الوقت - إن الظروف الاقتصادية الكارثية في أفغانستان، واستمرار العقوبات الأمريكية ضد هذا البلد، دفعت قادة طالبان إلى استنتاج مفاده بأنه للتغلب على هذا الوضع، يجب عليهم توسيع العلاقات مع جيرانهم، وفي هذا الصدد، وصل الملا عبد الغني برادر، النائب الاقتصادي لحكومة طالبان، إلى طهران السبت الماضي على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى.
وحسب تقارير إعلامية، فإن هذا الوفد الكبير، الذي يتكون من 30 مسؤولاً من طالبان، سيناقش ويتشاور مع المسؤولين الإيرانيين بشأن العلاقات الثنائية والتجارة والعبور والنقل والبنية التحتية والسكك الحديدية، خلال زيارته إلى طهران.
كما أن التواصل الإقليمي وزيادة التجارة عبر ميناء تشابهار، وتوسيع مشاركة أفغانستان في هذا الميناء ومناقشة تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، من بين المواضيع الأخرى للمناقشة في هذه الرحلة، وإضافة إلى طهران، من المتوقع أن يسافر الوفد الاقتصادي لطالبان إلى بعض المحافظات الأخرى في إيران، ويلتقي ببعض مسؤولي المقاطعات وأعضاء الغرف التجارية.
وفي هذا الصدد، قال محمود سيادت، رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم في إيران وأفغانستان: "خلال رحلة وفد طالبان إلى إيران، يدرسون حزمةً اقتصاديةً خاصةً سيتم تقديمها وفقاً لشروط الحكومة الأفغانية المؤقتة".
حتى الآن، لم تتسرب التفاصيل التفصيلية والكاملة لهذه الحزمة الاقتصادية، التي من المحتمل أن يقترحها وفد طالبان، لكن وكالة أنباء الصوت الأفغاني(آوا) كتبت نقلاً عن بعض المصادر، أن الملا برادر سيدعو الحكومة والقطاع الخاص الإيراني للاستثمار في قطاعات الزراعة والتعدين والنقل والصناعة في أفغانستان.
كما صرح مصدر في وزارة الخارجية الأفغانية لوكالة آوا للأنباء حول تفاصيل هذه الرحلة، أنه حسب التوقعات، سيتم في هذه الرحلة تبادل وجهات النظر حول القضايا الاقتصادية، والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والقضايا المتعلقة بالمهاجرين، إضافة إلى القضايا المتعلقة بالمنطقة والعالم.
وحسب هذا المصدر، فإن "رحلة عبد الغني برادر تظهر العلاقات الطيبة بين البلدين أفغانستان وإيران، ويمكن تحقيق إنجازات مهمة من هذه الرحلة، والتي لها أهمية كبيرة من الناحية السياسية والاقتصادية، وعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون هذه الرحلة فعالةً ومفيدةً من أجل خلق منصة مناسبة لرجال الأعمال الإيرانيين للاستثمار في أفغانستان".
وقال ميثم مهدي بور، النائب الإعلامي للسفير الإيراني لدى أفغانستان: إن "الهدف من زيارة الملا برادر والوفد المرافق له، هو الاجتماع والتشاور مع المسؤولين الاقتصاديين الإيرانيين من أجل تحسين مستوى التعاون التجاري والاقتصادي، وتطوير العلاقات الثنائية ودراسة المزيد من التعاون في مجال التجارة والعبور والاستثمار والتعاون الجمركي والمعاملات المالية".
في العامين الماضيين، زار مسؤولون سياسيون واقتصاديون من طالبان طهران عدة مرات، وناقشوا التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ورغم أن إيران، كغيرها من الدول، لم تعترف بعد بحكومة طالبان، إلا أنها سلمت السفارة الأفغانية إلى حكومة طالبان المؤقتة، والعلاقات التجارية بين البلدين الجارين تسير على طريق النمو والتطور، وحسب الإحصائيات تصل حصة إيران من السوق الأفغانية إلى 35%.
إضافة إلى ذلك، أرسلت إيران أيضًا مساعدات إنسانية إلى هذا البلد أثناء الكوارث الطبيعية في أفغانستان في عهد نظام طالبان، لحل بعض المشاكل الاقتصادية للأفغان.
تطوير التجارة على رأس الشؤون
يبدو من تصريحات الخبراء والمسؤولين في البلدين، فإن موضوع التجارة يأتي على رأس الخطط الثنائية.
وقال إسماعيل باقري الخبير في شؤون أفغانستان في حديث لـ"الوقت" حول أهداف زيارة وفد طالبان الاقتصادي إلى إيران: "الهدف من هذه الرحلة هو توسيع العلاقات في المجالات التجارية، بما في ذلك الزراعة والصناعة، إلى الخدمات والاستثمارات في المناجم الأفغانية، كما سيتم في هذه الرحلة مناقشة مسألة تعزيز شبكات السكك الحديدية والجمارك والأسواق الحدودية، ومن المفترض أيضًا أن يعقد مسؤولو طالبان اجتماعات مع أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي ومسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية".
وربط باقري وجود طالبان في طهران ببعض التطورات في المنطقة، وقال: تأتي رحلة هذا الوفد التجاري في وقت أعلنت فيه الحكومة الباكستانية الأسبوع الماضي خطة ترحيل المهاجرين الأفغان، وسبق أن أغلقت حدود تورخام وشامان، لقد فقدت الكثير من البضائع والفواكه التي كان من المفترض تصديرها من أفغانستان إلى باكستان، ودفعت هذه القضية حركة طالبان إلى إعادة النظر في علاقاتها مع إسلام آباد، وتطوير علاقاتها التجارية مع إيران.
وحسب باقري، "لقد أنشأت إيران أيضًا العديد من الحوافز للأفغان لاستخدام الجمارك الحدودية وحتى ميناء تشابهار، كما كان لممر الشمال-الجنوب" ومبادرة الحزام والطريق الصينية تأثير كبير في هذه العلاقات، وترى طالبان أن الطريقة الأكثر أمانًا والأكثر فعاليةً من حيث التكلفة لتعزيز التجارة الأفغانية هي استخدام ميناء تشابهار، وقد قدمت الجمهورية الإسلامية الكثير من المساعدة لأفغانستان في هذا الصدد لاستخدام هذه الطرق".
ومن الجدير بالذكر أنه في العام الماضي، تم إحراز الكثير من التقدم في تطوير خط السكة الحديد بين إيران وأفغانستان "خواف-هرات"، يبلغ طول خط سكة الحديد هذا 225 كيلومتراً، وقد تم تصميم تنفيذه على أربعة أقسام، القسم الأول والثاني يقعان في إيران، والقسم الثالث والرابع يقعان في أفغانستان.
وفي الختام، أكد باقري حول ما إذا كانت قضية المهاجرين الأفغان ستناقش أيضًا في هذه المحادثات: "من الممكن أيضًا مناقشة قضية المهاجرين الأفغان في مناقشات المجلس الاقتصادي، لكن عبد الغني برادر لا يملك القوة والسلطة اللازمة في هذا المجال، المواطنون الأفغان الذين ليس لديهم هوية ووثائق في إيران وهناك احتمال للتخريب من قبلهم، فتضطر طهران إلى إعادتهم إلى بلادهم، لكن بعض الأشخاص الذين جاؤوا للعمل وتم التعرف عليهم، لا يسببون أي مشاكل ويمكنهم البقاء في إيران".
يبدو أن حكومة طالبان المؤقتة أدركت مكانة إيران في التطورات التجارية للمنطقة والعالم، وتحاول توسيع تجارتها الخارجية من خلال لعب دور في ممرات الاتصال، وخاصةً عن طريق السكك الحديدية، والتمتع بفوائد العبور الإقليمي للبضائع.
إذا تم الانتهاء من خط سكة الحديد خواف-هرات، فسوف تتمكن القطارات الأفغانية من الوصول إلى شبكة السكك الحديدية الإيرانية، ويتم إرسال البضائع المصنوعة في أفغانستان إلى الأسواق العالمية بتكلفة أقل ومزيد من الأمان عبر خطوط السكك الحديدية بدلاً من الشاحنات.
إضافة إلى ذلك، سيتم ربط أفغانستان بموانئ الخليج الفارسي وبحر عمان وبحر قزوين والمحيط الهندي، ما يمكن أن يؤدي إلى الرخاء الاقتصادي في هذا البلد، ولن يؤدي خط سكة حديد خواف-هرات إلى تعزيز تجارة أفغانستان مع إيران فحسب، بل سيساعد أيضًا في تطوير تجارة كابول مع الدول الأخرى في المنطقة.
وفقاً للإحصاءات، فإن 40% من حجم واردات أفغانستان حالياً يتم عبر معبر دوقارون الحدودي في مدينة تايباد، ولذلك، فإن تشغيل خط سكة حديد خواف-هرات، سيقلل عدد 180 ألف شاحنة تنقل البضائع بين إيران وأفغانستان سنوياً عبر دوقارون بنسبة 50%، ولن يقتصر الأمر على تقليل تكلفة نقل البضائع فحسب، بل من المتوقع أيضًا أن يرتفع حجم التبادلات الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير.
لقد حلمت أفغانستان دائمًا بالوصول إلى المياه المفتوحة، لذلك مع إنشاء ممر الشمال-الجنوب، سيتم توفير هذه الفرصة للأفغان لتطوير تجارتهم من خلال ميناء تشابهار، لأن توسيع عمليات التبادل الترانزيتي بين إيران وأفغانستان، يكمل الطريق من الهند إلى آسيا الوسطى.
وبالنظر إلى أن أفغانستان لديها مئات الكيلومترات من الحدود المشتركة مع إيران، وتصدر معظم السلع إلى إيران بين الدول المجاورة، مع تنفيذ ممر الشمال-الجنوب، فإن هذه التبادلات سوف تتطور أكثر.