الوقت- قبل يومين، وأثناء خطاب انتخابي ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن في كنيسة بولاية ساوث كارولينا، قاطع حضور الخطاب معبرين عن تضامنهم مع أهل فلسطين، ورفع الحضور هتافات تطالب بوقف إطلاق النار من قبل "إسرائيل" في قطاع غزة، حيث هتف العديد بـ "نطالب بوقف إطلاق النار الآن"، وفي إحدى لحظات، ألقى أحد المحتجين كلمة قائلاً: "إذا كنتم تهتمون حقًا بالأرواح التي فقدت هنا، فعليكم تكريمها والدعوة إلى وقف إطلاق النار في فلسطين، وفي وقت تم فيه إخراج المحتجين من قاعة الكنيسة في تشارلستون، رد بايدن على الهتافات بالقول إنه يسعى إلى تقليص وجود "إسرائيل" في قطاع غزة، وفيما يتعلق بالوضع، أضاف الرئيس الأمريكي: "أتفهم مشاعركم، وأعمل بهدوء مع الحكومة الإسرائيلية لحثها على تقليص حجم قواتها والخروج بشكل ملحوظ من غزة"، لكن عقب كل ذلك لم يغير البيت الأبيض من سياسته الرعناء تجاه غزة وأكد تمسكه بالحرب على غزة في الوقت الحالي.
الكيان هو الأهم بالنسبة لأمريكا
حسب مصادر مطلعة في البيت الأبيض فإن بايدن، على الرغم من دعمه العلني الكبير للحكومة الإسرائيلية، يحثها خلف الكواليس على كبح هجماتها المدمرة، ولكن دون نتيجة تذكر حتى الآن، ومن جهة أخرى، أشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن بايدن قد دعم "إسرائيل" بقوة خلال "عمليتها العسكرية ضد حماس" بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما أثار احتجاجات في مناسبات عامة وغضبًا في صفوف الحزب الديمقراطي، ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية مدمرة على قطاع غزة، وقد أسفرت هذه الحملة الإرهابية عن وفاة وإصابة عشرات الآلاف من الأشخاص، وتشكلت الغالبية العظمى من الضحايا من الأطفال والنساء، وترتب على هذا النزاع أيضًا دمار هائل في البنية التحتية وتفاقم لكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقًا لتقارير مصادر رسمية فلسطينية وأممية.
ورغم كل المجازر والعمليات التدميرية الإسرائيلية التي بات العالم بأكمله معارضا لها، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، أن الولايات المتحدة لا تؤيد حاليًا فكرة وقف إطلاق النار في النزاع في غزة، وفي مؤتمر صحفي، أوضح كيربي أن موقف الولايات المتحدة لم يتغير، مشيرًا إلى أنهم لا يروّجون لوقف عام لإطلاق النار في الوقت الراهن، وزعم قائلاً: "موقفنا هو أننا لا ندعم وقفًا لإطلاق النار في غزة في الوقت الحالي، لأنه لن يستفيد منه أحد سوى حماس، وما زلنا ندعم التحركات الإنسانية، ولم يعط الرئيس بايدن أي إشارات تشير إلى خلاف ذلك".
ومن جهة أخرى، إن تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تل أبيب حول أن الولايات المتحدة تطمح إلى إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن مجرد كذبة، وقد أدلى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بتصريحاته خلال مؤتمر صحفي عقب محادثات مع قادة إسرائيليين في تل أبيب، وبكل وقاحة زعم بلينكن أن دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" "بلا أساس"، لكنه أشار إلى أن العدد اليومي للقتلى المدنيين في غزة مرتفع للغاية، وبينما كان في تل أبيب، أكد أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، أن الولايات المتحدة رفضت أي اقتراحات تدعم فكرة تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، وشدد على أن السلطة الفلسطينية تتحمل مسؤولية إجراء إصلاحات في هيكلها.
ولا شك أن بلينكن، الذي قام بزيارة لعدة دول في الشرق الأوسط خلال هذا الأسبوع، لا يهمه من هذه الزيارة سوى مصالح الكيان الإرهابي في منطقتنا، فتخيلوا أنه يتحدث أن هناك دولًا عدة في المنطقة مستعدة للاستثمار في مستقبل غزة، ولكن ذلك يتوقف على وجود مسار واضح نحو "إقامة دولة فلسطينية"، وهناك أكثر من 25 ألف شهيد ناهيك عن ما يقارب 100 ألف جريح بالأسلحة الأمريكية المقدمة للكيان.
دعم جنوني لإرهاب تل أبيب
ليست المرة العاشرة التي يتحدث فيها البيت الأبيض عن استمرار دعمه للحرب الهمجية للكيان على غزة، وفي إعلان منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، أُكد رفض الولايات المتحدة فكرة وقف إطلاق النار النهائي في قطاع غزة الكثير والكثير من المرات، لأن ذلك سيؤدي إلى استمرار سيطرة حركة حماس على القطاع حسب زعمهم، ومع ذلك، أعرب كيربي عن دعمهم لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية دون تقديم أي دعم كاف للمكلومين في غزة، ودون إجراء محادثات مع شركائهم في المنطقة لتحقيق وقف إطلاق نار إنساني جديد، وبما أنه لم يحدث أي تطور جديد حتى الآن، تروج الولايات المتحدة لتحقيق وقف إطلاق نار مؤقت جديد يهدف لتحرير الأسرى.
ويظهر من التصريحات المقدمة أن هناك توترًا كاذبا بين الإدارة الأمريكية وسياسات "إسرائيل" فيما يتعلق بالهجمات على قطاع غزة، ويتحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قلقه بشأن الضحايا المدنيين ويدعو "إسرائيل" إلى الحذر، ومع ذلك، فإن "إسرائيل" تتلقى دعمًا أمريكيًا مستمرًا، حيث تم الإعلان عن بيع كميات كبيرة من القذائف إلى "إسرائيل"، وفي السياق نفسه، يشير الواقع إلى محاولات بايدن لتأثير اعلامي أكبر على "إسرائيل" دون اللجوء إلى إجراءات قاطعة، وذلك لإظهار رغبة تقليل الخسائر المدنية لا أكثر.
ويفسر ذلك لأنه من الواضح أن هناك تصاعدًا في الضغوط الدولية والانتقادات تجاه سياسات "إسرائيل"، وفي الوقت نفسه، يحاول الرئيس الأمريكي الحفاظ على توازن بين دعم حليفه الإستراتيجي والتعبير عن قلقه إزاء الخسائر المدنية الكبيرة في قطاع غزة، وتشير التصريحات الأمريكية المقدمة إلى استمرار التوتر في غزة والقصف الإرهابي للكيان، حيث يزداد عدد الشهداء نتيجة للهجمات الجوية الإسرائيلية وبسلاح أمريكي، وفي الوقت نفسه، تظهر استراتيجية الولايات المتحدة الرعناء في مواجهة الأزمة، حيث تستبعد فرض حظر على تسليم الأسلحة إلى "إسرائيل" وتفضل التفاوض الهادئ والكاذب كطريقة إعلامية غير فعّالة، وتشير التصريحات الأمريكية إلى عدم تغيير في موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخصوص الحرب على فلسطين وشعبها ناهيك عن عرقلة دخول المساعدات إلى غزة، وتركيز واشنطن على محاولة خداع شعبها بالتصريحات الجوفاء.
ومن الناحية الأخرى، لا تظهر المساعدات لغزة قدرة الولايات المتحدة على التأثير في القرارات الإسرائيلية، بل إنها تحتفظ بدعمها ل"إسرائيل" وتعتبر استراتيجيتها التفاوضية هي الأمثل، مع استمرار الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ استراتيجيتها دون تأثر كبير بالمطالبات الدولية، ومستشار نتنياهو أكد عدم وجود ضغط كبير على رئيس الوزراء، وأنهم سيواصلون جهودهم لتحقيق أهدافهم العسكرية، ويظهر أن الدعم العسكري الأمريكي للكيان يستمر، والتصريحات تشير إلى محاولات الإدارة الأمريكية لتحقيق أهداف الاحتلال الإسرائيلي في القضاء على الغزاويين وتهجيرهم.
النتيجة، هناك مؤشرات كثيرة في الميدان تدل على أن هزيمة "إسرائيل" مؤكدة، ولكن لأن أمريكا لا تصدق ذلك، فإنها تخطئ في حساباتها أكثر فأكثر، والواقع الميداني يعكس أهمية الدعم الأمريكي ل"إسرائيل" في السياق الإرهابي، حيث يُظهر استمرارية هذه العلاقة الخبيثة وتأثيرها الكبير على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، ولا شك أن الدعم الشديد الذي تحظى به تل أبيب من الولايات المتحدة على الصعيدين السياسي والعسكري، وكذلك تبرز الرغبة في تبرير هذا الدعم بمساعدة قوات الاحتلال في تحقيق مشاريعها الدموية والإبادية، وهذا الدعم يثير استياءًا دوليًا وانتقادات بسبب الآثار السلبية على الحقوق الفلسطينية والعدالة الاجتماعية، والعلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" تظل محورًا للشر في منطقتنا.