الوقت- أعلنت صحيفة الإندبندنت البريطانية أنه في الأشهر الثلاثة الماضية، تم نقل اثنين فقط من الزملاء الأفغان للحكومة والجيش البريطاني من باكستان إلى هذا البلد.
كما أفادت الصحيفة عن بطء عملية نقل الزملاء السابقين للحكومة والجيش في هذا البلد في أفغانستان، فمن بين 1،49 أفغانيًا مؤهلًا يعيشون في باكستان، هناك 2 فقط من طالبي اللجوء جاؤوا إلى إنجلترا في الأشهر الثلاثة الماضية
كتبت إندبندنت أن الحكومة البريطانية أبلغت هؤلاء الأفغان، بمن فيهم مترجمون عسكريون وموظفون سابقون بالسفارة البريطانية في كابول، أنهم سينقلون من باكستان إذا ساعدهم شخص ما في العثور على مأوى في إنجلترا.
في العامين الماضيين، كان العثور على سكن للأفغان الذين تم نقلهم إلى المملكة المتحدة مشكلة رئيسية في لندن ومنظمات توطين اللاجئين. تسببت مشكلة الإسكان في أن يعيش بعض هؤلاء اللاجئين في فنادق خلال هذه الأشهر.
قال اللاجئون الأفغان المؤهلون لصحيفة الإندبندنت إنهم جاءوا إلى باكستان بناءً على وعد من الحكومة البريطانية، لكنهم يقيمون الآن في فنادق في إسلام أباد منذ شهور وخطط نقلهم غير واضحة.
هؤلاء اللاجئون قلقون للغاية من ترحيلهم من باكستان، الأمر الذي قد يحرمهم من فرصة الذهاب إلى إنجلترا، لأن الحكومة الباكستانية أعلنت مؤخرًا أنها ستطرد اللاجئين الأجانب دون إقامة قانونية من هذا البلد.
هذه الانتقادات بدأت منذ الانسحاب البريطاني من أفغانستان ففي العام 2018 ذكرت مجلة التايمز في تقرير لها إن المترجمين الأفغان الذين رافقوا الجيش البريطاني في أفغانستان كانوا يرتدون دروعا حربية واقية ويضعون أقنعة لإخفاء وجوههم رغم ارتفاع درجة الحرارة وذلك خشية تعرضهم للانتقام، لكن بريطانيا تتنكر لهم وتعاملهم معاملة مهينة رغم تضحياتهم.
هؤلاء المترجمون الأفغان الذين عملوا مع الجيش البريطاني أثناء مشاركته الطويلة في الحرب بأفغانستان للفترة من 2001 إلى 2014 كانوا يدركون بشكل واضح من خلال القادة العسكريين أنهم سيحصلون في نهاية المطاف على نوع مختلف من الحماية.
وتعتبر هذه الحماية اعترافا من جانب المملكة المتحدة بتضحيات هؤلاء المترجمين الذين عملوا مع جيشها، وبحقهم في ملاذ آمن ببريطانيا.
معاملة مهينة
واستدركت الصحيفة بأن المملكة المتحدة تعامل هؤلاء المترجمين بشكل مهين، وأنها رفضت السماح لهم بدخول بريطانيا، وأن بعض المترجمين الذين تمكنوا من دخول بريطانيا يواجهون خطر الترحيل من البلاد.
وهكذا تصبح الرسالة واضحة لكل من يفكر في العمل مع القوات المسلحة بمناطق الحروب المستقبلية، وهي أن يتدبر هؤلاء الأشخاص أمرهم دون الاعتماد على وعود بريطانيا، وذلك لأنها لا تفي بها.
وسبق لبريطانيا أن وعدت هؤلاء المترجمين عندما وظفتهم بإمكانية توطينهم في بريطانيا، وذلك شريطة أن يخدموا مع القوات البريطانية بشكل منتظم في ولاية هلمند الأفغانية.
لكن المعايير التي تتخذها بريطانيا بحق هؤلاء المترجمين تعتبر تعسفية، حيث يبدو أن الحكومة البريطانية لا تأخذ في الحسبان إمكانية تعرض هؤلاء المترجمين للمطاردة والانتقام من جانب حركة طالبان أو تنظيم الدولة الإسلامية.
حياة مستترة
"أعيش كالسارق مختبئاً وأتنقل خفية من مكان إلى آخر، فطالبان تلاحقني".. بهذه الكلمات بدأ المترجم السابق لدى القوات البريطانية متين خان (اسم مستعار) شاكيا حاله كمئات المترجمين الأفغان الذين يواجهون تهديدات بالقتل من قبل حركة طالبان باعتبارهم عملاء وخونة، بسبب عملهم مع قوات أجنبية.
وفي إحدى ضواحي العاصمة الأفغانية كابل التقت الجزيرة نت أربعة من هؤلاء المترجمين فأعربوا عن غضبهم من تنكر بريطانيا لهم لرفضها منحهم "الإقامة الدائمة" في أراضيها أسوة بزملاء لهم.
ويزيد من خيبة أمل هؤلاء تجاهل بريطانيا عشرات الشهادات التقديرية والميداليات التي حصلوا عليها من القوات البريطانية والتي تبين عملهم في الخطوط الأمامية بولاية هلمند الأخطر على الإطلاق في أفغانستان.
وإلى جانب هذا الإحباط الذي أصابهم، يقول المترجمون إنهم يعيشون متوارين عن الأنظار خشية قتلهم من قبل جماعات مسلحة مناوئة للحكومة الأفغانية، فهم بالنسبة لحركة طالبان خونة يجب تصفيتهم.
إحباط
ويقول عبد الشفيع -الذي سبق له العمل مترجما لدى القوات البريطانية- "عملت معهم بإخلاص لمدة خمس سنوات في ولاية هلمند وفي الصفوف الأولى، فلماذا أمنع اليوم من الحصول على الإقامة في بريطانيا؟ نحن نستحق، هناك من حصل على الإقامة من زملائنا بعد سنة واحدة فقط".
أما رامين -الذي عمل لمدة ثلاث سنوات مع القوات البريطانية- فيقول "عملت مترجما في ولاية هلمند، والآن نحن مطاردون وفي وضع لا نحسد عليه، وعلى القوات البريطانية حمايتنا، جنودهم الآن في مأمن في بلادهم، لكننا هنا في وضع سيئ".
وعن سبب عدم طلبهم الحماية من الحكومة الأفغانية، يقول متين "الحكومة غير قادرة على حماية جنودها فكيف ستحمينا وترعانا، هي تواجه تحديات عديدة ولا تهتم بنا".
ويقول مترجم آخر عمل مع القوات البريطانية "أنا متأكد من أن طالبان لو ألقت القبض علي ستقتلني، لدينا الكثير من الشواهد على مئات المترجمين الذين صفتهم طالبان، فهي لا تفرق بين مترجم وآخر ولا بأسمائهم، كل المترجمين عندها سواء"، وختم حديثه بالقول "عند عودتي لقندهار سيقتلونني".
خوف
ويعيش أغلب المترجمين المطاردين في بيوت متواضعة بمدينة كابل التي يفضلونها على المدن والولايات الأخرى بسبب الأمن النسبي الذي تعيشه العاصمة، يتنقلون خفية وبعيدا عن أعين الناس.
ويتوجس هؤلاء المترجمون من انتقام حركة طالبان وتهديداتها المتكررة لهم، ويؤكد عدد منهم تلقيهم مكالمات هاتفية من مصادر وصفوها بالمجهولة فحواها "عندما نجدك سنقتلك".
ويقول المترجمون إنهم يرون عائلاتهم خلسة كلما وجدوا مكانا آمنا يشملهم وأطفالهم، ناهيك عن أوضاعهم المالية السيئة بعد أن تقطعت بهم السبل وكشف عملهم السابق مترجمين للقوات الأجنبية.
طالبان تدعوهم إلى التوبة
دعت حركة طالبان مترجمي القوات الدولية الأفغان إلى «التوبة» والبقاء في أفغانستان بعد مغادرة القوات الغربية التي تسرّع انسحابها من البلاد.
وأكدت الحركة في بيان أن هؤلاء الأفغان «لن يواجهوا أي خطر من جهتنا» وأنه «لا ينبغي على أحد أن يغادر البلاد».
وشدّدوا في بيانهم على أن «عدداً كبيراً من الأفغان أخطأوا خلال السنوات العشرين الأخيرة (في اختيار) مهنتهم وعملوا مع القوات الأجنبية كمترجمين أو حراس أو في وظائف أخرى، والآن مع انسحاب القوات الأجنبية يشعرون بالخوف ويسعون إلى مغادرة البلاد».
وأضافت طالبان: «نريد أن تقول لهم إن عليهم إبداء التوبة عن أفعالهم السابقة وعدم الانخراط في المستقبل في مثل هذه الأنشطة التي تُعدّ بمثابة خيانة للإسلام ولبلدهم». وتابعت: «لكن لا يجب على أحد أن يغادر البلاد».
وأكدت الحركة: «لن نسبب لهم مشكلات. ندعوهم إلى العودة إلى حياة طبيعية وإلى خدمة بلدهم. لن يواجهوا أي خطر من جهتنا». وقالت: «كنا ننظر إليهم كأعدائنا، لكن منذ لحظة مغادرتهم صفوف العدو سيصبحون مجدداً أفغاناً عاديين في وطنهم ولا ينبغي أن يخافوا».
وختمت بالقول: «لكن إذا ادّعوا مواجهة خطر ما للحصول على ما يسمّى اللجوء، فهذه مشكلتهم وليست مشكلة المجاهدين».
ويبقى المجهول مصير هؤلاء...