الوقت- في الفترة المنصرمة، كشفت قناة إسرائيلية، عن ما أسمته "فيديو نادراً" يوثق إطلاق دبابات إسرائيلية للقذائف على منزل يضم مستوطنين إسرائيليين في مستوطنة "بئيري" بمنطقة غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأفادت القناة الإسرائيلية "12" الخاصة بأن 15 مستوطنًا كانوا محتجزين لدى مسلحين فلسطينيين في أحد المنازل في الطرف الشمالي لمستوطنة بئيري، وفي الفيديو، يُسمع صوت ضابط إسرائيلي على مروحية تحوم فوق مستوطنة "بئيري"، ويقول لمحدثه عبر جهاز الإرسال إنه يرى الدخان يتصاعد من شمال المستوطنة بكثافة، في حين تظهر آليات كتيبة "كاراكال" التابعة للجيش محترقة، وأشارت القناة إلى أن "الفيديو النادر يظهر دبابة وهي تطلق قذيفة على منزل بيسي كوهين، في حين كان مسلحو حماس يتحصنون داخله مع الأسرى".
جرائم إسرائيلية بحق المستوطنين
لم يصدر أي تعليق رسمي من الجيش الإسرائيلي بخصوص الفيديو وتقرير القناة، وفيما يتعلق بالواقعة، نقلت القناة تصريحات المستوطنة ياسمين بورات، التي كانت شاهدة عيان على الحادث، حيث قالت: "جاؤوا فجأة بدبابة، وسألتُ أحد الجنود: هل ستصيبون الرهائن إذا قمتم بإطلاق القذائف؟"، وأوضحت أن الجندي أكد لها أنهم سيطلقون القذائف فقط على أطراف المنزل لهدم الجدران، وفي الفيديو يُسمع صوت الضابط على المروحية وهو يخاطب زميله عبر جهاز الإرسال، حيث يقول: "يا للعجب، نرى دبابة داخل بئيري تسير على الطريق"، وأضاف: "وقع إطلاق نار هنا، يا للعجب"، مشيرًا إلى إطلاق الدبابة لقذيفة على المنزل.
من ناحيتها، قالت هداس دغان التي كانت تختبئ مع زوجها في منزل مجاور: "فجأة وقع انفجار مرعب، لم أتمكن من تحريك قدمي، وكان واضحًا لي أن هناك دبابة"، وأضافت: "أصبتُ من شظايا قذيفة الدبابة، كان ذلك في نفس لحظة الإطلاق"، ووفقًا للقناة، "تم إطلاق أول قذيفة من الدبابة على المنزل في الساعة 17:30 (بالتوقيت المحلي) وسط وضح النهار، بعد مرور ساعة ونصف تقريبًا من وصول القوات إلى المنطقة"، وأشارت القناة إلى أن "الدبابة أطلقت القذيفة الأولى، لكنها تعرضت للاستهداف بعد ذلك، وفيما بعد جاءت دبابة أخرى لاستكمال المهمة".
وقد سبق أن قام قادة "إسرائيل" بدعوة زعماء غربيين إلى مستوطنة بئيري في أكثر من مناسبة منذ بداية حرب غزة، بهدف عرض حجم الدمار الذي زعموا أن حركة "حماس" قامت بتسببه في المنطقة، ورغم ذلك، عبر بعض المعلقين عن شكوكهم في إمكانية أن تكون أسلحة حماس قد أحدثت الدمار الكبير الذي حل بالمنازل، ويجدر بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها نشر تقارير وشهادات تفيد باستهداف الجيش الإسرائيلي للمستوطنين خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر، وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن تقرير يفيد بأن مروحية إسرائيلية أطلقت النار على مسلحي "حماس" في حفل بمستوطنة ريعيم، بعد أن جاءت من قاعدة رمات ديفيد في الشمال، نتج عن هذا الهجوم إصابة عدد من الإسرائيليين الحاضرين في الحفل، وذلك وفقًا لمصادر في الشرطة الإسرائيلية التي لم يتم ذكرها باسمها، وأشارت الصحيفة إلى أن عدد القتلى في الحفل بلغ 364 شخصًا.
وردًا على "اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته"، قامت "حماس" في الـ 7 من أكتوبر بتنفيذ هجوم باتجاه مستوطنات وقواعد عسكرية في محيط قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي وإصابة نحو 5431، إضافة إلى اعتقال حوالي 239 شخصًا، بعضهم تم تبادلهم مع أسرى فلسطينيين الذين تحتجزهم "إسرائيل" في سجونها، ويتجاوز عددهم 7800 فلسطيني، ومنذ الـ 7 من أكتوبر، شن الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية على غزة، أسفرت عن وفاة 19,667 شخصًا وإصابة 52,586 آخرين، أغلبهم من الأطفال والنساء، ما أسفر عن دمار هائل في البنية التحتية وتسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقًا للسلطات القطاعية وتقارير الأمم المتحدة.
وقبل مدة، أعرب البيت الأبيض عن أسفه لواقعة مقتل ثلاثة رهائن إسرائيليين في قطاع غزة على يد جنود إسرائيليين، وصف الحادث بأنه "خطأ مأساوي"، وأوضح الناطق باسم البيت الأبيض، جون كيربي، قائلاً: "ليس لدينا رؤية كاملة حول الطريقة التي سارت بها تلك العملية بالضبط وكيف ارتكب هذا الخطأ المأساوي"، حيث قام جيش الاحتلال بقتل عائلات بأكملها وتدمير أغلب المباني السكنية في غزة، ما خلف عشرات الآلاف من الضحايا، وفي الوقت الحالي، تزعم "إسرائيل" أن عشرات الإسرائيليين لا يزالون أسرى لدى "حماس" داخل قطاع غزة، بينما تطالب "حماس" بالإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
ليست المرة الأولى!
منذ انطلاق الحملة في الـ 7 من أكتوبر الماضي، قاد الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية مدمرة في قطاع غزة، أسفرت عن مجازر شنيعة ومعظم الضحايا كانوا من الأطفال والنساء، تسببت هذه الحملة في تدمير هائل للبنية التحتية في القطاع، وخلقت "كارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفقًا لمصادر رسمية فلسطينية، وفي تظاهرات عدة لأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، رفع المحتجون شعارات تدعو إلى منح الأولوية لإعادة المحتجزين بأسرهم على الفور في إطار صفقة تبادل، بغض النظر عن التكلفة، كما طالب المتظاهرون حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوقف القتال وبدء مفاوضات مع المقاومة لضمان إطلاق سراح المحتجزين.
كذلك، أكد أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن "العدو" ما زال يقامر بحياة جنوده الأسرى لدى المقاومة، واتهم جيش الاحتلال بأنه "تعمد بالأمس إعدام 3 منهم وآثر قتلهم على تحريرهم"، في إطار الحرب النفسية، ونشرت كتائب القسام صورة للمحتجزين الإسرائيليين لديها، وكتبت عليها باللغتين العربية والعبرية: "الخيار لكم في توابيت أم أحياء"، وفيديوهات تظهر مقتل أسرى برصاص جيش الاحتلال، وفي السياق نفسه، خاطب القيادي في حماس أسامة حمدان عائلات الأسرى لدى المقاومة، قائلًا لهم: "إن مغامرات نتنياهو قد لا تعيد أبناءكم أحياء أبدًا، ومن يرد استعادة الجنود الأسرى أحياء عليه أولاً أن يوقف العدوان كاملاً، ثم يأتي لصفقة تبادل، وفق شروط المقاومة".
وفي إطار ذلك، أعلن جيش الاحتلال مقتل محتجزة إسرائيلية أخرى في غزة، وقد أفادت إذاعة الجيش بأن عنبر هايمان، إحدى المحتجزات الإسرائيليات في غزة، قد فارقت الحياة، في محاولة لامتصاص موجة الغضب المتصاعدة في المجتمع الإسرائيلي بسبب الأحداث الأخيرة، وصرح رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال بأنه يتحمل شخصيًا المسؤولية باعتباره قائد الجيش عن قتل المحتجزين الثلاثة في غزة، وعبّر عن التزامه باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.
وتوضح تقديرات مسؤولين أمنيين إسرائيليين بارزين، وفقًا لما ذكرته صحيفة "هآرتس"، أن حركة حماس كانت على علم بتنظيم مهرجان "نوفا" الموسيقي عبر وسائل متقدمة، مثل طائرات مسيرة أو أفراد يستخدمون المظلات، وقد قاموا بتوجيه المهاجمين إلى الموقع باستخدام نظام اتصالات خاص بهم، وتستند هذه التقديرات، وفقًا للصحيفة، إلى نتائج "تحقيقات الشرطة في الحادث، بالإضافة إلى أمور أخرى"، وتكشف هذه النتائج أن المسلحين كانوا يخططون للتسلل إلى كيبوتس رعيم وغيرها من الكيبوتسات القريبة من حدود قطاع غزة.
ووفقًا لتصريح مصدر في الشرطة لصحيفة "هآرتس"، يشير التحقيق أيضًا إلى وصول مروحية قتالية تابعة للجيش الإسرائيلي إلى موقع الحادث وقيامها بإطلاق النار على منفذي الهجمات هناك، ويبدو أن النيران أصابت أيضًا بعض المشاركين في المهرجان، ووفقًا لبيانات الشرطة، بلغ عدد القتلى في المهرجان 364 شخصًا، وذلك في الحادي عشر من أكتوبر الماضي، ولم يستجب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، لطلبات التعليق على هذا التقرير، وفي مقطع فيديو من إحدى كاميرات المراقبة الخاصة بأحد المهاجمين، يُسمع وهو يطلب من مختطف أن يقدم له اتجاهات الوصول إلى كيبوتس رعيم، وفقًا لتقرير الصحيفة الإسرائيلية.
وتُعزز هذه المعلومات، وفقًا لما نقلته "هآرتس" عن تصريحات الشرطة ومصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى أخرى، فرضية وصول مسلحي حماس الأوائل إلى موقع الهجوم عبر الطريق السريعة "232"، وليس من اتجاه الحدود مع قطاع غزة، ووفقًا لمصادر الشرطة، كان من المقرر أصلاً إقامة الحفل في أيام الخميس والجمعة، وتمت إضافة يوم السبت فقط نهار الثلاثاء من ذلك الأسبوع، وفقًا لطلب المنظمين، ويعزز التغيير الذي حدث في اللحظة الأخيرة التقدير بأن حركة حماس قد لم تكن على علم بالحدث، وأكد مسؤول كبير في الشرطة للصحيفة قائلاً: "حضر حوالي 4400 شخص هذا الحدث، وفقًا لتقديراتنا، وتمكنت الغالبية العظمى منهم من الفرار بسرعة بعد اتخاذ قرار تفريق الحدث، الذي تم اتخاذه بعد أربع دقائق فقط من وقوع الهجوم الصاروخي".
ويُظهر تحليل الشرطة أن العديد من الحاضرين في المهرجان تمكنوا من الفرار بسبب قرار إيقاف الحفل الذي اتخذ قبل نصف ساعة من التقارير الأولى عن إطلاق النار، وقام المقاومون باقتحام بلدات إسرائيلية في غلاف قطاع غزة، حيث استخدموا دراجات نارية وشاحنات صغيرة وزوارق سريعة وطائرات شراعية آلية، شوهد بعض هؤلاء المسلحين يحلقون فوق المهرجان في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع على الإنترنت، ورصد رواد المهرجان وهم يفرون للنجاة بحياتهم عبر حقل مفتوح باتجاه السيارات حيث سُمع دوي طلقات نارية، وأظهرت لقطات جوية في أعقاب الهجوم عشرات السيارات المحترقة على جانب الطريق المؤدي إلى مكان المهرجان.
في النهاية، كشف الإسرائيليون بأغلبهم ألاعيب حكومة احتلالهم العسكري، فوجود نتنياهو أهم بألف مرة بالنسبة للحكومة من مقتل الآلاف والدليل الجرائم في غزة، ومن لا يأبه بروح 20 ألف شخص كيف يأبه بأرواح العشرات، وعن التحولات والتساؤلات التي تطرأ على المجتمع الإسرائيلي في ضوء التحولات الديمغرافية والتطورات السياسية، لكن الأهم أن الإسرائيليين اليوم لن يعودوا أبدا كما كانوا في السابق تجاه حكومتهم.