الوقت- "لن يُسكتني أحد" هذا ما قالته النائبة الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس الأمريكي، رشيدة طليب التي أكدت أنها لن تتوقف عن دعم الحقوق الفلسطينية والتحدث عن العدل والسلام، وفي تقرير طويل نشرته صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية، والذي أعده روبرت تيت ولورين غامبينو حول النائبة التي تعرضت للإهانة في الكونغرس الأمريكي الأسبوع الماضي، أشار إلى أن طليب واجهت لومًا وتعنيفًا من الكونغرس بسبب تعليقاتها حول الوضع في غزة، حيث دخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي وسط غزة، وشهدت تصاعدًا في أعداد الضحايا المدنيين، ودافعت النائبة طليب، حاملةً صورة "جدتها"، جدتها التي تقيم في الضفة الغربية المحتلة، عن موقفها معلنة: "لن أسكت"، و"لن أسمح لكم بتشويه كلماتي"، وقالت: "لا أصدق أنّ عليّ قول هذا، لكن الفلسطينيين ليسوا شيئاً مستهلكاً".
مواقف صارمة تجاه الإجرام الإسرائيلي
النائبة طليب، العضو رقم 26 الذي تم اتخاذ قرارات ضده في تاريخ مجلس النواب منذ تأسيسه في عام 1789، وفي ذلك السياق، كانت تتحدث بصوت مهدج، حيث وصلت النائبة إلهان عمر من مينسوتا لتخفيف الضغط عنها وإظهار التضامن بين المسلمتين في قاعة الكونغرس، وأكدت طليب: "صرخات الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين ليست مختلفة بالنسبة لي"، وفي وقت متأخر من تلك الليلة، انضم 22 نائبًا ديمقراطيًا إلى صفوف الجمهوريين في محاولة لعقوبة طليب، وكانت هذه الخطوة عبارة عن إجراء أقل من خطوة الطرد.
وعندما دقت المطرقة على الطاولة، قام أقرب حلفاء طليب من الطيف التقدمي، الذين يتمتعون جميعهم ببشرة ملونة، بتشكيل دائرة حولها كما لو كانوا يقيمون حاجز حماية، كان هذا المشهد تجسيدًا للالتزام القوي والاحترام الذي تحظى به طليب، والتي تعتبر واحدة من بين 14 شخصًا وُلدوا لوالدين هاجرا إلى الولايات المتحدة، وكان لديها دعم كبير من بين أصدقائها وحلفائها والفريق المساعد، وحتى من قبل مؤيدين في دائرتها الانتخابية في ولاية ميتشغان، ومع ذلك، يكشف هذا التصعيد عن مشاعر عاطفية قوية بين نقاد الديمقراطية تجاه النائبة البالغة من العمر 47 عامًا في ميتشغان، وذلك على الأقل منذ هجوم "حماس" الذي وقع الشهر الماضي.
وقدم النائب الجمهوري عن جورجيا، ريتش ماككورميك، قرارًا بالتعنيف ضد طليب، اتهمها فيه بالترويج "لسرديات خاطئة فيما يتعلق بالهجمات التي نفذتها 'حماس' في السابع من أكتوبر، والدعوة إلى تدمير دولة إسرائيل"، جعل هذا القرار من النائبة طليب العضو رقم 26 الذي تم اتخاذ قرارات ضده في تاريخ مجلس النواب منذ تأسيسه في عام 1789، واتخذ القرار يوم الثلاثاء بعد أن نجت النائبة طليب من مشروع مماثل، وذلك نتيجة لاستمرارها في التمسك بشعار "من النهر إلى البحر، فلسطين حرة"، وفي فيديو نشرته على منصات التواصل الاجتماعي، اتهمت طليب الرئيس جو بايدن بدعم "الإبادة"، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، على الرغم من الأذى الذي لحق بالنائبة المعروفة بجهودها الحثيثة والضمير الحي الذي تتحدث به نيابة عن الناخبين الذين تمثلهم، أشارت إلى عدم تراجعها، ما يعكس العزم الذي وصفه بايدن نفسه عندما التقى بها قبل عامين على مدرج المطار في ديترويت، ووصفها بأنها "محاربة".
وقال عباس عليوة، الإستراتيجي الديمقراطي البارز الذي شغل سابقًا منصب مدير أعمال المشرعة: "لن يردعها قرار اللوم الذي أقره مجلس النواب، ولا أصدق أي عظمة في جسدي هذا"، أضاف قائلاً: "رشيدة هي شخص بمهمة، وهي تحمى بقوة الناس الذين تحب، ولن يوقفها أي شيء، السؤال الآن هو ما إذا كان أفراد عائلتها سيظلون على قيد الحياة، وهذه مسألة حياة أو موت ترتبط مباشرة بها"، وقال عليوة إن التفاني والتكريس قد حصّناها من الانتهاكات الشخصية الصادمة التي يتعرض لها السياسيون الآخرون، وذكر التزايد في المكالمات التي تصل إلى هاتفها ومكتبها، والهجمات اللفظية التي توجه لها، وخاصة بعد انتقاد آرائها من قبل "فوكس نيوز" وغيرها من القنوات المتطرفة، وقال: "عندما بدأت العمل معها، لم أصدق كمية المكالمات التي لا تنقطع، لا يمكنك تصور الكلمات الحقيرة وغير المقبولة التي تجتمع في تلك الجمل، إنها جمل حاملة للتمييز الجنسي والعرقي والإسلاموفوبيا، بل هي عبارة عن مجموعة من الإساءات المتراكمة".
وظلت النائبة طليب، التي وُلد والدها في بيت حنينا قرب القدس، هي الهدف الرئيسي لدعم قوى إسرائيلية قوية ادعت أن آراءها وخطابها معاداة للسامية، بعد الهجمات التي تعرضت لها في الشهر الماضي، أثارت بياناتها الأولية انتقادات من الجمهوريين والديمقراطيين، ففي هذه البيانات، عبرت عن حزنها لفقدان أرواح الفلسطينيين والإسرائيليين، ورغم ذلك لم تشر إلى "حماس"، على الرغم من ذلك، دعت إلى "إنهاء الاحتلال وتفكيك نظام الفصل العنصري"، وأثارت النائبة جدلاً عندما كانت واحدة من تسعة ديمقراطيين صوتوا ضد قرار في مجلس النواب، الذي عبر فيه أعضاء الكونغرس عن التضامن مع "إسرائيل" بعد هجمات "حماس"، انقسم القرار بتصويت 412 صوتاً مقابل 10 أصوات.
سياسة أمريكية فاشلة
عبرت النائبة طليب عن معارضتها للقرار في خطابها في الـ 25 من تشرين الأول/أكتوبر، حيث قالت إن القرار "لا يقدم فحصاً جاداً لجذور العنف الذي نراه، ويؤكد على سياسة فاشلة مضت عقودًا"، وأضافت إن الدعم العسكري غير المشروط قد فشل في تحقيق السلام في المنطقة، وأكدت أن تحقيق سلام دائم وعادل يتطلب منح الفلسطينيين والإسرائيليين نفس الحقوق المتساوية، ويحتاج إلى وقف الحصار والاحتلال ونظام نزع الإنسانية والتمييز العنصري، واتهم نقاد النائبة طليب باستخدام شعار "من النهر إلى البحر"، حيث قدمت طليب وحلفاؤها هذا الشعار كـ"دعوة ملهمة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش القوي"، بينما اعتبر النقاد أن هذا الشعار يؤيد "حماس" ويدعو إلى محو "إسرائيل"، وأكد النائب الديمقراطي عن إلينوي، براد شنايدر، أن طليب تبنت الشعار ورفضت حذف تغريدة انتقدت فيها الكيان بسبب تفجير المستشفى العربي المعمداني، على الرغم من مزاعم نفي تل أبيب وتقييم المخابرات الأمريكية أن الانفجار كان نتيجة صاروخ أُطلق خطأ، وأسفر عن مقتل مئات الأشخاص الذين احتموا في الساحة.
وقال شنايدر: "أصرت النائبة طليب على استخدام لغة نارية تضخم وبخطورة دعاية حماس وتضليلها"، وأضاف: "تعرف النائبة طليب أهمية وأثر كلماتها، ولكنها تصر على اختيارها، ونحن نواجه مرحلة خطيرة والنوايا والمشاعر فيها على حد السكين"، وحتى السيناتور بيرني ساندرز، الذي انتقد "إسرائيل" بشدة في السابق ولم يؤيد وقف إطلاق النار، انتقد استخدام النائبة طليب لشعار "من النهر إلى البحر"، قال ساندرز إن طليب، على االرغم من أنها "صديقة" تعبر عن صدمتها من الدماء في غزة، يجب أن نناقش بجدية كيفية الخروج من هذا الوضع الصعب والحفاظ على الديمقراطية وتحقيق السلام.
وقال النائب عن نيويورك، جمال بومان، الذي دعم وقف إطلاق النار في غزة، إن التركيز على الشعار هو "حرف للأنظار"، ووصف طليب بأنها "واحدة من الأقوياء والعاطفيين الذين عرفهم"، وأوضح: "تدعو النائبة طليب للسلام والعدالة وحقوق الإنسان"، وأضاف: "من الخطأ والتضليل التلميح بأنها تريد الدعوة للتدمير أو العنف، وهي لا تدعم 'حماس'، وعلينا عمل كل ما بوسعنا لوقف العنف ضد المدنيين".
أيضا، طلب المحافظون من النائبة طليب إزالة العلم الفلسطيني، حيث اعتبروا أن ذلك يعبر عن عدم الاحترام في أعقاب هجوم "حماس"، ودعا نائب جمهوري لمنع عرض الأعلام الأجنبية في الكونغرس، بينما ارتدى النائب عن فلوريدا، بريان ماست، زيًا عسكريًا من وقت خدمته بالجيش الإسرائيلي، وكتب على تويتر: "قامت طليب بعلمها وحصلت على الزي العسكري"، وفيما بعد، قال ماست: "هناك عدد قليل من الضحايا الفلسطينيين الأبرياء، ولا أعتقد أننا سنطلق باستخفاف المصطلح على الضحايا المدنيين الأبرياء النازيين"، واعتبر بعض الديمقراطيين أن هذه التعليقات تستحق قرار التعنيف واللوم.
وصراحة النائبة طليب جعلتها هدفاً للجماعات المؤيدة للاحتلال، وقررت مجموعة "جي ستريت" الليبرالية سحب مصادقتها على حملتها عام 2018 بسبب دعمها لحل الدولة الواحدة، الذي يختلف عن موقف المجموعة المؤيدة لحل الدولتين، وفي خطاب ألقته عام 2021 في قاعة مجلس النواب، عارضت طليب مشروع قرار لإرسال مليار دولار لتمويل نظام القبة الحديدية، وأشارت إلى أن الحكومة الإسرائيلية تدير نظام "أبارتهايد"، وهو وصف أثار غضب الداعمين القدماء للكيان في صفوف الديمقراطيين، وصوّتت النائبة طليب، التي طالبت باشتراط الدعم للكيان مع ثمانية نواب، ضد القرار، ولدى طليب داعمون يهود قاموا بتنظيم مظاهرات في واشنطن وطلبوا وقف إطلاق النار.
وقالت بيث ميلر، المديرة السياسية لمنظمة "صوت يهودي من أجل السلام": "النائبة طليب شخصية رائعة حقاً، وواحدة من النواب في الكونغرس الذين يهتمون بالناس"، وأضافت: "لديها دفء وحب وتجعل الجميع يشعرون بأنهم مرحب بهم وبأمان، وهذا مهم لأننا نرى هذه الحملة الرهيبة من التشويه التي تحوّلها ضد ما تمثله، وهي الشخص الذي يهتم بالإسرائيليين الذين قتلوا، وكذلك الفلسطينيين الذين قتلوا، ونحن فخورون بها كحليف في هذا".
حتى إيفا بوغوردت، المتحدثة باسم منظمة "إن لم يكن الآن" والتي تعاونت مع "الصوت اليهودي من أجل السلام"، ترى أن طليب هي ضحية حملة تشويه وعنصرية ضد الفلسطينيين، يقوم بها الساسة الجمهوريون الذين يرون فيها تهديدًا لرؤيتهم حول مستقبل أمريكا كبلد لدعاة التفوق العنصري، وقالت: "كيهودية وأمريكية، أشعر بالرعب من تداعيات الاستهداف المستمر لطليب، لأن سلامة اليهود والفلسطينيين مرتبطة معًا"، وأضافت إنها لا تستطيع أن تتخيل ما واجهته، وقال داوود وليد، مدير فرع مجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية في ميتشغان، إن طليب كأول نائبة فلسطينية أمريكية تحمل عبئاً كبيراً، حيث تواجه سياسة أمريكا تجاه "إسرائيل".
ومع ذلك، فإن طليب لا تتصرف بمفردها، في ديربورن، حيث تعيش أكبر جالية عربية أمريكية، يكون الدفاع عن الحقوق والعدالة الفلسطينية شخصيًا للمجتمع المحلي، وقال: "للناس في المنطقة، هذا ليس له علاقة بالسياسة الخارجية"، مشيرًا إلى أن هؤلاء الأفراد يتأثرون مباشرة بالاحتلال والهجمات على المدنيين، ورغم الدعم الذي تلقته في منطقتها، إلا أن أعداء النائبة يأملون في أن يؤدي موقفها الناقد من الحرب إلى تحد لها من وسط الحزب، وذلك إضافة إلى التحديات التي تواجهها من جهات "إسرائيل"، وفي ديترويت، توجد حملة إعلانات قوية من أنصار الكيان تستعرض مواقفها السابقة برفض تمويل القبة الحديدية، ورفضها للتضامن مع تل أبيب في الشهر الماضي، معتبرين أن دعوتها لوقف إطلاق النار "تسمح للإرهابيين بإعادة تجميع صفوفهم".