغم إصرار نتنياهو ورفاقه على مواصلة الحرب في غزة، فإن قادة الجيش لا يريدون دفع ثمن حرب لا نصر فيها ويريدون وقف الصراع في المرحلة الحالية.
كما أن الخلافات بين المسؤولين السياسيين والأمنيين سيكون لها تأثير سلبي على معنويات القوات العسكرية الصهيونية، وسيصابون بخيبة أمل لأنهم أصبحوا ضحايا لأطماع ساستهم.
وحسب تقارير إعلامية عبرية، فإن الجيش ضعف وقوات الاحتياط لا ترغب في العودة إلى قطاع غزة، وهذا الموضوع يجعل من الصعب مواصلة المعركة مع فصائل المقاومة، لكن مع ذلك فإن نتنياهو الذي يفكر في الحفاظ على مقعد السلطة، لا يزال يريد مواصلة الحرب ويصر على منع انهيار حكومته.
من ناحية أخرى، حذرت فصائل المقاومة في المنطقة أيضا من أنها مع استمرار الحرب في غزة ستكثف نطاق هجماتها ضد الأراضي المحتلة ومصالحها في البحر الأحمر، وهذا الموضوع سيضع أعباء كبيرة على عاتق حكومة نتنياهو.
وفي الوقت الحالي، مع العملية الصاروخية لأنصار الله اليمنية في البحر الأحمر، والتي أدت إلى خفض حركة السفن الصهيونية عبر هذا الممر المائي الدولي إلى الصفر، تم إغلاق ميناء إيلات، واستمرار هذا الوضع سيجعل الوضع أكثر صعوبة على العدو الصهيوني.
وفي الجبهة الشمالية، فإن المستوطنين ليسوا في مأمن من الهجمات اليومية التي يشنها حزب الله اللبناني، وهناك شبح حرب واسعة النطاق في هذه المنطقة أيضاً، ولذلك فإن القتال على عدة جبهات سيكون مكلفاً بالنسبة للكيان الصهيوني، ولن يكون المستوطنون آمنين في أي مكان في الأراضي المحتلة، لذلك فإن الأمل في كسب حرب غزة بقوى ضعيفة أمر لا جدوى منه، وهو ما يفهمه قادة الجيش جيداً، ولكن أهداف نتنياهو السياسية تمنع ذلك، وستكون النتيجة المزيد من الضحايا في ساحة المعركة.