الوقت - أخيراً، وبعد مفاوضات عديدة، وبعد ستة أشهر من الحرب المتواصلة في قطاع غزة واستشهاد أكثر من 32 ألف إنسان، تبنى مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي مشروع قرار يدعو إلى "وقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية".
صوتت 14 دولة لمصلحة هذا القرار، ولم تستخدم أمريكا حق النقض (الفيتو) عليه وامتنعت عن التصويت، على عكس المرات السابقة.
في غضون ذلك، ادعى جلعاد إردان، سفير الکيان الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، يوم الاثنين الماضي، أن القرار الذي وافق عليه مجلس الأمن، يدعو إلى وقف إطلاق النار دون "شرط" إطلاق سراح السجناء، وقال المسؤول الإسرائيلي إن القرار "يقوض الجهود الرامية إلى إطلاق سراحهم".
وأعرب عن استيائه من الموافقة على القرار، وقال: "كان ينبغي لجميع أعضاء مجلس الأمن أن يصوتوا ضد هذا القرار المخزي".
لقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد ثلاثة مشاريع قرارات لمجلس الأمن بشأن حرب غزة، كما امتنعت هذه الدولة في السابق عن التصويت مرتين، ما سمح لمجلس الأمن بإصدار قرارات تهدف إلى زيادة المساعدات لغزة، والدعوة إلى وقف طويل الأمد للأعمال العدائية.
كما استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة بشأن الصراع في غزة مرتين، مرةً في أكتوبر ومرةً أخرى يوم الجمعة الماضي.
وألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارته المقررة إلى واشنطن على رأس وفد رفيع المستوى، احتجاجاً على قرار مجلس الأمن الدولي الذي اتخذ يوم الاثنين الماضي، والذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وقبيل بدء جلسة مجلس الأمن، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن نتنياهو يعتزم إلغاء رحلته إلى واشنطن، إذا لم تستخدم أمريكا حق النقض ضد هذا القرار.
للوقوف على تفاصيل عملية الموافقة على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن وقف إطلاق النار في غزة، تحدث موقع "الوقت" التحليلي مع الخبير في القضايا الإقليمية "السيد حسن هاني زاده".
الوقت: ما هي أبرز نقاط القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي للمساعدة في وقف الحرب في غزة؟
هاني زادة: يمكن القول إن القرار الأخير لمجلس الأمن، الذي قوبل بامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، جاء متأخراً حيث تمت الموافقة عليه بعد 170 يوماً من أزمة غزة.
ورغم أنه ورد في هذا القرار ضرورة وقف إطلاق النار اعتباراً من بداية شهر رمضان المبارك، إلا أنه تمت الموافقة على هذا القرار بعد 15 يوماً من شهر رمضان، الأمر الذي عارضه الكيان الصهيوني، ونتيجةً لذلك تم إلغاء رحلة نتنياهو إلى أمريكا.
لقد أعلنوا بوضوح أنهم لن يلتزموا بهذا القرار، وقد تمت الموافقة على هذا القرار بعد أشهر وعقدت 8 جلسات لمجلس الأمن بشأن تثبيت وقف إطلاق النار، لكن التجربة أثبتت أن الکيان الصهيوني يعتبر نفسه دائماً خارجاً عن القوانين الدولية، ولن يلتزم بها.
وخلال الـ 24 ساعة الماضية، هاجم الکيان الصهيوني بشكل متكرر غزة ورفح جنوب هذا القطاع، ما يدل على أن الکيان الصهيوني لا يؤمن بهذا القرار ولن ينفذه، وبطبيعة الحال، فإن الموافقة على هذا القرار ستؤدي إلى عزل الکيان الصهيوني دولياً.
ومع ذلك، وعلى الرغم من امتناع الولايات المتحدة عن قرار وقف إطلاق النار في غزة، فإن المساعدات الأمريكية والغربية للكيان الصهيوني سوف تستمر.
الوقت: هل يمكن أن تؤدي الموافقة على هذا القرار إلى زيادة الضغوط الدولية على الکيان الصهيوني، لإجباره على قبول وقف إطلاق النار في المفاوضات؟
هاني زادة: يهدف الکيان الصهيوني إلى الحصول على المزيد من التنازلات في المفاوضات المستقبلية، ومن الشروط المسبقة لقبول الکيان الصهيوني وقف إطلاق النار، هو التفاوض حول مستقبل غزة وكيفية إدارة هذه المدينة، التي يقول الکيان الإسرائيلي إنها يجب أن تدار بشكل مشترك بينه وبين منظمة السلطة الفلسطينية.
ومن الشروط المسبقة الأخرى للکيان الصهيوني أن تقوم فصائل المقاومة، أي حماس والجهاد الإسلامي، بإخلاء مدينة غزة وتسليم أسلحتها، لكن الکيان الصهيوني يسعى إلى كسب المزيد من التنازلات في المراحل المقبلة، إذا تم وقف إطلاق النار وإجراء المفاوضات.
الوقت: المشكلة التي تواجه غزة اليوم، هي وصول المساعدات الإنسانية إلى أيدي السكان الذين مزقتهم الحرب... ما هو تأثير هذا القرار على عملية إرسال هذه المساعدات؟
هاني زادة: أعلن الکيان الصهيوني مراراً وتكراراً أنه لن يسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وبموجب هذا القرار، يجب أن تدخل المساعدات إلى غزة عبر معبر رفح، على الرغم من أنه من المتوقع أن يقاوم الکيان الإسرائيلي دخول المساعدات.
وتظهر التصريحات الأخيرة للأمين العام للأمم المتحدة أنتوني غوتيريش، الذي انتقد بشدة الکيان الصهيوني، أن المجتمع الدولي، وليس الدول الإسلامية فقط، يسعى بجدية إلى إنهاء الحرب في غزة والإبادة الجماعية، والحصار المفروض على هذا القطاع.
الوقت: لقد استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد القرار السابق الذي اقترحته الولايات المتحدة، وقبل ذلك استخدمت الولايات المتحدة حق النقض عدة مرات على القرارات التي دعمتها هاتان الدولتان.. لماذا وكيف تم التوافق على القرار الأخير؟
هاني زادة: أعلنت الولايات المتحدة مراراً أن الهجوم على رفح خط أحمر، وحذرت الأمم المتحدة من العواقب الكارثية للهجوم على رفح، ورغم وجود اللاجئين والنازحين في هذه المدينة، لكن سلطات الکيان الصهيوني أعلنت أنها ستنفذ احتلال رفح في المرحلة المقبلة، وقد أحدثت هذه القضية خلافات بين أمريكا والکيان الإسرائيلي.
كما أن أمريكا تجري انتخابات رئاسية، وإن كلا المرشحين لهذه الانتخابات، دونالد ترامب من الحزب الجمهوري وبايدن من الحزب الديمقراطي، يبحثان عن دعم ومساندة لوبي الکيان الصهيوني للوصول إلى السلطة، وحتى الآن أعطيا تنازلات کبيرة للکيان الصهيوني، وساعدا الکيان في حرب غزة بإرسال معدات متطورة وأسلحة عسكرية.
إلا أن ضغوط الرأي العام في العالم، وكذلك المظاهرات الحاشدة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، والخلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، دفعت الولايات المتحدة إلى إبداء القليل من الليونة تجاه هذا القرار، ونتيجةً لذلك امتنعت عن التصويت ولم تستخدم حق النقض.
الوقت: هل يمكن اعتبار الموافقة على هذا القرار رسالةً من إدارة بايدن إلى تل أبيب؟ ومن ناحية أخرى، إلى أي مدى يمكن اعتبار دور ضغط المجتمع الإسلامي والعربي على واشنطن فعالاً في الموافقة على هذا القرار؟
هاني زادة: على أي حال، كما هو واضح، فإن موقف الأمم المتحدة وأوضاع ومكانة أمريكا في نظر الرأي العام اهتزت بشكل خطير، ومن أجل استعادة مصداقيتها، امتنعت أمريكا عن التصويت ولم تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد هذا القرار.
لأن المجتمع الدولي مستفز بشدة من سياسات أمريكا، والحقيقة أن خوف أمريكا هو أن الدول الإسلامية سوف ترغب في اتخاذ إجراءات سياسية ضد أمريكا في المستقبل، وبالتالي، اضطر الأمريكيون إلى عدم استخدام حق النقض في الموافقة على هذا القرار الأخير.