الوقت– إن الكيان الصهيوني الذي لم يتوانَ عن اتخاذ أي إجراء في حرب غزة لقتل الفلسطينيين، لم يتوانَ عن استخدام كل الأسلحة التقليدية وحتى غير التقليدية المتطورة في العالم من أجل تحقيق أهدافه المعلنة، في غضون ذلك، تشير تقارير جديدة إلى أن الجيش الصهيوني استخدم الذكاء الاصطناعي المسمى "حبسورة أو الكتاب المقدس" في حرب غزة، وهو ما ساهم بشكل كبير في وقوع خسائر بشرية.
ومقارنة بهجمات الكيان الصهيوني السابقة على غزة، الحرب الحالية، والتي بدأت بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول، شهدت غزة توسعا كبيرا في قصف جيش الاحتلال، وهي أهداف ليست ذات أهمية كبيرة وليس لها طبيعة عسكرية واضحة، وكتبت "مجلة +972" التي تعمل منذ عام 2010 على إعداد تقارير تفصيلية واستقصائية حول القضايا المتعلقة ب"إسرائيل" وفلسطين، في تقرير نشر مؤخرا: "لقد اعتمد الجيش الإسرائيلي سياسات تهدف إلى زيادة بنك الأهداف المدنية بالإضافة إلى ذلك، قامت بتعديل القيود المفروضة على مهاجمة المدنيين".
ووفقا لهذا التقرير، نقلا عن عدة مصادر طلبت عدم الكشف عن هويتها، فإن لدى الجيش الإسرائيلي معلومات عن عدد كبير من الأهداف المحتملة في غزة، وبناء على ذلك، لدى هذا التقرير بالفعل فرضيات حول عدد الأشخاص الذين سيقتلون في هجوم على غزة، وقال التقرير، "لقد فعلوا ذلك وتشمل المعلومات المساكن الخاصة والمباني العامة والبنية التحتية والمباني الشاهقة، والتي يعرّفها الجيش بأنها "أهداف للسلطة".
وحسب صحيفة الغارديان، فإن نظام الحبسورة الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي يمكنه تدمير الأهداف بشكل شبه تلقائي بمعدل أسرع بكثير مما كان ممكنا في السابق، ووفقا للضباط الصهاينة، فإن نظام الذكاء الاصطناعي هذا يسهل بشكل أساسي إنشاء "مصنع للقصف الجماعي"، في السنوات الأخيرة، ساعدت قوة الهدف المدعومة بالذكاء الاصطناعي الجيش الإسرائيلي على بناء قاعدة بيانات تضم ما بين 30 ألفاً إلى 40 ألفاً من المسلحين المشتبه بهم، والتي تقول بعض المصادر إن أنظمة مثل نظام آنجل تلعب دورًا مهمًا في إعداد القوائم البيضاء.
وتابعت مجلة +972 تقريرها وكتبت: "أرقام الإعدامات تم حسابها ووحدات استخبارات الجيش الإسرائيلي تعلم عنها مسبقا وحتى قبل وقت قصير من الهجوم فهي متأكدة من عدد المدنيين الذين سيقتلون"، ونقلت صحيفة الغارديان عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق أفيف كوخافي قوله إنه تم إنشاء قسم استهداف قبل ثلاث سنوات، وتتكون الوحدة من مئات الضباط والجنود المدعومين بقدرات الذكاء الاصطناعي.
وقال مصدر إسرائيلي آخر: "لا شيء يحدث صدفة، عندما تقتل طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات في منزل في غزة، فذلك لأن أحد الجنود قرر أن موتها ليس بالأمر الكبير بالنسبة له، هذه ليست صواريخ عشوائية بل إن كل شيء متعمد، نحن نعرف بالضبط حجم الأضرار الجانبية الموجودة في كل منزل"، كما قال مصدر كبير سابق في الجيش الصهيوني عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات على غزة: "يستخدم العملاء قياسًا دقيقًا للغاية لمقدار إجلاء المدنيين لمبنى قبل وقت قصير من الهجوم، نحن نستخدم خوارزمية صفراء وحمراء، مثل إشارة المرور، لتقدير عدد المدنيين المتبقين".
الأهداف الأربعة للذكاء الاصطناعي في غزة
وحسب المصادر التي تحدثت إلى صحيفة +972، يمكن تقسيم الأهداف التي ضربتها الطائرات الإسرائيلية في غزة إلى أربع فئات تقريبًا، الأول هو "الأهداف التكتيكية"، والتي تشمل الأهداف العسكرية القياسية مثل خلايا الميليشيات المسلحة، ومستودعات الأسلحة، وقاذفات الصواريخ، وقاذفات الصواريخ المضادة للدبابات، وحفر الإطلاق، وقذائف الهاون، والمقرات العسكرية، ومراكز المراقبة.
والثاني، "الأهداف تحت الأرض" هي في معظمها أنفاق حفرتها حماس تحت غزة، ويمكن أن تؤدي الغارات الجوية على هذه الأهداف إلى انهيار المنازل فوق الأنفاق أو بالقرب منها.
والثالث هو "مراكز القوة"، والتي تشمل الأبراج السكنية الشاهقة في قلب المدن والمباني العامة مثل الجامعات والبنوك والمكاتب الحكومية، وحسب مصادر استخباراتية لديها خبرة في استخدام هذا الكيان في غزة في الماضي، فإن قصف أهداف السلطة يهدف بشكل رئيسي إلى إيذاء المدنيين الفلسطينيين، ويهدف هذا الهجوم إلى إحداث صدمة كبيرة للمدنيين من أجل إجبارهم على الضغط على حماس.
ويتكون القسم الأخير من "منازل العمليات" والغرض المعلن لهذه الهجمات هو تدمير المنازل الخاصة لاغتيال أحد السكان المشتبه في أنه عضو في حماس أو الجهاد الإسلامي، وفي هذا الصدد، قال مصدر مشارك في الهجمات الإسرائيلية السابقة على غزة لموقع "الجلد العربي": "يُطلب منا البحث عن المباني الشاهقة، التي يمكن أن ينسب نصفها إلى حماس، في بعض الأحيان يكون مكتب المتحدث الرسمي باسم جماعة مسلحة أو مكان اجتماع للناشطين، حيث إن وجود مثل هذه الطبقة هو ذريعة تسمح للجيش بإحداث دمار كبير في غزة"، هذا في حين تعرضت العديد من المباني السكنية في غزة للقصف لمجرد ادعاء الصهاينة أن عناصر من حماس يسكنون في إحدى وحدات البناء، إلا أن التقارير تؤكد خلاف ذلك.
ليس من الواضح بالضبط ما هي أشكال البيانات المضمنة في الكتاب المقدس، لكن الخبراء يقولون إن أنظمة دعم القرار القائمة على الذكاء الاصطناعي للاستهداف تعتمد عادةً على مجموعات كبيرة من المعلومات من مجموعة من المصادر، مثل لقطات الطائرات دون طيار والاتصالات المعترضة وبيانات المراقبة والاستخبارات، يتم الحصول عليها من خلال رصد الحركات والأنماط السلوكية للأفراد والمجموعات الكبيرة ويتم تحليلها.
ورغم ادعاء السلطات الصهيونية بأن استخدام الذكاء الاصطناعي يهدف إلى تدمير البنية التحتية لحركة حماس وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، فإن ما حدث في غزة خلال الشهرين الماضيين يثبت عكس ذلك، وهذه المرة الخسائر في صفوف المدنيين أعلى بكثير، وهو ما يظهر أن الكيان الصهيوني يستخدم هذه التكنولوجيا لإيقاع خسائر أكبر من الضحايا الفلسطينيين.
أول استخدام للذكاء الاصطناعي في الحرب
ورغم أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب الأخيرة في غزة يتم على نطاق واسع للغاية، إلا أن الصهاينة استخدموا بالفعل هذا الأسلوب الجديد لقتل الفلسطينيين وهم رواد استخدام هذه التكنولوجيا، ففي حرب غزة التي استمرت 11 يومًا بين حماس والجيش الإسرائيلي في مايو 2021، أطلق الجيش الصهيوني ما أسماها "حرب الذكاء الاصطناعي الأولى في العالم".
وقال الكوخاوي لصحيفة الغارديان عن ذلك: "خلال حرب الـ 11 يومًا بين إسرائيل وحماس في مايو 2021 في عملية حراسة الجدار، عندما تم تفعيل هذه التكنولوجيا، أنتجت 100 هدف جديد كل يوم"، وأضاف: "في الماضي، أنتجنا 50 هدفًا في غزة في العام، والآن تنتج هذه التكنولوجيا 100 هدف في اليوم، 50 بالمئة منها تتعرض للهجوم".
ولذلك فإن الاجتياح الحالي لغزة يمثل فرصة غير مسبوقة لجيش الاحتلال لاستخدام هذه الأدوات التقنية والذكاء الاصطناعي على مستوى أعلى للتعرف على نقاط الضعف والقوة في هذا الكيان في القطاع العسكري لتنفيذ جرائمه بأقل قدر ممكن من الأخطاء في المستقبل.
ويقال إن الكيان الصهيوني استخدم نظام الذكاء الاصطناعي في اغتيال قادة جبهة المقاومة والعلماء النوويين الإيرانيين، وبما أن استخدام هذه التكنولوجيا هو الطريق الأول، وبالنظر إلى تجربة الجرائم الصهيونية، فليس من المستبعد أن تستخدم تل أبيب هذا الأسلوب للقضاء على قادة المقاومة في المستقبل.
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي هو فرع واسع من علوم الكمبيوتر يقوم بإنشاء آلات ذكية تحاكي السلوك البشري، في الواقع، تتخذ هذه الآلات قرارات تتطلب عادة مستوى من الخبرة البشرية وتساعد البشر على توقع المشكلات المحتملة والتغلب عليها، ورغم أن الدول تحاول استخدام هذه التكنولوجيا في القطاع الصناعي، إلا أن هذه الطريقة الحديثة تم استخدامها أيضًا في المجال العسكري، وبناء على ذلك فإن أنظمة الاستهداف تعتبر أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصناعات العسكرية ويتم تقييمها على أساس دقة وسرعة تحديد الهدف، وبهذه الطريقة، يجب أن تكون أنظمة الاستهداف الإلكترونية مبتكرة لتكون أقل عرضة للأضرار الناجمة عن عمليات العدو.
الغرض من الذكاء الاصطناعي في الاستطلاع هو العثور على الهدف الأكثر إستراتيجية الذي يستحق التركيز عليه لإطلاق النار وتنبيه المشغل الذي يراقب الشاشة، قد يكون الهدف طائرة دون طيار معادية تحلق بسرعة عالية في منطقة الصراع، ويتم اكتشافها باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصناعة العسكرية.
إن استخدام الكيان الصهيوني لهذا الأسلوب في الحروب، والذي يزيد من دقة الإصابات والقتل لدى الطرف الآخر، جعل الدول الأخرى تفكر في استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب واستخدامه إذا لزم الأمر لضرب العدو، ونقلت صحيفة الغارديان عن مسؤول في البيت الأبيض، لم تذكر اسمه، قوله إن استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية الإسرائيلية واستخدام الأنظمة الآلية في ساحة المعركة ستتم مراقبته من قبل دول أخرى وستستفيد تلك الدول من قدرة "إسرائيل" في هذا المجال.
ويحذر الخبراء من أن الاعتماد السريع للذكاء الاصطناعي في قرارات الاستهداف العسكري يشكل سابقة قد تحذو حذوها دول أخرى، مشددين على ضرورة إجراء نقاش عالمي حول الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في النزاعات المسلحة، قد تمثل الحرب الحالية في غزة نقطة تحول خطيرة في سير العمليات الحربية، حيث إنها المرة الأولى التي يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع خلال عملية عسكرية، حيث تستخدم تل أبيب التكنولوجيا لصد الهجمات الصاروخية و طائرات استطلاع دون طيار، وستستخدم تجربة حرب غزة لتحسين دقتها وكفاءتها في المستقبل.