الوقت- قبل يوم، حذرت وكالات الاستخبارات الأمريكية مجلس الشيوخ الأمريكي من خطر التصعيد في المنطقة نتيجة الحرب على غزة، وفي تقرير مشترك، شددت وكالات الاستخبارات الأمريكية على أن المقاومة المسلحة ضد "إسرائيل" من قبل حركة حماس من المرجح أن تستمر لسنوات، وأن الصراع في غزة من المرجح أن يكون له تأثير على مدى أجيال، كما أن التقييم الاستخباراتي السنوي بين أن قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على البقاء كزعيم والائتلاف الحاكم قد تكون في خطر، وأن هناك انعدام ثقة متزايد بين الجمهور في قدرة نتنياهو على الحكم، في وقت فشلت فيه القوات الإسرائيلية بهزيمة حماس ومنيت بخسائر فادحة أثرت على المجتمع الإسرائيلي بشكل كامل ودهورت الوضع السياسي في الكيان.
حلم القضاء على حماس
ما يزيد على نحو 30 ألف فلسطيني كانوا ضحية التوغلات الإسرائيلية في قطاع غزة، وأظهرت حرب "إسرائيل" ضد حماس صعوبة القضاء على الجهات الفاعلة غير الحكومية المتجذرة بين السكان المدنيين بالقوة العسكرية وحدها، وخاصةً بسبب مهارة حماس في استخدام الأنفاق تحت الأرض، كما أن حماس قد تقاوم لسنوات، حيث إن "إسرائيل" وفقا لمحللين صهاينة حتى غرقت في الاعتبارات العسكرية التكتيكية في قطاع غزة دون وعي استراتيجي، لكن على عكس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تملك هذا الوعي، فقد انتقلت من مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة إلى حرب العصابات التي تلحق الضرر بالجيش الإسرائيلي.
مقاتلو حماس أيضاً، انتقلوا من مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة إلى مرحلة حرب العصابات، وإن حماس لم تعد تسعى للانتصار في المواجهة المباشرة، وهي الآن مهتمة أكثر بحرب العصابات كما يقول محللون عسكريون صهاينة، بينما "إسرائيل" منغمسة في التفكير في القتال التكتيكي وتتصرف وكأنها تملك كل الوقت في العالم ولا تدرك تأثير العوامل الأخرى على الوقت.
وبالتالي، إن حماس، على عكس الجيش الإسرائيلي، حيث تعدّل أسلوبها القتالي كتغيير في الإستراتيجية، كما أن المعركة معقدة بشكل عام، حرب العصابات (بما في ذلك تكتيكات التفخيخ)، التي أصبحت تشبه حرب العصابات التي يتبعها حزب الله، والتي تتلاءم مع هذه المعركة وتوقع خسائر في "إسرائيل"، ولكن ما هو سر رفض قائد حماس يحيى السنوار التعامل مع الأسرى وإصراره على عدم إبداء أي مرونة؟، يعتقد جنرالات صهاينة أن "إسرائيل" تخسر وقتاً ثميناً وأن السنوار يدرك الضغط الدولي على حماس، وأن حماس تفقد مصداقيتها وأن صبر الولايات المتحدة سينتهي قريباً، ولذلك لا يريد "التورط في أي شيء من شأنه أن يقوي حماس" ويقاوم هذا الضغط وهو يعتقد أنهم يفعلون ذلك.
وعلى هذا الأساس، لا يكترث السنوار إذا كانت هناك ضغوط خارجية ضده لأنه يريد أن تنتهي الحرب لتنسحب "إسرائيل" من غزة وهي مهزومة، وقد اتهمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتعنت والإصرار على نهج تكتيكي لا يحقق مكاسب استراتيجية ولا يغير من الحرب شيئًا، بل يجبر "إسرائيل" على التلكؤ دون أهداف واضحة، وتخوض فصائل المقاومة الفلسطينية قتالًا شرسًا على عدة محاور في قطاع غزة منذ بدء العملية البرية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأقرت قوات الاحتلال على وجه الخصوص بأنها تكبدت خسائر فادحة في قطاع غزة ومنطقة الزيتون جنوب مدينة غزة ومنطقة قان-عني جنوب القطاع التي تدعي قوات الاحتلال اجتياحها.
خسائر كبيرة لقوات الاحتلال
لا شك في أن حلم القضاء على حماس بات خيالا أكثر بالنسبة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتجدر الإشارة إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية قامت بتفجير نحو مئات الآليات العسكرية الإسرائيلية، وقد برز صمود حركة حماس حتى الآن كرمز للصمود والثبات الذي يمثل تحديًا لأي دولة، وفي هذا السياق، فإن استخدام تل أبيب المفرط للقوة ضد الشعب الفلسطيني الصامد واستمرار تصعيد الهجمات العسكرية الإسرائيلية يعكس المأساة الإنسانية التي تسببت فيها.
ويتحدث محللون عسكريون أن "الكمائن" هي هزيمة غير مسبوقة في حرب "إسرائيل" وخلل مطلق في الانضباط العسكري، وكانت صحف الكيان قد نشرت تقريراً صادماً عن خسائر قوات الاحتلال في حرب غزة، وقالت إن عدد الجنود الجرحى بلغ نحو 5000 جندي، منهم 2000 معاق على الأقل، لكن الصحيفة سرعان ما تراجعت عن تقريرها ونشرت رقماً أقل بكثير، وكانت وسائل إعلام الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت أن أكثر من 62 من قادة الألوية والضباط في قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلوا منذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وأوضحت الإذاعة أن أربعة من قادة الألوية و39 من قادة الفصائل و13 من قادة السرايا وستة برتبة مقدم قتلوا منذ بدء الحرب، واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل 588 ضابطاً وجندياً منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وهذا يعني أن القوات الإسرائيلية لا تزال في حالة من الارتباك وتواجه مهمة صعبة في التعامل مع خصم يفتقر إلى القدرة على تحديد من يقاتل ويلجأ إلى حرب غير تقليدية، وتتجسد هذه التحديات في الهجمات المباغتة التي تشنها مجموعات المقاومة الفلسطينية والاستخدام الفعال للأنفاق، حيث تم نصب كمين مفاجئ لعدد من الدبابات التي دخلت غزة وتفجيرها، ويكشف هذا النوع من الهجمات عدم قدرة القوات الإسرائيلية على تحديد هوية خصومها بشكل فعال، كما أن تكرار مثل هذه الحوادث يسلط الضوء على وحشية العمليات العسكرية الإسرائيلية وقوة المقاومة وشجاعتها.
وإن الوقائع على الأرض توضح بعض الجوانب والتحديات الرئيسية التي تواجهها تل أبيب خلال العدوان الحالي على قطاع غزة، وتسلط الضوء على فشل "إسرائيل" في تحقيق أهدافها المعلنة في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية، وخاصة حماس وكتائب القسام، وإن الصمود المستمر والمقاومة الفعالة يعني أن أهداف القضاء على حماس وتحييد قطاع غزة لا تزال صعبة التحقيق لسنوات، كما أن التكاليف المالية والاستنزاف الكبير يرهق ميزانية "إسرائيل"، ولا تكون الحرب مستدامة اقتصادياً، وتتسبب في ضغوط دولية واتهامات بارتكاب جرائم حرب وهذا ما زاد من التحديات، وتمثل الضغوط الدولية تحديًا، وخصوصًا بعد قرارات المحكمة الدولية.
كما أن تحقيق أهداف سياسية محددة، مثل المستوطنات أو السيطرة على قطاع غزة، يبدو صعبًا أيضًا، خاصة في ظل استمرار المقاومة، وحقيقة أنه يجري الإعداد لتغيير كبير في القيادة العسكرية يشير إلى أن العملية البرية قد فشلت، وربما تستعد "إسرائيل" للانتقال إلى استراتيجيات أخرى، ناهيك عن حالة الذعر وعدم كفاءة جنودها، وقد انتقد العالم الضربات الجوية الإسرائيلية ووصفها بأنها عشوائية وترقى إلى مستوى جرائم الحرب، ما يشير إلى تغيير في التأييد الدولي للسياسة الإسرائيلية الإجرامية.
وفي المحصلة، فشلت "إسرائيل" في حربها ضد غزة وقد تفقد الدعم الدولي بشكل كبير نتيجة ارتفاع عدد الضحايا وتزايد الانتقادات، الأمر الذي قد يضع إدارة بايدن في مأزق خارجي بسبب تصاعد الأزمة، مع مواقف الرأي العام الداخلي في الكيان التي تشير إلى تأييد وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الأسرى، وما يترتب على ذلك من عواقب كثيرة سنرى نتائجها في المستقبل.