الوقت - اختار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي أمضى أيامًا مزدحمةً في الأشهر الأخيرة وقام بالعديد من البعثات الدبلوماسية إلى دول مختلفة، اليابان وجهة جديدة له هذه المرة لتعزيز علاقات إيران مع هذه القوة الشرقية.
حيث سافر أمير عبد اللهيان، الأحد الماضي، في ذكرى القصف النووي على هيروشيما وناجازاكي، إلى طوكيو على رأس وفد لمناقشة مختلف القضايا الثنائية والدولية مع كبار المسؤولين اليابانيين.
قال وزير خارجية اليابان يوشيماسا هاياشي، في الاجتماع بين وزيري خارجية البلدين، إن اليابان تعتزم مواصلة تعاونها مع إيران في مجالات مثل الطب والبيئة والحد من مخاطر الكوارث، وإجراء مناقشات صادقة مع هذا البلد، كما أكد أمير عبد اللهيان أن إيران مستعدة لمواصلة وتعزيز الحوار والتعاون مع اليابان.
وحسب البيان الصادر عن وزارة الخارجية اليابانية: "تبادل الوزيران وجهات النظر حول آخر التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، وذكر هاياشي أن اليابان دعمت دائمًا خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، وهي قلقة للغاية بشأن توسع أنشطة إيران النووية، وتطالب طهران باتخاذ إجراءات بناءة، بما في ذلك التعاون الكامل وغير المشروط على أساس البيان المشترك لإيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية".
كما أكد أمير عبد اللهيان أن إيران تسعى إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة من خلال المفاوضات، وأعرب عن تقديره للجهود الدبلوماسية اليابانية، وقال إن "إيران تسعى إلى مواصلة العلاقات الوثيقة مع اليابان في هذا الصدد".
کذلك، تبادل وزيرا خارجية إيران واليابان وجهات النظر حول الوضع في منطقة غرب آسيا، واتفقا على استمرار العلاقات الوثيقة بين البلدين، وكانت الحرب في أوكرانيا والمزاعم المتعلقة بدعم طهران العسكري لروسيا، من بين الموضوعات التي تمت مناقشتها في هذا الاجتماع، إذ أثار وزير خارجية اليابان موضوع تزويد القوات الروسية بطائرات مسيرة مسلحة، لكن أمير عبد اللهيان نفى مرةً أخرى هذه الاتهامات والمزاعم.
واستمرارًا لمحادثاته في طوكيو، تحدث وزير الخارجية الإيراني أيضاً مع فوميو كيشيدا، رئيس وزراء اليابان، وفي هذا الاجتماع، قيّم أمير عبد اللهيان المعرفة العالية لرئيس الوزراء الياباني بالعلاقات بين البلدين والتطورات في المنطقة، باعتبارها رصيداً قيماً لتعزيز العلاقات بين البلدين، كما أكد في هذا الاجتماع على دور إيران الرائد في تعزيز أمن الطاقة في منطقة الخليج الفارسي.
واعتبر وزير الخارجية الإيراني التطورات الجديدة في المنطقة بمثابة علامةً علی تعميق التعاون الإقليمي في اتجاه تعزيز الاستقرار والأمن والتنمية والازدهار الشامل، ورأی أن دور اليابان في دعم هذه العملية مهم جدًا.
من جهته وصف رئيس وزراء اليابان محادثاته العام الماضي مع الرئيس الإيراني، السيد إبراهيم رئيسي، بأنها مهمة، وشدد على أهمية العلاقات بين طهران وطوكيو، وأعرب كيشيدا عن ارتياحه للتطورات الإيجابية الجديدة في منطقة الخليج الفارسي، وأضاف إن "طوكيو تدعم التعاون الإقليمي من أجل تعزيز الأمن المستدام".
كما قال رئيس وزراء اليابان إن بلاده تؤيد إحياء المفاوضات بين إيران والأطراف الأخرى من أجل التنفيذ الكامل لالتزامات خطة العمل الشاملة المشتركة ومستعدة لمساعدتها، وترحب باستمرار التفاعلات الإيجابية بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران.
وفي شرح لأهداف زيارته إلى اليابان ونتائجها، كتب أمير عبد اللهيان على تويتر: "أجريت محادثات مفيدة في طوكيو مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الصحة والرعاية الاجتماعية في اليابان، وكانت آخر مستجدات العلاقات الثنائية، وقضايا أفغانستان والخليج الفارسي وأوكرانيا ورفع العقوبات، محور النقاش مع كبار المسؤولين اليابانيين، والعلاقات الودية بين البلدين لها تاريخ طويل".
الاقتصاد... القضية الرئيسية في العلاقات الإيرانية اليابانية
لطالما لعبت القضايا الاقتصادية دورًا رئيسيًا في علاقات إيران مع اليابان، وظلت العلاقات بين البلدين جيدةً نسبيًا على الرغم من التوتر بين طهران وواشنطن.
قبل تعليق واردات النفط الإيراني في عام 2019 بسبب العقوبات الأمريكية، اعتمدت اليابان على النفط الإيراني لسنوات، ووفقًا لبيانات وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية، فقد استورد هذا البلد 46.51 مليون برميل من النفط من إيران في عام 2018. لكن اليابان مثل دول أخرى رفضت شراء النفط الإيراني خوفاً من الإجراءات العقابية الأمريكية، ما أدى إلى وصول مستوى التعاون التجاري إلى أدنى مستوياته.
قبل انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، كان حجم التجارة بين إيران واليابان يتراوح بين 220 و 250 مليون دولار، لكن لأن معظم صادرات إيران إلى اليابان كانت شحنات نفطية، وفقًا لمسؤولي الحكومة الإيرانية الحالية، في عام 2022 كان مستوى العلاقات بين طهران وطوكيو حوالي 30 مليون دولار، وهو رقم صغير.
لكن الحكومة الإيرانية الحالية تظهر الآن من خلال المهمة الجديدة لأمير عبد اللهيان، أنها مصممة على العمل بغض النظر عن العقبات والقيود لإحياء العلاقات الاقتصادية مع هذا العملاق الصناعي في آسيا.
وفي هذا الصدد، قال بهرام شكوري رئيس لجنة التجارة المشتركة بين إيران واليابان: "في مجال تطوير التكنولوجيا، والنقل بالسكك الحديدية والبنية التحتية، وتصنيع السيارات، والسياحة والغاز، والعديد من الصناعات، من الممكن استخدام القدرات اليابانية، ومن ناحية أخرى، تنشط اليابان أيضًا في استيراد السجاد الإيراني والسجاد المصنوع آليًا والكافيار والزعفران والفستق، والعديد من الفواكه المجففة والجمبري والتمور الإيرانية، وحالياً الصادرات من إيران تتم بشكل غير رسمي، ولكن بطبيعة الحال مع رفع العقوبات سنشهد تحسناً في مستوى العلاقات مع اليابان".
قضية خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)
اتخذت اليابان، التي ترتبط علاقاتها مع إيران بقضية خطة العمل المشتركة الشاملة، تدابير لحل هذه القضية الدولية المهمة.
زار شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان السابق، طهران في يونيو 2019 وتحدث مع كبار المسؤولين الإيرانيين، وفي ذلك الوقت وصف العديد من المحللين هذه الرحلة بأنها وساطة بين طهران وواشنطن في خطة العمل الشاملة المشتركة.
بالنظر إلى أن اليابان كانت من مشتري النفط الإيراني وتحتاج إلى هذه الموارد لاقتصادها المتنامي، فإنها تحاول الاستمرار في شراء النفط من إيران مرةً أخرى باتفاق محتمل بين طهران وواشنطن ورفع العقوبات.
ولذلك، فإن زيارة أمير عبد اللهيان إلى طوكيو ليست منفصلةً عن مناقشة خطة العمل المشتركة الشاملة والعقوبات، لأن هذه الرحلة تتم في وقت وصلت فيه مفاوضات رفع العقوبات، بعد أشهر من المحادثات المكثفة في فيينا إلى مرحلة إذا قبلت فيها الولايات المتحدة، بصفتها طرفًا ينتهك خطة العمل الشاملة المشتركة، مطالب ومتطلبات إيران المعقولة، فسيتم التوصل إلى اتفاق دائم. لكن الطموحات المفرطة للبيت الأبيض على طاولة المفاوضات حالت دون التوصل إلى اتفاق نهائي، كما وقعت دول مثل اليابان ضحيةً لهذه الطموحات.
مواقف اليابان السياسية تتماشى مع أمريكا
بينما تعلن السلطات اليابانية دعمها لتعزيز العلاقات مع إيران والمساعدة في رفع العقوبات، فقد اتخذت في الوقت نفسه مواقف غير معقولة ضد إيران تعارض تعاون الجانبين.
ففي الوقت نفسه الذي كان فيه أمير عبد اللهيان في هذا البلد، أعربت اليابان في بيان عن قلقها بشأن تخصيب اليورانيوم في إيران، وإرسال طائرات دون طيار إلى روسيا، وتأتي هذه المواقف من اليابانيين، بينما تنفذ هذه الدولة الخطط التي تمليها الولايات المتحدة في سياساتها العالمية، ولا تتمتع باستقلال عملي في السياسة الخارجية.
بعض الحلفاء الأمريكيين في علاقاتهم مع إيران لا يخضعون بالكامل لسياسات واشنطن، ويلتزمون جانب الحذر وينظرون في تأمين مصالحهم الوطنية، حتى لا يطغى عداء طهران وواشنطن على كل شيء، لكن في انتقادها لطهران تفضل الحكومة اليابانية مصالح أمريكا على مصالحها الوطنية.
تتماشى اليابان أيضًا مع واشنطن في قضية خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تظهر أنها حريصة على حلها، لكنها منعت إيران أيضًا من مليارات الدولارات من عائدات النفط بحجة العقوبات.
اليابان، التي كانت دائمًا واحدةً من القوى الاقتصادية الخمس الكبرى في العالم في العقود القليلة الماضية، ولكن على الرغم من هذا المستوى من التطور والتقدم، لم تتمكن من الخروج من مظلة الحماية الأمريکية، وعلى الرغم من أنها الدولة الوحيدة في العالم التي ذاقت الطعم المر للقنبلة الذرية من حليفتها، إلا أنها لا تزال تنسق سياساتها مع البيت الأبيض.
وعلى الرغم من المطالبة الشعبية في اليابان لمحاكمة أمريكا على جريمة هيروشيما وناغازاكي عام 1945، إلا أن سلطات طوكيو لم تتخذ أي إجراء بهذا الشأن، وحتى الرؤساء الأمريكيون السابقون الذين زاروا طوكيو، لم يعربوا عن أسفهم على جريمة أمريکا قبل ثمانية عقود.
على الرغم من جرائم أمريكا ضد الشعب الياباني، استضافت حكومة هذا البلد عشرات الآلاف من القوات العسكرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وتتقوى هذه العلاقات الأمنية يومًا بعد يوم، وآخر مثال على ذلك كان التعاون الكامل مع أمريكا في حرب أوكرانيا، عندما قامت طوكيو بفرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا وإرسال مساعدات مالية لأوكرانيا، لخدمة أصدقائها الغربيين.
كما أن اتهام المسؤولين اليابانيين بإرسال طائرات إيرانية دون طيار إلى روسيا، هو نتيجة لارتباط هذا البلد بسياسات واشنطن العالمية، الأمر الذي لن يساعد في الجهود المبذولة لتحسين العلاقات بين طهران وطوكيو.