الوقت- بالأمس، أعلن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عن قرار "سيادي" يُعد استجابة فورية للضغوط الشديدة المتزايدة في البلاد، يتعلق القرار بإلغاء توقيع الأردن على الاتفاقية الإماراتية المتعلقة بتبادل خدمات توريد الكهرباء والمياه بين الأردن و"إسرائيل"، والتي أثير حولها نقاشات مكثفة في البرلمان، إضافة إلى التظاهرات والاحتجاجات، وهذه الخطوة تُظهر استعدادًا غير مسبوق للأردن للتخلي عن جوانب "التطبيع الاقتصادي" مع "إسرائيل"، وتأتي رسالة واضحة بشأن تلبية الحكومة لتطلعات ومطالب الشارع الأردني، يعتبر الإعلان عن هذا القرار خطوة استراتيجية تهدف الأردن من خلالها إلى تعزيز تضامنه مع الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه، يتطلع إلى أن يكون له تأثير قوي كوسيلة للضغط على الإدارة الأمريكية للتدخل من أجل وقف العدوان على قطاع غزة.
عمان تُهدد تل أبيب
لاحظ المراقبون أن القرار الأردني تم إصداره فور توقف السلطات عن تصدير العديد من المنتجات عبر ميناء حيفا الإسرائيلي بصمت، دون إعلان رسمي، بما في ذلك الصادرات الموجهة إلى السوق الأمريكية، التي تقرر إعادة توجيهها عبر ميناء العقبة والموانئ المصرية إلى أوروبا وأمريكا، وفي الوقت نفسه، تم خفض واردات الغاز من "إسرائيل" بنسبة 50%، وذلك لأسباب أمنية، وفي هذا السياق، بدأت الجهات المختصة عملية البحث عن "بديل للغاز الإسرائيلي" من الأسواق الدولية، يتزامن هذا الإجراء مع القرار الحكومي السابق بإلغاء توقيع الأردن على الاتفاقية الإماراتية لتبادل خدمات توريد الكهرباء والمياه، ما يظهر الاستجابة الفعالة لتطورات الأوضاع.
وفي مساء الخميس، أعلن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، أن الأردن لن يوقع اتفاقية لتبادل الطاقة مقابل المياه مع "إسرائيل"، وذلك في سياق الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول، وخلال مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية، أكد الصفدي قرار الأردن بعدم التوقيع على هذه الاتفاقية، مشيرًا إلى أنه لا يمكن تصور وجود وزير أردني يجلس إلى جانب وزير إسرائيلي لتوقيع اتفاقية في ظل الهجمات التي تستهدف الأهالي في غزة.
وفي إطار نقاشات الصفدي العلنية، كانت المُفاجأة الأبرز في وصفه لـ "اتفاقية وادي عربه للسلام مع إسرائيل"، أشار إلى أن هذه الاتفاقية، في ظل جرائم "إسرائيل"الحالية، ستظل وثيقة مُغطاة بالغبار، تنسى في أحد المستودعات، وأوضح وزير الخارجية الأردني أنهم، كشعب يحترمونه وكدولة أردنية، وقعوا على هذه الاتفاقية في 1994 كجزء من جهود عربية مشتركة لتحقيق سلام شامل على أساس حل الدولتين، ولكن، على الرغم من ذلك، لم يتحقق هذا الهدف، وأشار إلى أن "إسرائيل"في الوقت الحالي تستعيد السيطرة على قطاع غزة وتتنكر في التزاماتها، وفي هذا السياق، أوضح أن الاتفاقية ستظل وثيقة متروكة على رف في مستودع، في ظل التحولات الراهنة وتصاعد التوترات.
والوضع الحالي حسب الصفدي أصبح مأساة لا يمكن وصفها، وخاصة عند التعليق على الأحداث الجارية في قطاع غزة، وأضاف إن "إسرائيل تتجاهل بلا اكتراث كل القرارات الشرعية الدولية وتنخرط في سلوك يعبر عن الانتقام والوحشية، وما تقوم به لا يمكن تبريره باعتباره دفاعًا عن النفس، بل يُعتبر جرائم حرب"، وقد أكد الصفدي مرة أخرى على وحشية تصرفات "إسرائيل"، داعيًا العالم إلى التنبه إلى هذا التصعيد، وفي إشارة إلى احتمال اتخاذ الأردن إجراءات جادة في سياق الانسحاب من بعض جوانب "التطبيع الاقتصادي" مع "إسرائيل"، أثار تناول الصفدي بلهجة ساخرة لوصف اتفاقية وادي عربه انتباه المراقبين السياسيين، وربما يلمح إلى تحضير الأردن لخطوات فعلية في هذا الاتجاه.
والصفدي ألقى الضوء مرارا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتأثيراته، مشيرًا إلى أن الحصار الإسرائيلي على القطاع، الذي يشهد زيادة في الكثافة السكانية، لا يُبرر بوصفه دفاعًا عن النفس كما تزعم "إسرائيل"، وأوضح أن القصف الإسرائيلي يستهدف بلا تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، مع تسلله إلى المناطق الآمنة واستهداف سيارات الإسعاف، ومن ناحية أخرى، أعربت وزارة الخارجية الإسرائيلية سابقاً عن أسفها للتصريحات التحريضية من قادة الأردن، مُؤكدة أهمية العلاقات الاستراتيجية مع عمان.
تبدل السياسة الأردنيّة
منذ الحرب على قطاع غزة وارتكاب الإسرائيليين مجازر جماعيّة بحق الأبرياء وصلت لحدود 12 ألف ضحية، أفاد دبلوماسيون مطلعون على السياسة الأردنية بأن الأردن قد قام بتراجع في علاقاته الاقتصادية والأمنية والسياسية مع "إسرائيل"، وأشاروا إلى دراسة المزيد من الخطوات لتنفيذ معاهدة السلام إذا استمرت التصعيدات وتفاقمت الأوضاع في غزة، كما أنّ الأحداث الجارية في ساحة الصراع بين "إسرائيل" وحماس تثير مخاوف قديمة في الأردن، الذي يستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين الفلسطينيين، يشعر الأردن بالقلق من احتمال أن تستغل "إسرائيل" الفرصة لقتل وطرد الفلسطينيين جماعيًا من الضفة الغربية، وخاصة مع زيادة الهجمات من قبل المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين منذ الهجوم الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر.
ومع تزايد هذه المخاوف، زاد التوتر بين حكومة "إسرائيل"، التي تتبنى التوجه القومي الديني وتُعَدُّ الحكومة الأكثر يمينًا على الإطلاق، وعمان، وقد بدأ بعض المتشددين بتبني مبدأٍ يُفتِي بأن "الأردن هو فلسطين"، أعرب الملك عبد الله عن هذه المخاوف وحذر من احتمال وقوع أعمال عنف واسعة النطاق في الضفة الغربية والقدس الشرقية إذا لم يتم كبح هجمات المستوطنين اليهود ضد المدنيين الفلسطينيين، وأوضح وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن أي محاولة لنقل الفلسطينيين إلى الأردن، الذي له حدود مشتركة مع الضفة الغربية، تُعتَبَر خطًا أحمر وتمثل تصعيدًا يمكن أن يصل إلى حدّ الإعلان عن الحرب.
ومع حديث الأردنيين أن الأردن سيقف في وجه أي محاولة من "إسرائيل" لطرد الفلسطينيين بهدف تغيير الجغرافيا والتركيبة السكانية، أشارت مصادر أمنية إلى زيادة تواجد الجيش الأردني على طول الحدود، حيث تمت مناقشة هذه المخاوف بشكل رئيسي خلال المحادثات مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ويُؤكد الوضع على تعبير الأردن عن تخوفه من تعقيدات الوضع الحالي في المنطقة وعدم وجود مؤشرات إيجابية تشجع على تحقيق الاستقرار والسلام حالياً، ويُشير التقرير إلى جهود الأردن في محاولة إقناع الأطراف الدولية بوقف إطلاق النار والمشاركة في الجهود لتحقيق الاستقرار، ولكن حتى الآن لم تحقق هذه المحاولات نجاحًا.
ويسعى الأردن جاهدًا إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة والمساهمة في إيجاد حلول للأزمة الحالية، كما يبرز التقرير جهود الأردن للتواصل مع الأطراف المعنية والمساهمة في جهود وقف النزاع وتحقيق الهدوء، ويركز على المخاوف الأردنية بشأن تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وعدم وجود مؤشرات للتوصل إلى وقف إطلاق نار، كما يعالج قلق الأردن من أن النازحين من غزة قد يتجهون إلى الجهة الغربية، ما يثير مخاوف بالنسبة للأردن، حتى الآن، لا تظهر مؤشرات على وجود مبادرات دولية أو إنسانية لوقف النزاع أو التخفيف من الحدة في المنطقة.
ويعيش الأردن حالة من التوتر والقلق إزاء تطورات الأزمة في غزة والتأثير المحتمل على أمانه واستقراره، الأمور تبدو غير واضحة بشكل كامل، ما يثير الترقب من قبل الأردن وعدم اليقين حول مستقبل الأزمة، وتشير التقديرات إلى أن الوضع قد يزداد سوءًا بشكل تدريجي، ما يشجع الأردن على توجيه اهتمامه ومساهماته في الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل للأزمة وإيقاف شلال الدم بحق الفلسطينيين.
وفي ظل الهجمة الإسرائيلية على غزة، يظهر الموقف الحكوميّ مراعيّاً للموقف الشعبي الأردني المشرف، حيث يتضامن الشعب الأردني بشكل كبير مع الشعب الفلسطيني وقضيته، و يعزى هذا الدعم إلى العوامل التاريخية والثقافية التي ترتبط بعمق بين الأردن وفلسطين، يتمثل التفاعل التاريخي والثقافي بين الشعبين في العلاقات الوطيدة التي تمتد لعقود عديدة، ولجأ العديد من الفلسطينيين إلى الأردن خلال صراع فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تعايش ثقافي واقتصادي كبير بين الشعبين.
ويجب أيضًا الإشارة إلى دور الأردن في تقديم الدعم الإنساني والاقتصادي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يشمل هذا الدعم توفير المساعدات الغذائية والطبية والتعليمية والإنشائية، الأردن يقدم هذا الدعم كجزء من جهوده في مساعدة الفلسطينيين وتخفيف معاناتهم في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها بسبب الصراع والحصار الإسرائيلي،
وبالإضافة إلى العوامل المذكورة أعلاه، هناك عدة عوامل تزيد من الدعم الأردني للشعب الفلسطيني وقضيته، منها الوصاية الهاشمية والتي ضمنت اتفاقيات وصايا الهاشميين مع الفلسطينيين دعمًا قويًا من الأردن لقضية فلسطين والمسجد الأقصى، يرتبط هذا بالالتزام التاريخي من قبل العائلة المالكة الهاشمية بحماية الأماكن المقدسة في القدس، وتتبنى الحكومة الأردنية تقريبًا دائمًا مواقف سياسية داعمة للشعب الفلسطيني ولحقوقهم الوطنية، تشمل هذه المواقف دعم حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، مع دور المنظمات الأردنية والنشطاء الاجتماعيين في تنظيم الفعاليات والحملات التضامنية مع الشعب الفلسطيني ما يلعب دورًا مهمًا، يزيد هذا من وعي الجمهور ويعزز الدعم.
في الختام، تعكس العلاقة الوثيقة بين الأردن وفلسطين مدى التضامن والدعم القوي من قبل الشعب الأردني للشعب الفلسطيني ولقضيتهم الوطنية والمسجد الأقصى، تظهر القيم والروابط التاريخية والثقافية والإنسانية هذا التعاون والدعم في سياق القضية الفلسطينية، يمتد هذا التضامن إلى مجموعة متنوعة من المجالات والأسباب، بما في ذلك الروابط الشخصية والصداقات والتعايش اليومي بين الشعبين، وبالتالي، تظهر حكومة الأردن التزامها تجاه القضية الفلسطينية وتسعى إلى دعم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية للشعب الفلسطيني الذي يباد بوحشية من قبل الطيران الإسرائيلي.