الوقت- شكل تخفيض التصنيف الائتماني لأكبر 5 بنوك إسرائيلية ضربة اقتصادية موجعة لاقتصاد كيان الاحتلال المتزلزل في الأساس وتأتي هذه الضربة الاقتصادية لتكون الثانية من نوعها من موديز للاقتصاد الإسرائيلي وذلك بعد إعلانها تخفيض التصنيف الائتماني ل"اسرائيل" في وقت سابق حيث حمل قرار وكالة التصنيف الائتماني الدولية في طياته كثيرا من الرسائل التي توحي بعمق الأزمة العاصفة بالاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب على قطاع غزة، والتوقعات باتساع العجز التراكمي بالموازنة العامة، وارتفاع أعباء الدين في كيان الاحتلال.
ويتضح من القرار أن وكالة موديز تشكك في قدرة الحكومة الإسرائيلية الحالية على إدارة اليوم التالي والتعافي من القتال والخروج من الأزمة الاقتصادية، بسبب التكلفة الباهظة للحرب التي أثقلت كاهل الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير
من الجدير بالذكر أن وكالة "موديز" كانت في أبريل/نيسان 2023، قد خفضت توقعاتها لتصنيف كيان الاحتلال من "إيجابي" إلى "مستقر"، بسبب الخوف من تداعيات التعديلات في الجهاز القضائي التي شرعت بها الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، والاحتجاجات التي تلت ذلك.
تفاصيل قرار تخفيض التصنيف الائتماني للبنوك الإسرائيلية
حسب الوكالة فقد تم تخفيض تصنيف الودائع طويلة وقصيرة الأجل لخدمات المستثمرين لبنك لئومير، وبنك هبوعليم، وبنك مزراحي، وبنك ديسكونت الإسرائيلي، وبنك إسرائيل الدولي الأول المحدود، ما يشير إلى أن النظرة المستقبلية لتصنيفات الودائع طويلة الأجل سلبية وقاتمة.
وأوضحت شركة التصنيف الإسرائيلية "ميدروج" أنه من الممكن ألا ينتهي التخفيض عند البنوك فقط، بل قد يتضرر أي كيان تدعمه الدولة مثل شركة الكهرباء.
وتابع تقرير الوكالة، "في الوقت نفسه، قامت وكالة التصنيف أيضًا بتخفيض تصنيفات البنوك الخمسة إلى A2 وأشار التقرير إلى أنه تم خفض تصنيف الديون غير المضمونة بالعملة الأجنبية لدى البنك الإسلامي للتنمية إلى A3 مع النظرة السلبية، وذكرت الوكالة أن خفض التصنيف الائتماني للبنوك الإسرائيلية الخمسة يأتي في أعقاب قيام موديز بتخفيض تصنيفات إصدارات الحكومة الإسرائيلية على المدى الطويل من A1 إلى A2 مع نظرة مستقبلية سلبية، وتابع التقرير، "تخفيض تصنيفات الودائع طويلة الأجل للبنوك إلى A3 يرجع إلى انخفاض الدعم الحكومي لتلك التصنيفات بسبب تخفيض التصنيف السيادي لـ"إسرائيل"، ويأتي تخفيض تصنيفات الودائع قصيرة الأجل إلى P-2 في أعقاب تخفيض تصنيفات الودائع طويلة الأجل".
وأردف، "تعكس النظرة المستقبلية السلبية لتصنيفات الودائع طويلة الأجل كلا من النظرة المستقبلية السلبية لتصنيف حكومة "إسرائيل"، واحتمال حدوث تأثير سلبي أكبر بكثير على الاقتصاد الإسرائيلي"، وأكدت موديز على أن زيادة المخاطر الاجتماعية التي تواجه البنوك الإسرائيلية بسبب الصراع العسكري وضعف البيئة الأمنية في "إسرائيل" يعتبر محركًا للتوقعات الاقتصادية السلبية. وأردفت الوكالة بأن الصراع العسكري أدى إلى تدهور جودة قروض البنوك الإسرائيلية من المستويات القوية إلى الضعيفة والسلبية.
وأضاف التقرير، "خفضت وكالة موديز تصنيف الودائع طويلة الأجل لبنك لئومي إلى A3 من A2، وبلغت القروض المتعثرة من بنك لئومي (والتي تم تعريفها على أنها قروض غير مستحقة وقروض متراكمة متأخرة لأكثر من 90 يومًا)، 0.8٪ من إجمالي القروض اعتبارًا من سبتمبر 2023"، وتابع، "خفضت وكالة موديز تصنيف الودائع طويلة الأجل لبنك هبوعليم من A2 إلى A3، وبلغت القروض المتعثرة 1.0٪ اعتبارًا من سبتمبر 2023".
وأردف، "خفضت وكالة موديز تصنيف ودائع مزراحي طويلة الأجل إلى A3 من A2، وبلغت القروض المتعثرة 1.0% من إجمالي القروض اعتبارًا من سبتمبر 2023"، وأضاف التقرير، "خفضت وكالة موديز تصنيف الودائع طويلة الأجل لبنك ديسكونت من A2 إلى A3، وبلغت القروض المتعثرة للبنك 0.9٪ من إجمالي القروض اعتبارًا من سبتمبر 2023، وقال التقرير: "خفضت الوكالة تصنيف الودائع طويلة الأجل لبنك انترناشنال FIBI إلى A3 من A2، وبلغت القروض المتعثرة 0.5% من إجمالي القروض اعتبارًا من سبتمبر 2023".
العوامل التي أدت لذلك
لم يأتِ تخفيض تصنيف أكبر 5 بنوك إسرائيلية تلقائياً، بل هو إجراء فني، لأن البنوك مدعومة من الدولة في حال حدوث أزمة، وبالتالي عندما يتم تخفيض تصنيف الدولة، تصبح أقل قدرة على دعم البنوك، وانخفض تصنيف البنوك من A2 إلى A3
فيما يتوقع خبراء اقتصاديون ارتفاع أعباء الدين في كيان الاحتلال الإسرائيلي عن توقعات ما قبل الحرب، حيث إن مخاطر تصاعد الصراع مع حزب الله في الشمال لا تزال قائمة ما يثير احتمال حدوث تأثير سلبي كبير على اقتصاد الاحتلال، ويأتي هذا التخفيض بمثابة المسمار الأخير في نعش مستقبل بنيامين نتنياهو السياسي، ويبدو أن تطرف الحكومة الإسرائيلية، قد تعرى عبر مؤشر موديز، فحسب صحيفة كالكاليست العبرية، فإن تصنيف كيان الاحتلال الإسرائيلي الجديد يشير إلى أن عدم التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب غزة، أو خطة لتعزيز الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية المحتلة يزيد بشكل كبير من المخاطر التي يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي ويضر بقوتها المالية.
ما هو التصنيف الائتماني وما أهميته للدول والمؤسسات؟
في عالم تحكمه قواعد الاقتصاد الرأسمالي، تكتسي الديون وآلية الإقراض والاقتراض أهمية كبرى، فهي التي تمول مشروعات الشركات والدول، وعليها تُبنى الكثير من القرارات والإستراتيجيات الاقتصادية، ومن هنا ظهرت الحاجة لتنظيم عالم الديون، ومن بين مقتضيات ذلك الوقوف على إمكانيات المدين، وقدرته على السداد المنتظم، بحيث لا يربك سوق الدين، ويضمن حقوق الدائنين.
وتنشر وكالات التصنيف الائتماني تقارير حول البنوك أو الشركات الكبرى، لكن الأكثر أهمية هي التقارير التي تنشرها عن الدول، والتي تترتب عنها أوضاع إيجابية أو سلبية بالنسبة لتكلفة الاقتراض.
فإذا كان التصنيف الائتماني لدولة ما قويا، فهو يعني أن لديها جدارة ائتمانية تمكنها من الحصول على القروض وسدادها في موعدها، وعندئذ تكون تكلفة التمويل الذي تحصل عليه الدول المقترضة، عند حدودها الدنيا المتعارف عليها، كما أن العكس صحيح، أي إنه كلما كانت الجدارة الائتمانية لدولة ما ضعيفة، كانت تكلفة حصولها على الديون عالية، بل قد تصرف الدائنين عن إقراضها، ويعد التصنيف الائتماني صكا لصلاحية أو عدم صلاحية الكيان المعنِي للحصول على القروض من أسواق الائتمان، أو من المؤسسات المالية الدولية.
التصنيف الائتماني بالنسبة للشركات أو البنوك أو الدول، يعني الجدارة الائتمانية، أو قدرة تلك الكيانات على الحصول على القروض اللازمة، ومدى قدرتها على الوفاء بما عليها من التزامات في موعدها، وعادة ما ينظر من خلال التصنيف الائتماني إلى عدة مؤشرات، منها:
الأصول التي يمتلكها الكيان طالب القرض.
مدى سهولة التدفقات النقدية إليه، سواء من الداخل أو الخارج.
سوابق تعامله مع الدائنين، وأسعار الفائدة التي حصل بها على قروضه من قبل.
وفي حالة الدول، عادة ما يتناول تقرير وكالات التصنيف مدى حالة الاستقرار السياسي والأمني، وتأثيرها على الوضع الاقتصادي، وخاصة القدرة على سداد الديون.
أثر تخفيض التصنيف الائتماني على الاقتصاد الإسرائيلي
بشكل عام يمكن القول إن لتقارير وكالات التصنيف الائتمانية آثار مختلفة على أداء الاقتصادات المختلفة للدول وعُملاتها، وذلك حسب مدى سيطرة الدولة على إدارة الاقتصاد، فكلما كانت مقدرات السوق أو العملة خاضعة لآليات العرض والطلب، كان تأثير تقارير التصنيف الائتماني عاليا، إيجابا وسلبا، وتساعد تقارير وكالات التصنيف الائتماني على تدفق الاستثمارات الأجنبية للبلاد، ومن ثم رفع قيمة عملتها، كما أنها قد تساهم في خروج الاستثمارات الأجنبية وهروبها من البلاد، وخاصة تلك الاستثمارات غير المباشرة، التي يمكنها الخروج بسرعة من الأسواق المعرضة للخطر.
وفي هذه الحالة تتراجع العملات المحلية بشكل كبير، متأثرة بخروج الأموال الخاصة بتلك الاستثمارات، بسبب زيادة الطلب على العملات الأجنبية في السوق المحلية.
ومن المتوقع أن يؤدي التخفيض الائتماني للكيان الإسرائيلي وبنوكه إلى زيادة سعر الفائدة على القروض التي تضطر حكومة كيان الاحتلال إلى الحصول عليها بسبب الحرب المستمرة على الجبهة الجنوبية، وعدم الاستقرار الأمني على الجبهة الشمالية، ومن المتوقع أن تصبح أسعار الفائدة أيضا أكثر تكلفة بالنسبة للشركات والأسر الإسرائيلية، وقد يؤدي التخفيض -ولو مؤقتا- إلى انخفاض أسعار الأسهم في بورصة تل أبيب، كما سيؤدي الخفض إلى تراجع صرف العملة الإسرائيلية (الشيكل) مقابل العملات الأجنبية في المستقبل القريب، كما يمكن اعتبار تخفيض التصنيف الائتماني في المقام الأول ضربة لصورة كيان الاحتلال الإسرائيلي ومكانتها في الأسواق العالمية، حيث لا يزال من الصعب تحديد مدى تداعيات القرار وآثاره المالية على الكيان.
ويأتي القرار في وقت بلغت فيه ديون الحكومة الإسرائيلية نحو 1.08 تريليون شيكل (294.2 مليار دولار) نهاية الربع الثالث من عام 2023، ويبدو أنها ارتفعت منذ ذلك الحين، نتيجة القروض وجمع الأموال لاحتياجات الحرب، حيث جمعت وزارة المالية الإسرائيلية 125 مليار شيكل (35 مليار دولار)، من خلال إصدارات السندات العامة في الخارج بالعملة الأجنبية، وحسب تقديرات المحللين الاقتصاديين، فإن آثار حرب غزة على الوضع الائتماني لكيان الاحتلال ستمتد لفترة طويلة، وربما إلى ما هو أبعد من فترة القتال الفعلي، وقد يتبين أن التأثير السلبي على المؤسسات الإسرائيلية والتمويل العام هو أكثر خطورة من ذلك بكثير، فيما يعكس التصنيف الائتماني لكيان الاحتلال الإسرائيلي وبنوكه زيادة المخاطر الاجتماعية والسياسية المرتبطة بالصراع الحالي على الجبهتين الجنوبية والشمالية والحالة الأمنية الضعيفة في الأراضي المحتلة، واعتبارات حكومة نتنياهو بكل ما يتعلق في استمرار القتال وموقفها الضبابي بشأن اليوم التالي للحرب.