الوقت- منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، ومجلس الأمن والحكومات الغربية ووسائل إعلامها، يمارسون ازدواجية فاضحة في المعايير، تكاد تصل إلى حدود النفاق والرياء... انحياز لا يُوصف إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتبنّي أكاذيب وتلفيق أخبار زائفة من أجل تصوير الكيان الغاصب على أنه الحمل الوديع وأن الفلسطينيين الذئب المفترس !
على الرغم من أن محاولات قلب الحقائق وتحويل الجلاد لضحية، والضحية لجلاد ليست بالأمر الجديد على مجلس الأمن والدول الغربية أو وليدة الحرب على غزة فقد اعتاد العالم على السياسة الغربية في التعاطي مع القضايا الدولية لكن عندما يتعلق الأمر بالأطفال يجب على العالم إقامة العزاء على الإنسانية.
يختلف الأمر عندما يتعلق بأطفال أوكرانيا!
اهتز العالم بنبأ قصف مستشفى أوخماتديت للأطفال في كييف، أكبر منشأة لطب الأطفال في أوكرانيا، وسارع الغرب لتوجيه الاتهام بقصف المستشفى لروسيا، حتى وصل الأمر بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التصريح خلال مقابلة له بقمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن بأنه يرغب في قتل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما نفت روسيا من جهتها قصف المستشفى، واعتبرت أن المستشفى أصيب بصاروخ مضاد للطائرات من منظومة NASAMS النرويجية.
في واقع الأمر من غير المعلوم من أطلق الصاروخ ولكن حتى لو كانت أوكرانيا هي المسؤولة فإن الغرب سيتهم روسيا بذلك.
أدانت الدول الغربية قصف مستشفى الأطفال في كييف، فالرئيس الأمريكي جو بايدن وصف الهجوم بأنه” تذكير مروع بوحشية روسيا”، بينما رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر اعتبر أن مهاجمة الأطفال الأبرياء من أشد الأفعال فساداً، أما رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو غرد بأن ضرب مستشفى للأطفال، والأطفال الأبرياء بداخله، لا يمكن تبريره، ووصفت وزيرة الخارجية الألمانية نانسي فيزر الهجوم على المستشفى بأنه” جريمة حرب”، ودعا مسؤولو الاتحاد الأوروبي إلى محاسبة المسؤولين الروس عن هذا الهجوم.
الغرب يتعامى عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، هذه المجازر التي لم تشهد لها البشرية مثالاً، تدل على وحشية الكيان الغاصب، فلم نسمع أصوات هؤلاء الزعماء ينددون بالمجازر الإسرائيلية ويعتبرون الهجمات العسكرية على قطاع غزة جرائم حرب ويدعون إلى محاسبة المسؤولين الإسرائيليين وعلى رأسهم رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو المتعطش للدماء.
يبدو أن صور أطفال غزة المقطعة أشلاؤهم والمصابون بإعاقات جراء القصف الإسرائيلي والأطفال الذين يعانون الجوع والعطش لم تشفع لهم عند زعماء الغرب الذين تباكوا على أطفال أوكرانيا.
دعوات لوقف ازدواجية المعايير
في سياق تعامي زعماء الغرب عن استشهاد آلاف الأطفال في غزة بنيران قوات الاحتلال الصهيوني حثّ رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الغرب على رفض المعايير المزدوجة، فيما يتعلق بحرب الإبادة الجماعية في غزة، وذلك مع انضمامه إلى قادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في دعم أوكرانيا.
وفي هذا الخصوص قال سانشيز إذا قلنا لشعبنا إننا ندعم أوكرانيا لأننا ندافع عن القانون الدولي، فهذا هو نفس ما يتعين علينا القيام به تجاه غزة"، وأكد الزعيم الإسباني، أنه يجب أن يكون هناك موقف سياسي ثابت "ليس فيه معايير مزدوجة".
وأوضح سانشيز أنَّ العالم بحاجة إلى الضغط من أجل وقف هذه الأزمة الإنسانية الرهيبة التي تؤثر على الفلسطينيين، ودعا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام للدفع من أجل إقامة دولة فلسطينية.
ازدواجية المعايير لم تقتصر على الموقف السياسي
لم تقتصر سياسة الغرب الازدواجية على الموقف السياسي والدعم السياسي للجاني، ولسخرية القدر فإن المساعدات الإنسانية تقدم للجاني لا للمجني عليه وللقاتل وليس للضحية فعوضاً عن تقديم المساعدات الإنسانية للذين يعانون من مجاعات فادحة في فلسطين مثلاً تم إيقاف تمويل اليونيسكو حتى بات الفقر المدقع عنواناً للمنطقة برمتها سواء في سورية أو لبنان أو السودان وغيرها نتيجة الحروب العسكرية والاقتصادية.
وفي حين قدمت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا، قدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 65 مليار يورو وتشمل حزم المساعدات الغربية هذه المعدات العسكرية والأسلحة والذخيرة، بالإضافة إلى المنح المالية والقروض وموارد الطاقة والمعدات الطبية والإمدادات الغذائية، بينما لم تقدم تلك الأموال لحزم المساعدات الإنسانية لمن يحتاجها فعلاً، فيما تخطط واشنطن لضخ 6 مليارات دولار أخرى هذا العام، كما أعلنت فرنسا في شباط الماضي بأنها سترسل مساعدات عسكرية بقيمة 3 مليارات يورو إلى أوكرانيا كجزء من صفقة أمنية.
وتشارك ألمانيا أيضًا في هذا العمل، بحزمة مساعدات عسكرية بقيمة 1.1 مليار يورو، ليصل إجمالي دعمها إلى أكثر من 7 مليارات يورو هذا العام، بالإضافة إلى ذلك، خصصت ألمانيا أكثر من 102.2 مليار دولار للمساعدات الإنسانية لمساعدة أوكرانيا خلال الحرب، ناهيك عن الدعم اللامحدود وغير المشروط من قبل تلك الدول إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي والتي زادت بكثافتها منذ بدء طوفان الأقصى.
ختام القول
عشرات الضحايا في هجوم مستشفى كييف كانت كثيرة بما فيه الكفاية لإثارة سخط زعماء الغرب، بينما الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني بمختلف وأحدث الأسلحة على غزة والتي راح ضحيتها أكثر من 15 ألف طفل وإصابة آلاف الأطفال فضلاً عن المفقودين ومنهم من يعاني الجوع إذ إنه حسب المكتب الإعلامي في غزة فإن أكثر من 3500 طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر الموت التدريجي في القطاع بسبب اتباع الاحتلال سياسة التجويع، وبعض الأطفال قد ماتوا بسبب الجوع، وحسب المفوض العام لوكالة الأونروا فإن 10 أطفال يفقدون ساقاً أو ساقين يومياً في غزة، ليست كفيلة بإدانة كيان الاحتلال الغاصب أو وقف إمداده بالسلاح والعتاد!.