الوقت - أصدر برنامج الأمم المتحدة لمكافحة السيدا تقريراً في يوليوز2017، يفيد بأن المغرب حقق نتائج مهمة في التصدي للإيدز جعلته استثناء يقتدى به في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد أشارت تقديرات السنوات السابقة إلى أن انتشار فيروس نقص المناعة البشرية لا يزال متدنيا بين عموم السكان (0.1%).
قدمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، شكوى بشأن ملف تلقته، يدعي أنه تم “نشر دم ملوث بالإيدز انطلاقا من مركز تحاقن الدم بالدار البيضاء في عام 2019″، وزعمت الجمعية أن “وزير الصحة والحماية الاجتماعية كان على دراية بالموضوع وتم نقل الدم الملوث لسيدة دون علمها”.
وحصلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على ملف قضية “الدم الملوث” في منتصف شهر حزيران (يونيو) 2023، على الرغم من أن القضية تعود إلى منتصف عام 2019.
وذكرت تقارير مغربية، أن أحد الأشخاص تبرع بدمه في عام 2019 في أحد المراكز الطبية بالدار البيضاء، وأظهرت التحاليل أنه مصاب بفيروس الإيدز، ولكن حدث خطأ ما، تسبب في توزيع الدم على بعض المصحات، وتم حقنه لشخصين، وفقًا للاتهامات الموجهة.
وأفاد عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأن ما حدث أُبلغ عنه وزير الصحة في ذلك الوقت، وقام الوزير بإطلاق أمر لتأجيل التعامل مع الملف، وفق زعم غالي.
وقال غالي في منشور له على فيسبوك، “بعد 15 يوماً من وضع شكاية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخصوص الدم الملوث، إن هذا الملف يجب أن يذهب إلى أقصى مداه للوقوف على الحقيقة لأن صحة المغاربة ليست لعبة.
استدعت الشرطة القضائية بالعاصمة المغربية الرباط غالي، واستمعت إليه كمشتكٍ، وليس كمتهم في القضية، وكان التحقيق يتمحور حول ما ذكرته الجمعية في شكواها المتعلقة بالدم الملوث.
ورد هشام رحيل، رئيس ديوان وزير الصحة والحماية الاجتماعية على تصريحات عزيز غالي حول هذا الموضوع الخطير خلال حديثه في برنامج “ديكريبناج” على إذاعةmfm”، إذ أعرب عن استغرابه من هذه التصريحات، مشيراً إلى أن هذا الادعاء يتناقض مع نفسه وأن عزيز غالي هو ضد نفسه وربما لا يحب حتى نفسه، واعترف بأن الأمر يتعلق بقضية خطيرة جدا تتعلق بصحة المغاربة.
وقال رحيل: إن “هذا كلام خطير جدا وعلى الإنسان أن يتحمل مسؤولية ما يقوله”، مورداً أن عزيز غالي اقترب من قول إن الوزير هو الذي صنع ذلك الدم وافتعل هذا الأمر، ومعتبرا ذلك ينم عن حقد على بروفيسور يقوم بواجبه ويتبع تعليمات الملك.
وأضاف رحيل أنه “حتى لو افترضنا أن الوزير الطالب كان في هذا التاريخ، فهل سيتستر عليها الطالب، أو أي بروفيسور كيفما كان في المغرب، مشيراً إلى أن هذا الخطأ لا يمكنه الوقوع أبدا، لأن الآلة التي تصنع الدم ليست إنسانا، وهذه الآلة التي ترصد إصابة الدم بمرض معين تقوم آليا بإتلاف الدم المصاب.
وطالب رحيل بمعرفة الذين أنجزوا هذا التقرير، متسائلاً عن الذين وصلهم الدم الملوث لماذا لم يتقدموا للنيابة العامة؟، متسائلاً كيف وصلت هذه المعلومات لغالي، وكيف لهؤلاء الذين أنجزوا هذا التقرير أنهم لم يتجهوا للنيابة العامة منذ 2019، فهذا يعتبر جريمة، لأننا نتحدث عن الإيدز وليس عن الزكام”، وموردا كيف أن هذا التقرير بقي 3 سنوات دون أن يخرج للإعلام، ولماذا في هذه المرحلة التي يقوم فيها الملك بثورة في مجال الصحة ويولي أهمية قصوى.
وأضاف رحيل أن هذا الخطاب الذي يروج له غالي هو خطاب فتنة، لأنه يتوجه للمغاربة ويقول لهم إن الدم الذي يقدم لهم كمرضى هو دم خطير وملوث، والآن أصبح غالي ملزما بأن يكشف لنا من قام بهذا التقرير، مطمئناً المغاربة بأن كل من يتبرع بدمه أو يستلم دماء متبرع بها فهي آمنة وسليمة ولا تحتوي على أي إصابة لأن الآلة التي تصنع الدم تقوم آليا بتدمير الدم الملوث ولا تخرج في الأصل.
وقد أثارت هذه قضية الدم الملوث بفيروس الإيدز الكثير من الجدل والاستنكار في المجتمع المغربي فالموضوع ليس بسيطاً، ومثل هذه الاتهامات تُعتبر جديرة بالبحث والتحقق منها، إذ تسود موجة قلق واسعة، جعلت الكثيرين يتوجّسون من الإقدام على خطوة التبرع بالدم في حدّ ذاتها، إذ كانوا ينظرون دائما إلى الكيفية التي تتم بها نظرة شكّ رغم التطمينات الرسمية، في حين عبّر البعض عن تخوفهم من إمكانية منح المرضى المصابين في حوادث مختلفة، أو النساء الحوامل أثناء الوضع، أو غيرهم من المرضى دماء تحتوي على أنواع مختلفة من الفيروسات، متسائلين عن مدى توفر ضمانات المراقبة الصارمة لعملية أخذ الدم وتحليله ثم توزيعه على من هم في حاجة إليه، والتي تتجاوز ما هو تكنولوجي إلى ما هو بشري؟
أرعبت تصريحات غالي الكثيرين وترددت أصداؤها عند جمهور عريض من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تقف عند حدود الحديث عن واقعة وتفاصيل الحادثة، بل تعدى الأمر إلى أن الوزارة الوصية، دعت من خلال الوزير الطالب إلى طيّ الملف.
من جهتها عبّرت مديرة المركز الجهوي لتحاقن الدم بجهة الدار البيضاء في تصريح لـ "الاتحاد الاشتراكي" عن رفضها لما وصفته بـ "الاتهامات الباطلة" التي رافقت التصريحات التي تم الإدلاء بها، مشددة على أن خطأ من هذا القبيل "لا يمكن أن يقع في ظل الاشتغال بمعدات تقنية وتكنولوجية حديثة وجد متطورة تعتمد على الرقمنة وتضبط كل المسارات التي يقطعها الدم من التبرع إلى التوزيع، وأن ما يقع هو ضرب في سمعة الوطن"، واصفة إياه بـ «الفتنة» المرفوضة.
وأكد عدد من المتتبعين للشأن الصحي أن الموضوع الذي تم تداوله إعلاميا وتم تناقله على مواقع التواصل الاجتماعي ليس بالأمر الهيّن والذي تم وصفه بـ «الفضيحة»، والبعض جعل منه ورقة للإساءة إلى كل الجهود التي تبذل ولتبخيس ما تحقق، مطالبين بضرورة فتح تحقيق قضائي للوقوف على صحته أو لنفيه بشكل يعيد بث الطمأنينة في نفوس المواطنين، ويرتّب الجزاءات في حال ما إذا تأكد الخلل البشري، القانونية والإدارية والسياسية على حدّ سواء.
ومن جهة أخرى اعتبر عدد من مهنيي الصحة أن نقاشا من هذا القبيل لا يجب أن يكون مصدر إزعاج، معتبرين بأنه صحي، ومن المهم جدا الوصول فيه إلى الحقيقة الكاملة على غرار كل النقاشات الأخرى ذات الطابع السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تكون في المجتمعات الديمقراطية، مشددين في الوقت نفسه على أنه لا يجب وبأي شكل من الأشكال أن يؤدي إلى زرع الشكّ، حتى في حال تأكد وجود خلل ما قد يكون استثنائيا ويتعلق بحالة فريدة ومعزولة، لأن عملية التبرع بالدم يجب أن تتواصل ويجب الحث والتشجيع عليها، لأنه في غياب الدم ستنتهي حياة الكثيرين الذين تتوقف حياتهم على المتبرعين بهذه المادية الحيوية غير القابلة للتصنيع.
لا يمكن لأي دولة أن تتهاون في موضوع الصحة العامة، لأن ذلك قد يؤدي إلى كوارث اجتماعية لا تحمد عقباها، فمن المنطقي أن تكون مواضيع الصحة خطاً أحمر، يتم التعامل معه بجدية مطلقة، لكن إذا كان هناك تقصير من جانب عاملين في قطاع الصحة، فذاك شأن آخر، وله مقاربة أخرى.