الوقت- ربما لا يرى البعض أي دور للمرأة الفلسطينية في عملية المقاومة الكبيرة الأخيرة ضد الاحتلال الصهيوني، والتي تسمى عملية طوفان الأقصى، والحقيقة أن معظم العمليات التي تنفذها القوات الفلسطينية ضد المحتل، يصممها وينفذها الشباب، دون أن يكون للمرأة دور مباشر في هذه العمليات، إن طبيعة الوضع الأمني والعمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الفلسطينية تتطلب أن يخضع منفذو هذه العمليات لتدريبات عسكرية قاسية وواسعة النطاق، إن الصعوبة والاختباء في أماكن معينة، بالإضافة إلى التغيب عن المنزل لفترة طويلة وغير محددة، كلها أمور تجعل المشاركة المباشرة للمرأة الفلسطينية في عمليات المقاومة صعبة للغاية بسبب ظروف خاصة، لكن هذا الوضع الصعب لا يعني أن المرأة الفلسطينية ليس لها أي دور في عمليات المقاومة. ولا يمكن تجاهل دور المرأة الفلسطينية، وخاصة في عملية طوفان الأقصى الأخيرة.
ويمكن القول إن دور المرأة الفلسطينية في دعم "طوفان الأقصى" كبير على مستويين مهمين:
المستوى الأول: دور المرأة في إعداد القوى الفلسطينية
ودور المرأة الفلسطينية في المرحلة الأولى للمقاومة هو إعداد القوات وتنفيذ عمليات المقاومة، لم يعد هناك أدنى شك في أن عملية إعداد كوادر المقاومة لا تقتصر على الجانب العسكري من حيث التدريب على استخدام السلاح أو المشاركة في المناورات أو حتى اكتساب القدرات الأمنية، بل قبل الإعداد العسكري للقوات، يجب تحديد استعداداتها العسكرية، إن الإعداد العقلي والنفسي مهم جداً، وكان المرأة الفلسطينية هي المساهمة الأكبر في هذا الدور التربوي والنفسي للقوى الفلسطينية.، صحيح أن معظم أفراد المقاومة هم من الشباب الذين لا تزيد أعمارهم على الثلاثين عاما، لكن وفي الوقت نفسه، فإن معظم هؤلاء الشباب نشؤوا تحت إشراف أمهات أعدتهم لعمليات المقاومة، شهدنا خلال العقود الماضية مؤتمرات واتفاقيات المصالحة مع تل أبيب تحت عنوان قمتي مدريد (1991) وأوسلو، ومعظم الشباب الذين يقومون بعمليات المقاومة ولدوا بعد مؤتمرات السلام والمصالحة مع تل أبيب، لأن تربيتهم كانت في المنزل، تحت إشراف أمهات ميالين لعمليات المقاومة، والحقيقة أن الجيل الجديد من الفلسطينيين لم يتدرب على الخضوع والقبول بالوضع القائم، وقد علمت الأمهات أطفالهم منذ الصغر الصمود والمقاومة وحب الوطن والاستعداد للتضحية، هذه كلها سلوكيات ومفاهيم رسختها الأمهات الفلسطينيات في نفوس هؤلاء الأطفال، وينضم هؤلاء الأطفال إلى جماعات المقاومة بمجرد وصولهم إلى سن مبكرة.
المستوى الثاني: دور المرأة الفلسطينية بعد العملية
وعلى المستوى الثاني، يرتبط دور المرأة الفلسطينية في المقاومة الفلسطينية بتبعات ما بعد العمليات، ويرتبط دور المرأة التي تعيش في غزة في هذه المرحلة بالقدرة على الصمود والمثابرة بعد استشهاد الشباب الفلسطيني، ومن الناحية الإيمانية، فمن النادر أن تجد امرأة فلسطينية يائسة أو تتجنب المقاومة بعد استشهاد طفلها، وهناك العديد من الصور والفيديوهات التي تبين أنه بمجرد علم المرأة الفلسطينية باستشهاد طفلها أو زوجها أو أخيها أو والدها أو أحد أقاربها فإنها تؤكد رضاها عن أمر الله عز وجل وتظهر صمودها أمام ذلك، كي لا يؤثر ذلك على أعمال المقاومة الاخرى.
الدور المميز للمرأة الفلسطينية في "طوفان الأقصى"
وبشكل عام، فإن تضحيات نساء غزة بعد عملية طوفان الأقصى ليست قضية يمكن تجاهلها، ومن بين سكان مدينة غزة البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة، 49% منهم من النساء، وأغلبهم ما زلن شابات ولديهن أطفال.
وقال المتحدث باسم "ألوية بيت المقدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، إن المحتلين "الإسرائيليين" لم يتمكنوا من مقاومة المقاومة، وصبوا جام غضبهم على النساء والأطفال، وحسب الإحصائيات الرسمية فإن أكثر من 70% من ضحايا الهجمات الصهيونية في غزة هم من النساء والأطفال، كما أدت هجمات الكيان الصهيوني إلى زيادة عدد الأرامل في قطاع غزة، وحسب بعض التقديرات فإن قصف غزة تسبب في زيادة أكثر من ألفي أرملة في غزة.
كما أن مأساة النساء الحوامل في غزة هي فضيحة وصلت إلى أيدي المحتلين الصهاينة، وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أنه بسبب حصار غزة وندرة المعدات الطبية، توفي العشرات من النساء الحوامل في غزة أثناء إجراء عمليات جراحية دون تخدير لولادة أطفالهن، ويبدو أن قصص النساء الحوامل تشكل واحدة من أفظع العناوين الرئيسية لمأساة غزة، حيث يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان عدد النساء الحوامل بما يزيد على 50 ألف امرأة.
وكان الهدف المباشر لعملية الكيان الصهيوني في قطاع غزة هو سكان القطاع وعائلاتهم، بما في ذلك النساء، إن تدمير وكسر روح المرأة الغزية يمكن أن يؤدي إلى الهدف النهائي للغزاة وهو التهجير القسري لسكان قطاع غزة، لكن جميع سكان هذه المنطقة، وخاصة النساء، أظهروا دوراً فريداً في الحفاظ على حياتهم، ورغم فقدان أحبائهم، إلا أنهم رفضوا مغادرة وطنهم الأم، إن الحضور الجريء للنساء إلى جانب الرجال وإدارتهن وسيطرتهن الفعالة في المشاهد الحزينة للتفجيرات وانهيار المباني كان نموذجيا، وخرج الوضع ضد إرادة الكيان الصهيوني لترهيب الأسر الفلسطينية، وبقيت النساء مع النساء تحت قصف غزة، وعلى الرغم من القصف العنيف الذي تعرضت له غزة بالقنابل متعددة الأطنان من قبل الولايات المتحدة، لم ترد أي أخبار تشير إلى أن الأهالي، بما في ذلك النساء، ألقوا اللوم على قوة المقاومة أو اعتبروا حماس سبب استشهادهم، بل على العكس من ذلك، وهذا يدل على معتقدات النساء والأسر الفلسطينية في غزة بالإيمان الراسخ والثقة في النفس، وأن أهل غزة لم يتعبوا ولم ينكسروا نفسيا، وكان الصهاينة ينتظرون خروج أهل غزة منها من خلال الضغط على حماس لإنهاء الحرب، وحتى وكالات الأنباء الأجنبية، التي تتبع بشكل عام خط الكيان الصهيوني، لم تنشر أي إشارة إلى أن المرأة الفلسطينية سئمت من حماس والمقاومة في أرضها.