الوقت- بالأمس استشهد الصحفي حمزة، نجل الصحفي البارز وائل الدحدوح، نتيجة للقصف الإسرائيلي الذي استهدف صحفيين غرب خان يونس في جنوب قطاع غزة، وفي حادث مأساوي آخر، استشهد أيضاً الصحفي مصطفى ثريا، جراء قصف بصاروخ من طائرة إسرائيلية مسيرة، استهدف السيارة التي كانا يستقلانها، بالقرب من منطقة المواصي جنوب غرب قطاع غزة، وإن القصف الإسرائيلي استهدف الصحفي حمزة، بالإضافة إلى مجموعة من الصحفيين الذين كانوا يعملون ضمن طاقم قناة الجزيرة القطرية في تلك المنطقة التي شهدت نزوح المدنيين نتيجة للهجمات الإسرائيلية على مناطق متعددة في القطاع، فيما صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بخصوص المأساة التي يواجهها الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح، الذي فقد نجله في العدوان الإسرائيلي على غزة، قائلاً إنه "يواجه مأساة لا يمكن تخيلها"، الشيء الذي دفع ناشطين كثير للهجوم على الولايات المتحدة التي تمد تل أبيب بشتى الأسلحة وتعرقل أي وقف لإطلاق النار لإشباع الدموية الإسرائيلية.
ردود أفعال نارية
لا بد من من الحديث أن قصفًا إسرائيليًا سابقًا قد أسفر عن استشهاد أفراد عدة من عائلة الزميل وائل الدحدوح، بمن في ذلك زوجته، وابنه، وابنته، وحفيدهم، حيث كانوا قد نزحوا إلى منزل في مخيم النصيرات وسط القطاع كإجراء وقائي بسبب القصف الإسرائيلي على المناطق المحيطة، وفي 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتم استشهاد الصحفي المصور سامر أبو دقة، الذي كان يعمل في قناة الجزيرة في غزة، وكان قد ظل ملقى على الأرض ينزف ومحاصرًا في محيط مدرسة فرحانة لمدة 6 ساعات، حيث فشلت سيارة الإسعاف في الوصول إليه نتيجة للقصف الإسرائيلي الذي أصابه جنبًا إلى جنب مع وائل الدحدوح أثناء تغطيتهما للهجوم الإسرائيلي على المدرسة.
وفي سياق متصل، يبدو أنّ هناك رغبة إسرائيليّة بالقضاء على الصحفيين وبالأخص مراسلي الجزيرة التي استخدمت كل قواها الإعلامية الجبارة لفضح كيان الاحتلال الإسرائيليّ، والدليل أنّه تم استشهاد والدا مؤمن الشرافي، الذي يعمل أيضًا في قناة الجزيرة، في بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى جانب عدد من أفراد العائلة، جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي على مخيم جباليا في شمال قطاع غزة، وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث قامت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بقصف منزل عائلة الصحفي في قناة الجزيرة، أنس الشريف، في مخيم جباليا شمال القطاع، هذا الهجوم أسفر عن استشهاد والد الصحفي بعد تلقيه تهديدات من قبل جيش الاحتلال.
وفي سياق آخر، إن استشهاد الصحفيين حمزة وائل الدحدوح ومصطفى ثريا يرفع عدد الشهداء الصحفيين في غزة إلى 109 منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، ما يتطلب من جميع الاتحادات الصحفية والهيئات الإعلامية والحقوقية والقانونية إلى إدانة هذه الجريمة والتنديد بتكرارها، وقد أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا، ووصفت الحادثة بأنها "جريمة حرب متعمدة تستهدف الصحفيين لإرهابهم وثنيهم عن نقل الحقيقة"، كما طالبت الحركة، في بيان صادر عنها، المؤسسات الحقوقية الدولية بتوثيق هذه الجرائم من أجل محاكمة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الوقت نفسه، أشار فيه تيم داوسن، نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين، إلى أن ما يحدث للصحفيين في غزة يشكل استهدافًا متعمدًا، وأضاف إن كل سكان القطاع يعيشون مأساة، وخاصة الصحفيين الذين يواجهون المخاطر بسبب الحرب أثناء أداء واجبهم في تغطية الأحداث في تلك المنطقة، وتحدث أن "الدول المارقة دائمًا ما تستهدف الصحفيين للإفلات من المساءلة"، وأكد أن منع الصحفيين الدوليين من دخول قطاع غزة يهدف إلى صرف الانتباه العالمي عن الأحداث هناك، مشددًا على أن "الناس الآن أصبحوا أكثر وعياً بما يرتكب من جرائم في غزة".
وبالعودة إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بخصوص المأساة التي يواجهها الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح، الذي فقد نجله في العدوان الإسرائيلي على غزة، وقوله إنه يواجه مأساة لا يمكن تخيلها، لم يعد في العالم من يصدق بكاء التماسيح الذي يمارسه الأمريكيون الذين قتلوا من سكان هذه البلاد عشرات الآلاف وبالأخص في فلسطين، وإن قول بلينكن "أشعر بالأسف الشديد على الخسارة التي لا يمكن تخيلها، أنا أب وأتخيل الفظائع التي يواجهها وائل الدحدوح، ليست مرة واحدة ولكن مرتين الآن، هذه مأساة لا يمكن تخيلها"، لا يعدو عن كونه هراء إعلامياً في وقت تدعم واشنطن تل أبيب في كل جرائمها الإبادية.
والدليل أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وقوبلت بردود فعل نارية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ردوا بسخرية ممزوجة بالغضب والسخط، متسائلين: "ما الذي يعتذر عنه؟ دماء عائلة دحدوح وكل فلسطيني على يد بلينكن، شخصية حمقاء لا تستحق سوى الاشمئزاز والعار لدورها في الإبادة الجماعية للفلسطينيين"، وأضاف آخرون: "هذا الرجل يكذب وهو ينظر لعيوننا، القانون الدولي، الإنسانية، حرية التعبير، كلها شعارات كاذبة يتغنى بها الغرب ولكن ما نراه اليوم في غزة يفضحهم ويظهر حقيقتهم القذرة"، وقال آخر: "كيف يمكن أن يتأسف المجرم وهو يدعم بالقتل، حسبنا الله ونعم الوكيل"، وإن تعبير "يقتلون الميت ويمشون في جنازته" تم استخدامه بشكل استعاري للتعبير عن سلوك يتماشى مع المواقف أو الأفعال الإسرائيلية والأمريكية.
ووصف معلقون آخرون بلينكن بأنه "ممثل مثير للاشمئزاز"، كما اتفقت الغالبية من المعلقين على أن تصريحات بلينكن هي "قمة في النفاق"، معتبرين إياها نموذجًا لدموع التماسيح، أي تظاهر بالحزن أو التأثر دون أن تكون مشاعر حقيقية أو صادقة، وأثناء زيارته في الشرق الأوسط يوم الأحد، حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من أن الصراع في غزة قد يتسع ليشمل مناطق أخرى في المنطقة، إذا لم تُبذَل جهود سلام منسقة، ومع ذلك، لفت الانتباه إلى أن بلينكن لم يطلب حتى الآن وقف إطلاق النار في غزة، وقد قدم دعمًا سياسيًا للاحتلال الإسرائيلي، وتجلى هذا الدعم في الموافقة على إرسال مساعدات إلى "إسرائيل" عبر وزارة الخارجية دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس، ويشير المسؤول الأمريكي إلى أن تقليل المساعدات المقدمة للكيان يمكن أن يؤدي إلى تشجيع أطراف أخرى على الدخول في الصراع، وقد يقلل من تأثير الردع ويشجع أعداء "إسرائيل"، على الرغم من التحفظ في هذا السياق، وتؤكد الولايات المتحدة أن دعمها ل"إسرائيل"غير قابل للتزعزع، وتظهر أن الحكومة الإسرائيلية لا تتأثر كثيرًا بالضغوط الدولية لتغيير استراتيجيتها، نتيجة الدعم الإرهابي الأمريكي.
أمريكا شريكة بالجريمة
ناهيك عن الدعم الآني غير المحدود للكيان الإرهابي في حربه على غزة وشعبها، تمنح الولايات المتحدة ل"إسرائيل" مساعدات عسكرية بقيمة 3،8 مليارات دولار سنويًا، تشمل طائرات مقاتلة وقنابل قوية يمكنها تدمير أنفاق غزة، كما طلبت الإدارة الأمريكية من الكونغرس الموافقة على مبلغ إضافي قدره 14 مليار دولار، ويعتبر هذا الدعم الأمريكي "نفوذًا كبيرًا" يساعد واشنطن في توجيه سياسات الحرب ضد الفلسطينيين والإعلاميين هناك، ويزداد الدعم لاعتقادهم بأن حجب أو تأخير إعادة ملء مخزونات الأسلحة يمكن أن يضطر الحكومة الإسرائيلية إلى تعديل استراتيجياتها بناءً على عدم التأكيد على الحصول على المزيد من الدعم، أي لمنع إيقاف الحرب.
ويستمر البارود الأمريكي بالانتشار في بلادنا، رغم أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعاني من ضغوط قوية فيما يتعلق بالتصعيد الحالي في الصراع بين "إسرائيل" وحماس، وذلك بسبب الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2024، لكن يعتبر دعم الرئيس ل"إسرائيل" جزءًا من حملته الانتخابية، ولكن مع تصاعد الأوضاع، يتزايد الضغط عليه لاتخاذ مواقف أكثر حيوية، وتحديدًا، يواجه بايدن ضغوطًا من فصيل من الديمقراطيين التقدميين الذين يرغبون في فرض شروط على دعم المساعدات العسكرية للكيان، وهؤلاء الديمقراطيون يدعون إلى وقف فوري لإطلاق النار ويطالبون بايدن بتغيير السياسة الأمريكية في تقديم المساعدات ل"إسرائيل"، وفي حالة تقديم الدعم بشروط، قد يتعين على "إسرائيل" تعديل استراتيجياتها والتوجه نحو حلول تسوية، لكن الدعم الأمريكي يغرق مطارات الاحتلال إلى اليوم.
ومن ناحية أخرى، تظهر التقارير أن الولايات المتحدة زودت "إسرائيل" بأسلحة، بما في ذلك قنابل خارقة للتحصينات، وهو الأمر الذي يبرز استمرار التعاون العسكري بين البلدين، يبدو أن الدعم الأمريكي للكيان لم يتأثر بشكل كبير حتى الآن، وإن الضغوط المتزايدة لم تؤثر حتى اليوم، والمستقبل مجهول وخاصةً إذا قررت الإدارة الأمريكية تغيير مواقفها وفرض شروط على الدعم العسكري، وتُظهر الوقائع أن الدعم الأمريكي المستمر ل"إسرائيل" يعد واحدًا من أبرز القضايا السياسية المثيرة للجدل في العلاقات الدولية، ويشكل جزءًا لا يتجزأ من العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية الإرهابية، وهذا الدعم بدأ بعد الحرب العالمية الثانية، حيث قدمت الولايات المتحدة مساعدة مالية وعسكرية ل"إسرائيل" لمواجهة الدول التي احتلت أراضيها، ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية عن التطور والتقوية، لإرضاء من أسسوها.
وتعد أمريكا شريكة بكل جريمة في غزة والمنطقة، ويشمل الدعم الأمريكي ل"إسرائيل" مجموعة متنوعة من المساعدات المالية والعسكرية، مثل الإمدادات العسكرية وبرامج التدريب والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، ويبرر البيت الأبيض هذا الدعم بأسباب خشبية، بما في ذلك تعزيز الأمن الإسرائيلي، ودعم الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان في المنطقة، كما يعتبر الكيان الإسرائيلي حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، ويُعترف بالدور المهم الذي تلعبه في المنطقة لمصلحة الغرب وأمريكا.
ويتسبب الدعم الأمريكي ل"إسرائيل" في انتقادات واسعة في الأوساط الدولية، حيث يُتهم بأنه يتم على حساب الحقوق الفلسطينية والعدالة الاجتماعية في المنطقة، وهذا الدعم يساهم في تصاعد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ويعرقل جهود التسوية والسلام في المنطقة، وإنّ الدعم الأمريكي ل"إسرائيل" ليس مقتصرًا على المساعدات العسكرية والمالية فقط، بل يشمل أيضًا الدعم السياسي والدبلوماسي، والولايات المتحدة تُعَدّ واحدة من أقوى داعمي تل أبيب في المجتمع الدولي، حيث تستخدم حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع الإدانة الدولية ل"إسرائيل"، كما تصل قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية ل"إسرائيل" إلى ملايين الدولارات سنويًا، تشمل صواريخ وطائرات ودبابات وأسلحة أخرى.
في الختام، إن تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" يعود إلى التأسيس الرسمي للكيان في عام 1948، ومنذ ذلك الحين، تطورت هذه العلاقة وتعززت بشكل كبير، الدعم الأمريكي ل"إسرائيل" يثير جدلاً وانتقادات واسعة نظرًا لتأثيره على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتداعياته الإقليمية والدولية، والفلسطينيون يواصلون نضالهم من أجل تحقيق حقوقهم وتحرير بلادهم، والصراع الدائم في المنطقة يظل قضية حساسة ومعقدة تتطلب جهودًا دولية للتوصل إلى حل سلمي وعادل، وتعكس تغطية وسائل الإعلام العالمية للأحداث في قطاع غزة تركيزًا على استمرار استهداف "إسرائيل" للصحفيين وتأثير ذلك على قدرتهم على نقل الأحداث والصور الواقعة في المنطقة، وإن مقتل الصحفيين يعد أمرًا مأساويًا ويسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الصحفيون في أوقات النزاعات.
