الوقت - لا ينبغي الاستهانة بالتحركات الإرهابية التي قام بها الکيان الإسرائيلي في الأسابيع القليلة الماضية، ولا ينبغي اعتبارها القضية الأولى في الحرب الدائرة في المنطقة.
إنها أمر مهم، لأن الکيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، يرغبان في تغيير قواعد اللعبة التي تورطا فيها، ولذلك لا بد أن يتلقى منفذو عملية الاغتيالات ضربات فعالة ومؤلمة، لاستعادة قوة الردع لجبهة المقاومة، وتتطلب هذه الضربات تصميمات وإمدادات جديدة.
ومن الضروري إعادة كتابة التهديدات والقدرات برؤية أوسع، ولا ينبغي أن تقتصر الإجراءات الانتقامية على الخيارات الشائعة، وفي الوقت نفسه، لا ينبغي السماح لهذه الأعمال الإرهابية في لبنان وسوريا والعراق وإيران، بأن تحل محل حقائق وأولويات الحرب الحالية من الميدان إلى العقل، أو أن تسبب خطأً في الحسابات.
إن ما فعلته جبهة المقاومة والكارثة التي سببتها للکيان الإسرائيلي، لا يمكن تعويضها بألف جريمة واغتيال، طبعاً، لا بد من الانتقام من كل جريمة إرهابية دون تردد أو تهاون؛ لكن الهدف الأسمى الذي ينبغي أن تنفق من أجله طاقات كل جبهات المقاومة ليل نهار، هو ذلك الذي كتبه الشهيد مغنية: "الهدف الواضح ومحدّد ودقیق، إزالة اسرائیل من الوجود".
كما تجدر الإشارة إلى أن معظم الاغتيالات التي تتم باسم الکيان الإسرائيلي، هي أعمال مشتركة مع الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأخرى، علی أمل أن يتم استعادة جزء من هيبة "إسرائيل" الاستخباراتية والأمنية.
لقد مرت اليوم 108 أيام منذ بداية حرب غزة، والضربة القاصمة التي وجهتها "عملية طوفان الأقصى" للکيان الإسرائيلي، وفي هذه المواجهة التي استمرت مئة يوم، لم يتمكن الکيان الإسرائيلي وأمريكا، رغم الجرائم والفظائع الكثيرة، من أخذ زمام المبادرة، أو التخفيف من آثار الضربة الأولى التي تلقتها "إسرائيل"، بل إنهم تلقوا في عدة نقاط ضربات أكثر فعاليةً من حزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، ومقاومة العراق وسوريا، وخاصةً المقاومة الباسلة في غزة.
لقد تعرضت أمريكا لهجمات متبادلة من قبل جماعات المقاومة، ولم تتمكن من إظهار أي رد فعل فعال، بسبب عبء ثقيل ومزعج اسمه نتنياهو، وقبل أيام قليلة، سأل أحد المراسلين جو بايدن: "هل الضربات الجوية في اليمن فعالة؟" فأجاب: إذا كنت تعني هل إنها ستوقف الهجمات، فلا!"
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز، أمس، عن مسؤولين في البنتاغون قولهم، إن الهجوم على قاعدة عين الأسد بعد ظهر السبت(بأكثر من 40 صاروخاً وقذيفة)، كان أخطر هجوم ضد القواعد الأمريكية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفي المجمل أصيب في هذه الهجمات 70 جندياً أمريكياً.
طبعاً، الرقابة في الإعلان عن الخسائر الأمريكية والإسرائيلية غير مسبوقة، في حين أن الهجمات الكثيفة ليست ذكيةً لدرجة أنها تصيب فقط ولا تقتل!
الاتجاه السائد في الميدان هو تشديد طوق الحصار والضغط على الکيان الصهيوني، ولا يمكن للأعمال الإرهابية أن توقف هذه العملية، والکيان الإسرائيلي (بمساعدة أمريكا وإنجلترا وغيرهما)، يريد خلق صورة تظهره متمتعاً بالقوة الاستخباراتية؛ لكن لو كان الأمر كذلك لما تعرض للهزيمة التاريخية في عملية طوفان الأقصى (7 أكتوبر).
وكتبت صحيفة معاريف مؤخرًا كمثال على الإحباط متعدد الطبقات: "يبدو أنه مثلما أخطأ الجيش الإسرائيلي في تقدير المعلومات الاستخبارية حول الأنفاق في غزة، فإن الأمر نفسه ينطبق على تقدير عدد الصواريخ في غزة".
وفي الوقت نفسه، كتبت صحيفة وول ستريت جورنال: "وفقاً لتقديرات المخابرات الأمريكية، فإن لدى حماس ذخيرة تكفي لعدة أشهر، ويمكنها مهاجمة إسرائيل، وعلى الرغم من الهجمات الجوية والبرية على غزة، فإن القضاء على حماس لم يتحقق".
کما أن الفرق بين "التفوق الاستراتيجي" لجبهة المقاومة وبين التحركات اليائسة للکيان الإسرائيلي واضح، فالکيان الإسرائيلي يكافح لأنه يرى "لعنة الثمانين عاماً" أمام عينيه، وهذا ليس ما يقوله المعارضون وحدهم، بل يعترف به مؤيدو "إسرائيل" أيضاً.
فقبل بضعة أسابيع، قال منوشه أمير، رئيس تحرير "إذاعة إسرائيل"، لقناة "إيران إنترناشيونال": "لقد رتبت إيران قوى المقاومة في عمق الشرق الأوسط، بطريقة تمكنها من تطويق إسرائيل، ولا تستطيع إسرائيل القتال على جبهات مختلفة لفترة طويلة".
والآن يقول محللان آخران للشبكة الصهيونية: "في هذا الصراع، وخاصةً الصراع الاستخباراتي، لن تكون إسرائيل هي الفائز النهائي، أنا ضد الجمهورية الإسلامية وأؤيد الهجوم عليها، لكن مجرد القول بأن إسرائيل لها اليد العليا، ليس هذا هو واقع الشرق الأوسط، لقد عززت الجمهورية الإسلامية قطاعها العسكري وأنشأت أربع قوى لنفسها؛ القوة الصاروخية والطائرات دون طيار والقوة الهجومية للحرس الثوري الإيراني والقوات بالوکالة، فمنذ عام 1982، عندما هاجمت "إسرائيل" لبنان، شكلت الجمهورية الإسلامية 4-5 تهديدات، حزب الله لم يكن موجوداً، والآن يشكل تهديداً كبيراً ضد "إسرائيل"، وفي عام 1987، لم تكن حماس وحرکة الجهاد الإسلامي موجودتين، والآن تشكلان تهديداً أمنياً خطيراً، ولم يكن الحوثيون(أنصار الله) كذلك، والآن يشكلون تهديدًا خطيرًا، ولم يكن الحشد الشعبي كذلك".
ولذلك، إذا أردنا التحدث على أساس الواقع، فقد خلقت الجمهورية الإسلامية تهديدات في الشرق الأوسط، کما أن الکيان الإسرائيلي لم يحقق الأهداف الثلاثة؛ حيث لم يتم تدمير حماس، ولم يتم إطلاق سراح الرهائن، ولم يختف التهديد الأمني.
الآن أيضًا، فإن التهديدات الإيرانية تعمل بشكل جيد للغاية، إن انعدام الأمن في البحر الأحمر قضية مهمة، وقد تمكنت أنصار الله من تعليق 20-35% من التجارة العالمية.
کما تقاوم حماس الجيش المسلح منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ولم تتمكن "إسرائيل" من تحقيق أهدافها؛ ف"إسرائيل" تهدد بمهاجمة حزب الله، لكن من الواضح أنه عندما تبقى غزة على هذا الوضع، وقد تستمر حتى نهاية العام الجديد، فمن الطبيعي أن تكون الحرب مع حزب الله هدفاً أصعب بكثير، فلبنان ليس مثل غزة".
إبحثوا عن كلمتي "المستنقع" و"إسرائيل" معاً في شبكة الإنترنت، وسوف ترون كم من المحللين الغربيين أو العبريين يقولون إن "إسرائيل" عالقة في مستنقع.
إليکم بعض الأمثلة: محلل هآرتس عاموس هرئيل: "هناك دلائل واضحة على أن إسرائيل عالقة تماماً في مستنقع غزة والضفة الغربية"، إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق: "حماس لم تُهزم، وإمكانية إعادة الرهائن تتضاءل في كل لحظة، وغياب الهدف الحقيقي سيغرقنا في مستنقع غزة"، البروفيسور داني رابينوفيتش الأستاذ في جامعة تل أبيب: "إسرائيل ستغرق في مستنقع غزة في غياب استراتيجية للخروج".
وأمثلة أخری: صحيفة يديعوت أحرانوت: "مسؤولون مختلفون في واشنطن وبعض الدول العربية حذروا تل أبيب من دخول غزة، لأنها ستكون محاصرة في المستنقع"، العميل الخاص السابق لوكالة المخابرات المركزية أندرو بوستامانتي: "الإيرانيون يجرون إسرائيل إلى النسخة الإسرائيلية من مستنقع حرب فيتنام، يجب على نتنياهو أن يفهم أن إيران تتلاعب به".
وأيضًا موقع "واللا" العبري: "هل إسرائيل عالقة في مستنقع غزة؟ فبعد بضعة أشهر، يبدو أنه لم يعد هناك الكثير من الحديث عن تحقيق نصر حاسم في الحرب، قائمة الجنود القتلى تطول في كل لحظة، ومكانة حماس لدی الرأي العام تتحسن؛ ليس فقط لأنها تمكنت من مفاجأة إسرائيل بهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بل لأنها تقاتل بنجاح".
وحذّر المحلل الأمريكي توماس فريدمان بعد يومين من عملية طوفان الأقصى: "إن الدخول إلى غزة هو الدخول في مستنقع، وهو المستنقع الذي تجنبه آرييل شارون ونتنياهو في الماضي".
وأكد بعد فترة أن "إصرار إسرائيل يعني أنها ستغرق في مستنقع غزة إلى الأبد"، وهذا التحليل لاقى أيضًا رواجًا كبيرًا في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ (19 تشرين الثاني/نوفمبر)، حيث كتب:
"قبل أيام قليلة من زيارتي إلى تل أبيب، حذرني العديد من الأصدقاء من أنه بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم تعد إسرائيل هي إسرائيل نفسها، كانوا على حق، لقد أصبحت إسرائيل مكاناً لم يعش فيه سكانه من قبل، ولم يضطر جنرالاته إلى حمايته".
وأضاف: "ولم تضطر أمريكا من قبل قط إلى التدخل والدفاع بشكل مباشر بهذا القدر،وبعد الرحلة، فهمت لماذا قال الجميع إن هذا القدر الهائل من التغيير، حدث بعد هجوم حماس، ومن الواضح تماماً أن إسرائيل تواجه خطراً حقيقياً أكبر من أي وقت مضى، إنها تهديدات من مجموعة من الأعداء، الذين جمعوا بين النظرة الثيوقراطية للعالم، وأسلحة القرن الحادي والعشرين الحديثة".
وتابع: "من غير الممكن أن يتم تنظيم أعداء إسرائيل في مجموعات ميليشيات صغيرة، ولكن كل منها لديه جيش حديث يتمتع بقدرات سيبرانية، وصواريخ باليستية، وطائرات دون طيار، وقدرات دعم فني، لقد خططوا منذ فترة طويلة، والآن ظهروا معًا ويهددون إسرائيل من جميع الجهات".
وأوضح توماس فريدمان أن "الهدف هو تدمير ثقة الإسرائيليين، وإثبات أن أجهزة الدفاع والاستخبارات لم تعد قادرةً على حمايتهم من الهجمات المفاجئة، وإذا ثبت هذا الأمر المهم، فسيتعين على السكان الإسرائيليين مغادرة المناطق الحدودية، ومن ثم إسرائيل، وللأسف، لا بد لي من الاعتراف بأن حماس بثت الرعب في قلوب الكثيرين، حتى في المناطق البعيدة عن غزة".
في الکيان الإسرائيلي، يُعرف نتنياهو بأنه الزعيم الأكثر عدم كفاءة ومللاً خلال السنوات الـ 75 الماضية، وتشير تقارير عديدة، مثل تلك التي نشرتها صحيفة هآرتس، إلى وجود اختلافات قوية.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مسؤول في وزارة الأمن قوله: "الحرب ليس لها مستقبل، ونتنياهو يواصل القتال فقط من أجل تجنب المسؤولية وكسب الوقت".
في الوقت نفسه، كتبت "يديعوت أحرانوت" و"نيويورك تايمز" نقلاً عن غادي آيزنكوت، عضو حكومة الحرب: "إن سلوك الحكومة، قبل وبعد 7 أكتوبر، كان فشلاً كبيراً، وعلى إسرائيل أن تسأل نفسها: كيف يمكن مواصلة الحرب مع السلطات الفاشلة؟ نتنياهو لا يقول الحقيقة بشأن أهداف الحرب".
إن شدة الضغوط تظهر في الصراع بين المسؤولين الذين كانوا يتقاتلون على خلافات سياسية عميقة، لكن الوقوع في المعركة الشاقة زاد من صراعاتهم، وأفاد موقع "والا" أمس: "أراد وزير الحرب غالانت الدخول بالقوة إلى مكتب نتنياهو، وکادت أن تحدث مواجهة جسدية، وهدد غالانت وزير الشؤون الاستراتيجية بأنه سيتولى السيطرة على مجلس الوزراء الحربي باستخدام قوات جولاني".
وقبل يومين، تحدثت وسائل إعلام عبرية عن تعزيز احتمال انهيار حكومة الحرب بسبب الخلافات القوية بين أعضائها، وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة إسرائيل هيوم: "بيني غانتس قرر منذ فترة طويلة الاستقالة، وكل ما يحتاجه هو عذر".
وبينما يقول أفيغدور ليبرمان، وزير الحرب السابق، إن "حكومة نتنياهو الحربية مرتبكة وقلقة"، كتبت صحيفة التايمز الإنجليزية نقلاً عن مسؤول أمني: "إن حكومة الحرب الإسرائيلية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهي على وشك الانهيار، نتنياهو متردد ومرتبك، ويسعى فقط إلى إضاعة الوقت".
لقد أذهلت العمليات المشتركة لمحاور المقاومة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، المراقبين العسكريين في العالم، ورغم أهمية ذلك، ولكن الأهم هي العمليات المعلوماتية المتقدمة لجبهة المقاومة، التي تمكنت من توفير استعدادات تفصيلية لتنفيذ العشرات من العمليات الكبيرة والمعقدة، من غزة إلى شمال فلسطين، ومن العراق وسوريا إلى المحيط الهندي والبحر الأحمر(بما في ذلك تحديد هوية السفن الإسرائيلية والأمريكية ومطاردتها، من بين السفن المارة العديدة).
إن الضربات الأشد إيلاماً، يجب أن توجَّه إلى اقتصاد الکيان الإسرائيلي وأمنه، وبقدر ما يشارك آخرون، علناً أو سراً، في جرائم واغتيالات أو يقدمون تنفساً صناعياً لاقتصاد الکيان، فلا بد وأن يدفعوا الثمن.
فبعد إغلاق ميناء إيلات المهم، جاء دور ميناءين آخرين في حيفا وأشدود، ما أدى إلى شل اقتصاد الکيان الصهيوني، ولا يتطلب هذا العمل بالضرورة نيرانًا كثيفةً، وربما يمكن تحقيقه بإطلاق نار متقطع وفعال.
ويمكن العثور على اتجاه آخر في تحليل فريدمان وآخرين؛ وهو توجيه ضربة عميقة في "إسرائيل"، ومناطق مثل تل أبيب وحيفا وعكا وعسقلان وهرتسليا والقدس ونهاريا وبئر السبع وشمس بيت ونتانيا ورعنانا وسديروت وطبريا، حتى يتأکد السكان المستوردون والمستثمرون أن "إسرائيل" ليس لها مستقبل.
كما أن سلطات ومنشآت ومصالح الكيان الصهيوني، بطبيعة الحال، لن تكون آمنةً في أي مكان بعد الآن، وهي مدرجة في قائمة بنوك الأهداف لجبهة المقاومة، وتوجيه هذه الضربات لا يتطلب بالضرورة إطلاق صواريخ، ومن الطبيعي أن تتوسع العملية المشتركة الحالية لشل الکيان وتصبح أكثر تنوعاً؛ مع أن الأولوية هي داخل الأراضي المحتلة.