الوقت- أعلن حزب الله اللبناني، ظهر يوم السبت 16 كانون الثاني/يناير، عن عملية واسعة النطاق ضد قاعدة التجسس والراديو والرادار التابعة للكيان الصهيوني في منطقة الحدود الجنوبية للبنان، وأعلنت مصادر مرتبطة بالكيان الصهيوني، أن عدداً كبيراً من الصواريخ أصابت قاعدة عسكرية لهذا الكيان في منطقة "ميرون".
لكن بعد ساعات قليلة، نشرت الدائرة الإعلامية لحزب الله اللبناني صوراً مذهلة لهذه العملية؛ وأكدت المقاومة أن هذه العملية ما هي إلا رد أولي على العمل الإجرامي الذي قام به الكيان الصهيوني باغتيال الشهيد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في ضواحي بيروت، والعدو الصهيوني يجب أن يتوقع المزيد من الإجراءات والمزيد من المفاجآت.
وقامت طائرات دون طيار لحزب الله باستهداف مركز قيادة عسكري إسرائيلي في الشمال رداً على مقتل قيادي في حماس وقيادي آخر في حزب الله، حسب بيان صادر عن الحزب، وقال الحزب في بيان له إن “عددا” من الطائرات المسيرة الهجومية استهدف مركز القيادة في صفد، وأكد الجيش الإسرائيلي أن "طائرة معادية سقطت في قاعدة للجيش الإسرائيلي في شمال إسرائيل" ولكن "لم يتم الإبلاغ عن إصابات أو أضرار"، وأشار إلى أنه "تم إطلاق صواريخ اعتراضية باتجاه "طائرات معادية أخرى"، وهذا الهجوم هو أعمق هجوم ينفذه حزب الله داخل "إسرائيل" منذ الثامن من أكتوبر، ورداً على هجوم حزب الله، قال الجيش الإسرائيلي إنه ضرب "فرقة إطلاق طائرات دون طيار في جنوب لبنان" وأن "المدفعية تضرب أيضاً مصادر إطلاق الطائرات إلى شمال إسرائيل"، واغتالت "إسرائيل" القيادي الرفيع في حزب الله، وسام الطويل في هجوم استهدفه في جنوب لبنان الاثنين الماضي، والأسبوع الماضي، قُتل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في غارة على جنوب بيروت
وفي الصور التي نشرها حزب الله، هناك نقاط مثيرة جداً للاهتمام من الناحية العسكرية، وتستحق نقاشاً وتحليلاً أوسع.
- تعطيل قاعدة التجسس الإسرائيلية الكبرى على الحدود اللبنانية
منذ بدء عملية طوفان الأقصى، نفذ مقاتلو حزب الله، دعماً لإخوانهم في قطاع غزة، من خلال هجمات واسعة النطاق على القواعد الحدودية للكيان الصهيوني، وخاصة محطات الاتصالات والتجسس التابعة لهذا الكيان، إلا أن الهجوم على قاعدة ميرون الاستراتيجية مهم أيضاً، ويعتبر هذا المقر وبعده (عمق 8 كيلومترات من الأراضي المحتلة) فريداً من نوعه.
وتقع قاعدة ميرون للرادار والتجسس على بعد 8 كيلومترات من الحدود اللبنانية على تلة يبلغ ارتفاعها 1200 متر فوق سطح البحر وتتمتع بالسيطرة الكاملة على كل المناطق الحدودية للأراضي المحتلة مع الأراضي اللبنانية، وتم تجهيز هذه القاعدة، التي تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 160 ألف متر مربع، بمجموعة متنوعة من كاميرات المراقبة ومعدات الاتصالات وثلاثة أجهزة رادار للإنذار المبكر لرصد جميع الهجمات الصاروخية المحتملة من قبل حزب الله اللبناني.
بالأمس، تعرضت هذه القاعدة للهجوم الأول بـ 62 قذيفة مدفعية عيار 122 ملم، وبعد ذلك بدأت موجة الهجمات الرئيسية لمقاتلي حزب الله، وتم استهداف الرادارين الرئيسيين لهذه القاعدة وتدميرهما بصواريخ مضادة للدروع، والرادارات التي تبلغ قيمتها على الأقل عشرات الملايين من الدولارات وخسارتها للنظام الصهيوني ستعني انخفاضًا حادًا في قدرتها على المراقبة ضد هجمات حزب الله المستقبلية.
تحطيم الرقم القياسي لأطول قذائف مضادة للدروع أطلقت من قبل حزب الله اللبناني
هناك نقطة أخرى مهمة في عملية المقاومة التي وقعت قبل عدة أيام وهي استخدام سلاح جديد في ساحة المعركة، الأمر الذي أثار خوفاً كبيراً لدى الصهاينة؛ وقد شاهدنا في الماضي صوراً كثيرة لصواريخ حزب الله المضادة للدروع وهي تطلق من نماذج مختلفة مثل كونكورس وكورنيت ودهلاوية ومليوتكا وغيرها، والتي يبلغ أقصى مدى لها حوالي 5.5 كيلومترات (للكورنيه والدهلوية).
نظام ثار الله الصاروخي المضاد للدروع (كورنيت)
إلا أن هجوم الايام الماضية تم تنفيذه على رادارين للمراقبة تابعين للكيان الصهيوني في قاعدة ميرون على مسافة تزيد على 8 كيلومترات؛ والسؤال هو: ما هو الصاروخ المضاد للدروع الذي يتمتع بمدى إطلاق النار هذا؟
ويبدو أن مقاتلي حزب الله بدؤوا باستخدام النسخة بعيدة المدى من صاروخ كورنيت الذي يحمل رمز Kornet EM، والذي يتراوح مداه حسب المعلومات المتوافرة بين 8 و10 كيلومترات، وبالإضافة إلى القيمة العالية للرادارين اللذين دمرتهما فرقة حزب الله المضادة للدروع، تم أيضاً تحطيم الرقم القياسي لأبعد صواريخ مضادة للدروع تطلق من الأرض في تاريخ الحرب الحديثة.
وسبق أن هاجم الجانبان الروسي والأوكراني، في الحرب في أوكرانيا، مواقع أو معدات الطرف الآخر من مسافة حوالي 5 إلى 6 كيلومترات باستخدام صواريخ مثل "ستوغنا" و"كورنيت"، وصيد اليوم الماضي من قبل حزب الله اللبناني من مسافة أكثر من 8 كيلومترات وهو أعلى رقم قياسي تم تسجيله في هذا المجال.
ثلاثة شهداء
وشدّد نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في كلمة ألقاها الثلاثاء الماضي على أن اغتيال القادة، وبينهم الطويل "القائد في كتيبة الرضوان (المعروفة بأنها وحدة النخبة في الحزب) الذي عمل وضحّى في الساحات المختلفة"، لا يمكن أن "يكون محطة تراجع بل هو محطة دفع للمقاومة"، ومنذ اندلاع الحرب بين حماس و"إسرائيل" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية تبادلا يوميا للقصف بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. ويعلن الحزب استهداف مواقع ونقاط عسكرية إسرائيلية "إسناداً" لغزة، بينما يردّ الجيش الإسرائيلي بقصف جوي ومدفعي يقول إنه يستهدف "بنى تحتية" للحزب وتحركات مقاتلين قرب الحدود.
وأفاد الجيش الإسرائيلي الثلاثاء الماضي عن "تسلّل طائرات معادية إلى شمال إسرائيل صباح اليوم"، و"إطلاق (صواريخ) اعتراضية تجاه أهداف جوية معادية عبرت من لبنان الى الأراضي الإسرائيلية"، وأطلقت صفارات الإنذار في عدد من المناطق في شمال "إسرائيل" لدعوة السكان إلى الاختباء، واستهدف قصف إسرائيلي صباح الثلاثاء سيارة في بلدة الغندورية في جنوب لبنان، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية. وأوقع القصف "ثلاثة شهداء من حزب الله"، وفق ما قال مصدر أمني لوكالة فرانس برس، متحفظاً عن ذكر اسمه.
وفي وقت لاحق، نعى حزب الله أربعة من مقاتليه، وفي بيان مساء الثلاثاء الماضي، قال الجيش الاسرائيلي إنه قام "بتصفية" علي برجي، أحد الشهداء الاربعة لحزب الله، واوضح أنه "قائد منطقة جنوب لبنان في الوحدة الجوية لحزب الله" التي كانت مسؤولة عن الهجوم على مقر قيادة المنطقة الشمالية الثلاثاء، لكن حزب الله نفى في بيان "نفياً قاطعاً هذا الادّعاء الكاذب الذي لا صحة له على الإطلاق"، مؤكدا "أنّ الاخ المجاهد مسؤول وحدة المسيّرات في حزب الله لم يتعرّض بتاتًا الى أي محاولة اغتيال كما ادّعى العدو".
وبذلك، يرتفع عدد الشهداء في لبنان منذ بدء التصعيد على جانبي الحدود الى 186 شخصاً، بينهم 140 عنصرا من الحزب، وفق حصيلة جمعتها بعض من وسائل الاعلام، وأحصى الجيش الإسرائيلي من جهته مقتل 14 شخصاً بينهم تسعة عسكريين، وتصاعدت الخشية من توسّع نطاق التصعيد بعد مقتل العاروري في بيروت، وزار بيروت في الفترة الأخيرة مسؤولون غربيون حضّوا على ضبط النفس وتجنّب حصول تصعيد إضافي بين "إسرائيل" ولبنان.