الوقت - بدأ الکيان الصهيوني عمليته العسكرية المحدودة في رفح قبل ثلاثة أيام، وسط تجاهل تل أبيب وعدم اكتراثها لرغبات المجتمع الدولي، وحتى حلفائها الغربيين.
وجاء وصول دبابات الکيان الصهيوني إلى معبر رفح الحدودي، بينما كانت حماس قد وافقت قبل ساعات على المسودة المقدمة في مفاوضات القاهرة بشأن تبادل الأسرى، لكن الکيان الإسرائيلي دخل رفح رغم كل الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب.
إن دراسة الأوضاع الميدانية والسياسية والدولية في هذا الهجوم، لها عدة نقاط:
1. لم يكن الهجوم البري لقوات الکيان الصهيوني شاملاً من حيث عدد القوات ومنطقة العمليات، ولم يتحرك سوى لواءان مدرعان هما 401 و84 من الفرقة 162، على طول الخط الحدودي المعروف باسم "محور فيلادلفيا" - المنطقة الحدودية بين قطاع غزة ومصر – ولم يدخلوا إلى المنطقة المحيطة، هذا فيما كان من المتوقع أن تكون هذه العملية أكبر من هذه، بسبب الدعاية الواسعة للصهاينة.
2. على الرغم من أن الهجوم المذكور كان محدودًا أكثر مما كان متوقعًا، إلا أنه تم تضخيمه من الناحية الإعلامية، حيث هاجمت الدبابات الصهيونية رموز مدينة غزة في رفح، وصوّرت الوحدة الإعلامية في جيش الکيان وصول الدبابات بأعلام كبيرة من الأعلى، لتوصيل هذه الرسالة للجمهور بأن الجانب الإعلامي لهذه العملية هو الأهم.
وربما تكون هذه المبالغة الإعلامية مؤشراً على محاولة نتنياهو تسويق هذه العملية المحدودة بتكلفة أعلى للأعضاء المتشددين في حكومته، حتى يتمكن من دفع مفاوضات تبادل الأسرى.
3. إن عدم رد الفعل المصري على انتهاك اتفاقية كامب ديفيد (1979)، ووصول الدبابات الإسرائيلية إلى الخط الحدودي (المنطقة د) بعد 45 عاماً، أمر يستحق التأمل، ويزعم البعض أن القاهرة حصلت على امتياز اقتصادي أو سياسي من تل أبيب، ويزعم آخرون أن "إسرائيل" بررت وجود قوات مدرعة في رفح، من خلال الإشارة إلى وجود قوات مدرعة تابعة للجيش المصري، بحجة محاربة الحركات السلفية في صحراء سيناء، وذكرت صحيفة هآرتس أيضًا أن تل أبيب وعدت القاهرة بأنها لن تدمر المنشآت الحدودية في رفح.
4. أثار الهجوم المحدود الحالي فرضيةً مفادها بأن الصهاينة يريدون استغلال هذا الوضع للقيام بعملية خطوةً بخطوة، وعلى هذا الأساس، فإن الصهاينة يعتزمون الحصول على ورقة رابحة مهمة في المفاوضات مع حماس، وذلك بشن هجمات متقطعة داخل مناطق رفح خلال استمرار المفاوضات في القاهرة لإطلاق سراح الأسرى.
5. توقع بنيامين نتنياهو أن حماس لن توافق على المسودة المطروحة، لكن دهاء "يحيى السنوار" ضغط على رئيس الوزراء الصهيوني سياسياً، حيث أدى تصريح حماس بالموافقة على اتفاق تبادل الأسرى، إلى قيام الجيش الإسرائيلي بمهاجمة رفح قبل الموعد المقرر، وكان ذلك في حين أن مظاهرات كبيرة شهدتها شوارع تل أبيب، ليكون نتنياهو في موقف أضعف.
6. من الناحية الإستراتيجية، يبدو أن بنيامين نتنياهو ينوي إبقاء نار هذه الحرب دافئةً، على الأقل حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، علی أمل أن تصبح هذه القضية أساساً لهزيمة بايدن وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، وإذا تحقق هذا السيناريو، فإن انتهاء الحرب لا يعني سقوط الحكومة فحسب، بل علينا أن ننتظر بداية المرحلة الثانية من العملية الصهيونية.
ويمكن الافتراض أنه في حال السيطرة على رفح وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، ستتاح لنتنياهو الفرصة لنقل سكان غزة من هذه المنطقة، عبر طريق الرصيف الجديد الذي أنشأه الجيش الأمريكي تحت عنوان تقديم المساعدات إلى سکان غزة.
المعركة الحالية في رفح هي المعركة الأكثر حسماً للفلسطينيين منذ عام 1967، وتذكّر من حيث کونها حاسمةً بمعركة ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية، حيث تم تحديد الفائز والخاسر النهائي في الحرب في معركة اليوم الأخير.
إذا تمكن الصهاينة من هزيمة مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة وترسيخ موقعهم العسكري، فإنهم سيحققون الأساس لإقامة الدولة اليهودية الکبيرة، لكن في المقابل فإن فشل الجيش الإسرائيلي في رفح، سيكون بداية تراجعات وإخفاقات أكبر لهذا الکيان في المستقبل.