الوقت- انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض على وقع تحديات كبرى اقتصادية وسياسية هذه الأيام، تحت شعار "التعاون الدولي والنمو والطاقة من أجل التنمية"، بما في ذلك الحرب على قطاع غزة وقد طغت التوترات والأحداث في الشرق الأوسط على الاهتمام والنقاش في اجتماعات المنتدى، ومن الجدير بالذكر أن هذا المنتدى يضم العديد من المؤسسات والمحافظ والشركات الرقمية الكبرى.
السعودية وطريق الانفتاح على العالم
علماً أن السعودية لم تعترف رسمياً بـ"إسرائيل" ولكنها كانت في طريقها إلى التطبيع قبل هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لكن الحرب في غزة جعلت الأمر راهنا أكثر صعوبة حسب بعض المحللين.
في الوقت نفسه، تحاول المملكة الخليجية المحافظة على الانفتاح على العالم، وجذب كبار رجال الأعمال والسياح بمعزل عن السياحة الدينية.
وتُعدّ استضافة الأحداث الدولية، مثل اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستمر يومين، فرصة لعرض التغييرات الاجتماعية في المملكة بما في ذلك إعادة فتح دور السينما ورفع الحظر على قيادة المرأة للسيارات وارتداء العباءة السوداء وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
مع ذلك، لا تزال هناك أسئلة حول مقدار ما سيتم تحقيقه من رؤية 2030، علماً أن مواعيد إنجاز بعض المشاريع الكبيرة ستُؤجّل إلى ما بعد هذا التاريخ، حسب ما قاله وزير المالية السعودية محمد الجدعان.
جذب رؤوس الأموال لسد العجز
يرى خبراء اقتصاديون أن السعودية تحاول في منتدى الاقتصاد العالمي جذب رؤوس الأموال لسد العجز في ميزانيتها فالمملكة تعاني من عجز في ميزانيتها ومضطرة لتخفيف طموحاتها الاستراتيجية من خلال تحجيم المشاريع المستقبلية سواء كان ذلك في اقتصاد النفط أو في مشروع نيوم على شاطئ البحر الأحمر.
كما أن المملكة بحاجة لسد احتياجاتها من رؤوس الأموال، فالمملكة لم تعد تنتج سوى حوالي ثلاثة أرباع إمكانياتها الإنتاجية الفعلية من النفط، وهو أقل من السعر المطلوب لكي تغطي المملكة عجز ميزانيتها، ويكمن السبب في أن الولايات المتحدة استطاعت تعويض الفارق والنقص من النفط الروسي في السوق بشكل كامل، كما قامت بالتعويض عن النفط السعودي.
أضف إلى ما سبق أن طاقات جديدة في النفط والغاز آتية من عدة دول في العالم مثل العراق، قطر، غويانا، الولايات المتحدة وربما فنزويلا، إذا ما جرت الانتخابات في يونيو/حزيران المقبل،
ومن المتوقع أن يستمر عجز ميزانية الدولة السعودية لعدة سنين بانتظار أن تعطي المشاريع السريعة ثمارها، وعلى أمل أن تكون مردوديتها أعلى من تكلفة الدين.
وكان الوزير السعودي مؤخراً قد أعلن أن بعض المشاريع سيتم تأجيلها من الأهداف التي طالها قرار التخفيض، فقد تم الإعلان عن أولها منذ بضعة أسابيع، وهو ما جاء في إعلان أرامكو عن إلغاء استثمارات التنقيب الجديدة لرفع طاقة الإنتاج النفطي إلى 13 مليون برميل يوميا من 12 مليون برميل يوميا.
المشروع الثاني الذي أعلن عن تخفيضه هو مشروع مدينة نيوم (الخط)، الذي من المفترض أن يمتد على مسافة 170 كيلومتراً بعرض بضعة مئات من الأمتار، وكان من المفترض أن يأوي 1.5 مليون نسمة، ولكن المشروع لن يمتد حاليا أكثر 2.5 كيلو متر وسيضم 300 ألف نسمة، ويعتبر وزير المالية أن سبب التعديلات هو الأوضاع الجيوسياسية وإمكانيات الدولة.
الحرب على غزة والأوضاع الجيوسياسية
يمكن تقييم الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي، في الوقت الذي يعاني فيه العالم من اضطرابات جيوسياسية وتحديات اقتصادية كبيرة، من جانبين: الأول؛ النهج السائد بين الحكومات العربية في المنطقة تجاه التنمية الاقتصادية وإعطاؤه الأولوية على التوترات الحالية في المنطقة، والثاني؛ المنصة التي اتخذ فيها الغرب وخاصة الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا) والحكومات العربية في المنطقة خطوات لإنشاء تحالف أو إجماع ضد الوضع الحالي، ويتمثل هذا الهدف في التعامل مع ما يشكل، في نظرهم، تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة وأمن الشحن التجاري في البحر الأحمر.
وأهمية الجانب الثاني من قمة الرياض تظهر في كلام وزير المالية السعودي في هذه القمة، إذ قال “محمد الجدعان”: “إن الحرب بين حماس وإسرائيل، وكذلك الصراعات في أوكرانيا ومناطق أخرى، كان لها تأثير قوي على المناخ الاقتصادي”، وشدد على دور خفض التصعيد، وقال: “إنّ النزاعات في المنطقة تؤثر على الاقتصاد، وإن المنطقة بحاجة إلى استقرار كي تستطيع أن تركز على شعوبها ونموها واقتصادها عوضا عن السياسة والنزاعات.
ولذلك، فعلى الرغم من أن قمة الرياض من المفترض أن تناقش وتبحث البيئة والصحة والشؤون المالية والشحن، إلا أن قضية غزة والأمن في المنطقة تأتي على رأس جدول الأعمال، والأهم أن الرياض استضافت في الأيام الأخيرة طائرة تقل مسؤولين أمنيين إسرائيليين، في حين أن "إسرائيل" غير حاضرة في المنتدى الاقتصادي العالمي، ولم يتم الكشف بعد عن مزيد من المعلومات حول هذه الرحلة السرية، لكن يقال إن هذه الرحلة التي تتزامن مع وجود أنتوني بلينكن في الرياض، تتبع مسار تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
وتكمن أهمية قمة الرياض في حضور اثني عشر رئيس دولة، بالإضافة إلى الترويكا الأمريكية والأوروبية، من بين آلاف المشاركين، والأهم من ذلك أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ذهب إلى الرياض مباشرة بعد مغادرته الصين للتحدث مع المسؤولين السعوديين، ويأتي هذا الحديث قبل رحلته إلى تل أبيب حيث ستعقد المشاورات الأخيرة حول وقف إطلاق النار في غزة واحتمال شن هجوم إسرائيلي على رفح، فضلا عن خطر نشوب حرب واسعة النطاق في جنوب لبنان.