الوقت- في اعتراف صريح، أعرب المحلل العسكري الإسرائيلي البارز عاموس هارئيل عن توقعه بانتهاء "إسرائيل" للنزاع في قطاع غزة خلال الأسابيع القادمة دون تحقيق أهدافها المعلنة، واعتبر هارئيل أن التحدث عن هزيمة حركة "حماس" في غزة يعد "سابقاً لأوانه"، وجاء ذلك في تحليل أعدّه هارئيل ونشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، حيث قدم شرحًا للوضع الميداني داخل قطاع غزة، مشيرًا إلى الصعوبات والعقبات التي تعيق تحقيق أهداف "إسرائيل" في الحرب، خاصةً فيما يتعلق بالقضاء الكامل على القدرات العسكرية لحركة "حماس"، وأضاف هارئيل: "رغم وجود خسائر، يظل الجيش الإسرائيلي سعيدًا بإنجازاته في القتال الذي يتسارع ببطء وبحذر، ولكن لا تشير المؤشرات إلى اقتراب حماس من حالة الانهيار".
إخفاق الإسرائيليين في حرب غزة
لم يخف هارئيل شعور إخفاق الإسرائيليين بقوله: "منذ استئناف المناورة البرية في 1 ديسمبر، قتل عشرات المقاتلين يومياً، وتعرضت مواقع عسكرية للضرب، وتم تدمير أنفاق، وتم الاستيلاء على أسلحة، لكن الحديث المتداول في استوديوهات التلفزيون حول هزيمة حركة حماس يعتبر مبكرًا"، وقد دعم تصريحه هذا بالإشارة إلى أن سلسلة الأحداث حتى الآن تعكس أساسًا التحديات المتزايدة التي تواجه حكم حماس في غزة، ولكن لا يوجد دليل قاطع حتى الآن على اقتراب انهيارها، وأشار المحلل العسكري إلى أنه في كل صباح، يتم نشر صور لآخر ضحايا الجيش الإسرائيلي، ويتعلق الأمر بمعظمهم بجنود الاحتياط الذين فقدوا حياتهم في المعارك في قطاع غزة.
وكشف عن أنه مع تقدم المناورة البرية، تستمر الخسائر بشكل مستمر، وما زالت مقاومة حماس قوية في بعض المناطق، وأضاف: "يظهر بوضوح أن المنظمة (حماس) غير قادرة على إيقاف هجوم كبير من قوات الجيش الإسرائيلي، ولكن الخلايا الصغيرة لمقاتلي حماس تفرض تكلفة يومية على تقدم الجيش واستيلائه على مناطق جديدة في كل من الشمال والجنوب"، وأشار هارئيل إلى أن "المعارك الميدانية تعزز تقييم هيئة الأركان العامة للجيش بأن هدف تفكيك قدرات حماس العسكرية والتنظيمية في غزة يمكن تحقيقه على المدى الطويل"، وفقًا لتقييمه.
وحسب الإسرائيليين الذين يخوضون حربا إجرامية على غزة، يعتمد الأمر على الجدول الزمني - على قدرة الجيش الإسرائيلي على مواصلة هجوم شديد الكثافة على الأرض قبل التحول إلى الغارات، مع بقاء غالبية القوة العسكرية بالقرب من حدود غزة، ومع ذلك، حتى لو كان الجيش الإسرائيلي قادرًا على تنفيذ خططه، فإنه سيظل معرضًا لخطر عدم تلبية توقعات الجمهور، حيث وعدت القيادة السياسية بالقضاء على حماس، وإعادة جميع الأسرى، وإعادة بناء جميع المجتمعات الحدودية المدمرة وإزالة التهديد الأمني عنها، وهذه أهداف طموحة، ومن الواضح أن بعضها لن يتحقق، ومن الواضح أن "إسرائيل" ستقبل بها مرغمة تحت الضغط الأمريكي.
وفي الوقت الذي أشار هارئيل إلى أن "الصعوبات الاقتصادية الهائلة والمتزايدة بسرعة التي تواجهها إسرائيل، والعبء الواقع على جنود الاحتياط، والتوقعات الأمريكية، يمكن أن تساهم جميعها في تقصير مدة العملية المكثفة داخل غزة"، قال: "إذا حدث ذلك، فإن الحكومة والجيش سيواجهان مشكلة ذات حدّين، حيث يعتقد جزء كبير من الجمهور أن تحرير الرهائن يجب أن يكون على رأس أولويات إسرائيل ويعتبرون أي تأخير في إعادتهم بمثابة فشل كبير"، وفي الوقت نفسه، يطالب العديد من الإسرائيليين بهزيمة حماس الكاملة، وسينظرون إلى أن يكون خفض القوات مقروناً بوعد بإكمال المهمة في المستقبل، بينما تتهرب القيادة من الأهداف التي وعدت بها بشكل كبير في بداية الحملة الهمجية على المدنيين في غزة.
الكيان ليس مستقلا
بعد انتهاء الهدنة الإنسانية المؤقتة مطلع ديسمبر الجاري، وسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي غاراته الجوية وعملياته البرية باتجاه مدن الجنوب، و لا سيما رفح وخان يونس، وضيّق الخناق على الفلسطينيين، وبدوره، قال المحلل الإسرائيلي نداف شرغاي، إن الحرب الإسرائيلية على غزة كشفت النقاب عن أن "إسرائيل" ليست مستقلة تماما، وجاء ذلك في مقال نشره شرغاي بصحيفة "إسرائيل اليوم" اليمينية بعنوان: "الحرب أوضحت أمرا واحدا: إسرائيل ليست مستقلة تماما"، وقال شرغاي: "سوف تحتاج العديد من القضايا إلى إعادة تقييم بعد الحرب، إحداها، والتي بالكاد تتم مناقشتها الآن، هي اعتماد الكيان شبه الكامل على الولايات المتحدة، عسكرياً وسياسياً، كما أصبح واضحاً تماماً أثناء القتال"، وأضاف: "أبرز مظاهر هذه العلاقة التكافلية هو المشاركة غير المسبوقة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في اجتماعات مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي".
وعن فوائد ذلك الدعم، قال شرغاي إن "الفوائد الضخمة المترتبة على الحصول على الدعم والمساندة الأميركية واضحة: 4 مليارات دولار في هيئة مساعدات عسكرية سنوية، والإمداد المستمر بالذخيرة أثناء القتال، والدعم الدولي ضد دول مثل إيران وروسيا والأمم المتحدة"، واستدرك: "لكن الجوانب السلبية التي لم تتم مناقشتها بشكل أقل، هي أن إسرائيل محدودة وغير حرة في التصرف كما تراه مناسبًا، لا أثناء الحرب ولا في اليوم التالي"، وأشار شرغاي إلى أن "الاعتماد موجود في كل مكان، ولكن يجب أن نسعى جاهدين لتقليله إلى أدنى درجة ممكنة".
وحسب المعلومات، قبل عامين تقريبا، أصبحت هذه القضية مصدرا للتدقيق في الدوائر الداخلية للمؤسسات السياسية والأمنية في "إسرائيل"، وقال: "تمت كتابة مذكرة أولية وتقديمها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكن الصراع الاجتماعي العميق في إسرائيل بشأن الإصلاح القضائي، أدى إلى إجهاض هذه العملية في مهدها"، وأضاف: "واليوم، هناك العديد من الأشخاص الذين توصلوا إلى استنتاج، مفاده بأن إسرائيل يجب أن تستعد لليوم الذي تشهد فيه العلاقات فتورًا كبيرًا في العلاقات مع الولايات المتحدة"، وأكد أن "هذا يعني أيضًا الاستعداد لسيناريو حيث لم تعد الولايات المتحدة قادرة على تقديم المساعدة لإسرائيل بالمستويات الحالية".
وعن الدعم العسكري الأمريكي لتل أبيب، قال شرغاي: "تحتاج صناعاتنا الدفاعية المحلية إلى الانفصال تدريجياً عن القيود التعاقدية التي تلتزم بها إسرائيل بموجب الاتفاقيات المبرمة مع الولايات المتحدة، حتى تتمكن من تطوير المزيد من أنواع الأسلحة بشكل مستقل، واستشهد بالمثل اليهودي الشهير: ’إذا لم أكن لنفسي، فمن سيكون لي؟’" وأضاف: "في عام 1982، وصف وزير الخارجية الأمريكي آنذاك (المتقاعد) ألكسندر هيج، "إسرائيل" بأنها "أكبر حاملة طائرات أمريكية في العالم لا يمكن إغراقها، ولا تحمل حتى جنديا أمريكيا واحدا، وتقع في منطقة حساسة للأمن القومي الأمريكي".
كذلك، أوضح أن "الولايات المتحدة تستفيد أيضاً من علاقاتها معنا حتى لو لم تكن تعتمد علينا"، وقال: "تعد إسرائيل بمثابة مختبر للعديد من التطورات الأمنية في ظل ظروف قتالية حقيقية، حيث تقوم باختبار الطائرات والدبابات والصواريخ والأسلحة الإضافية"، وتابع: "قال رؤساء صناعة الطيران الأمريكية ذات مرة إنه تمت إضافة ما لا يقل عن 700 ترقية إلى الطائرة المقاتلة من طراز F-16 بعد المشورة والخبرة الإسرائيلية، وعندما يُترجم هذا إلى دولارات ووقت، تُقدر التكاليف التي تم توفيرها بسنوات عديدة من البحث ومليارات الدولارات".
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قالت وزارة الحرب الإسرائيلية في بيان: "استقبلت وزارة الدفاع أول شحنة من سيارات الجيب المدرعة الأمريكية"، ضمن حزمة المساعدات العسكرية التي تخصصها واشنطن لتل أبيب، وبعد أيام، أعلنت الولايات المتحدة أنها سترسل خبراء عسكريين إلى "إسرائيل"، لتقديم الاستشارة لها في الحرب التي تشنها على الفلسطينيين في قطاع غزة، وفق متحدث مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، في مؤتمر صحفي، ويأتي ذلك في سياق شن الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حربًا مدمرة على غزة، حيث بلغت حصيلة الحرب الإسرائيلية نحو 20 ألف شهيدًا و60 ألف جريحًا، ويشكل معظمهم من الأطفال والنساء، وتسببت الحرب في دمار هائل في البنية التحتية، وأثارت "كارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفقًا لمصادر رسمية فلسطينية.
النتيجة، أظهرت معركة "طوفان الأقصى" هزيمة عسكرية مدوية ومعنوية للعدو وداعميه، وكان لها تأثير كبير على القوات الإسرائيلية والساحة السياسية في فلسطين المحتلة، واستمرار التحلي بالقوة والقدرة على المقاومة يظهر أن الديناميكات قد تتغير في الساحة السياسية، وهذا يثير قلقًا إسرائيليًا ويؤكد على التحديات الجمة التي تواجه "إسرائيل" من ناحية الأمن والسياسة، وقد شُنت معركة "طوفان الأقصى" في الأساس كرد فعل من حماس على الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وقد فشلت في محاولات "إسرائيل" في أهدافها وعلى رأسها القبض على قادة المقاومة، وأكدت هذه المعركة قوة حماس وقدرتها على مواجهة "إسرائيل" رغم الدعم الأمريكي اللامحدود، وكشفت بوضوح عن ضعف الكيان الصهيوني وأسباب وجوده الحقيقية في المنطقة.