الوقت- يتم الحديث في الوقت الحالي عن "لعنة فرنسا" التي تنتقل إلى تركيا، أكبر مضيف للمهاجرين في العالم، ويطرح تساؤلات من الشارع بالقول "لماذا سارع مكتب المدعي العام في اسطنبول للتدخل والتحقيق في مزاعم إعداد المهاجرين للاحتجاجات"، وهل سياسة الهجرة في تركيا تختلف عن أهداف فرنسا الاستعمارية؟، حيث تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم، وتحتضن أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري، وهو أكبر عدد من اللاجئين السوريين في أي دولة في العالم، ومع ذلك، فإن الأوضاع للمهاجرين في تركيا ليست سهلة، حيث يواجهون صعوبات في الحصول على الخدمات الأساسية والعمل، وفي بعض الأحيان يتعرضون للتمييز والعنصرية.
استجلاب الأزمات
لن تتوقف الأصوات المناهضة للحكومة التركية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن جلب مقاربة بين ما يحدث من الأزمة خارج تركيا وإسقاطها في الواقع التركي، بدءا من أزمة تمرّد “فاغنر” في روسيا، وما تحدّث عنه كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري المُعارض عن شركة “سادات” الأمنيّة وتكرارها لسيناريو التمرّد في تركيا، وهي المُسلّحة من قبل الحكومة التركيّة، وصولاً إلى ما صرّح به رئيس حزب “الظفر” أوميت أوزداغ حول وجود مُسلّحين في تركيا، سيُعيدون مشهد الفوضى الجاري في فرنسا الآن، على خلفيّة مقتل الفتى نائل من أصولٍ جزائريّة.
وبعد أن خسرت المعارضة التركية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، يبدو زعيم المعارضة الأقل في إثارة الجدل لدفع حزب "العدالة والتنمية" الحاكم للتعليق على تصريحاته وإنكارها، على ما يبدو لمنع التأثير السلبي على المناطق الداخلية من تركيا، والتشابه مع واقع اللاجئين في تركيا وفرنسا، يبدو أن رئيس حزب الظفر، أوميت أوزداغ، كان الشرارة الأولى بعد أن بدأ فكرة إمكانية تكرار المشهد الفرنسي المحترق في تركيا، وقال أوزداغ: "انظروا، الأحداث العنيفة الجارية في فرنسا هي نذير لما سيحدث في تركيا إذا وقعت الأحداث العنيفة في تركيا، لا سمح الله، ما يحدث في فرنسا سيكون مسرحية طفل، لأن المنظمة الإرهابية الفرنسية ليست مسلحة، ولكن في تركيا مسلحة مثل القاعدة وداعش وغيرهما".
ويتم نشر المنشورات التي تستهدف المهاجرين في تركيا، وخاصة السوريين، على نطاق واسع من خلال منصات التواصل الاجتماعي التركية وتحاول ربطها بما يحدث في فرنسا، امتدادا لحملة تحريضية أثرت على السوريين، يتهم الأتراك اللاجئين بالسرقة والنهب ومشاركة الأتراك في حياتهم، بينما يتهم عمدة إزمير تونغ سوير السوريين والمهاجرين بتلويث المدينة، على حد زعمه.
هذا الارتباط المكثف بين الأحداث النارية في فرنسا واحتمالية تكرار سيناريو المهاجرين واللاجئين في تركيا للاحداث، ليس له تأثير سلبي على المهاجرين واللاجئين فقط، كما في حملات التحريض السابقة التي دعت إلى طردهم، على سبيل المثال، ولكن يمكن أن يؤثر ويسبب القلق بشأن ضمان الأمن والاستقرار الداخلي لتركيا، وهذا ما يفسر تسرع مكتب المدعي العام في اسطنبول للتدخل لإنهاء انتقال التحريض من العالم الافتراضي إلى الواقع، والذي أعلن عن بدء تحقيق في منشور يستهدف المهاجرين الأتراك ويحاول ربطه بالأحداث في فرنسا، وقال مكتب المدعي العام إن المنشور يحذر من احتمال التحريض على العنف والكراهية ضد المهاجرين في تركيا وتنظيم احتجاجات مماثلة لتلك التي تشهدها فرنسا حاليا.
وفي هذا الشأن، قال مكتب المدعي العام في بيان مؤخرًا إنه أرسل خطابا رسميا إلى المديرية العامة للأمن لتحديد المشتبه في نشرهم مثل هذه الشائعات التي تحرض على الهجرة في البلاد، كما دخل عمر شيرك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، في خط الجدل، وندد بهذه الآراء ووصفها بأنها غير منطقية، وليست مبنية على أسس سليمة، وتتبع نهجا فاقدا للوعي وخبيثا، وسيليتش، حسب كلماته ووفقا لوصفه، يقوم على قيم إنسانية مختلفة عن فرنسا المبنية على أسس استعمارية وعنف عنصري، حيث قال إن "تركيا تتبع سياسات قوية لخلق مناخ من السلام وتهدف إلى إعادة الناجين من الموت بأمان إلى وطنهم.
الاتجاهات المعادية للمهاجرين
على الرغم من انقسام الأتراك حول التأثير السلبي للهجرة على بلادهم، إلا أنه لا يوجد إجماع تركي على ضرورة طردهم، وهذه الحملات ووصف التوجه المناهض للمهاجرين على منصات التواصل الاجتماعي من قبل الصحفي التركي نجهان أرغي تعكس واقع المجتمع التركي، وعلى الرغم من دفاع الحكومة التركية عن اللاجئين والمهاجرين في مواجهة تكرارهم لمشاهد الفوضى في فرنسا، إلا أن السؤال المطروح حول الأوضاع في فرنسا وما إذا كانت مخاوفهم المتكررة في تركيا ستدفع الحزب الحاكم لتسريع ترحيلهم من تركيا، حيث يوجد حوالي 4 ملايين لاجئ سوري ناهيك عن الأفغان والباكستانيين وغيرهم، قالت حكومة أردوغان في بيان يوم الجمعة، فيما يعتقدون أن عودتهم أمر لا مفر منه، وأصبح من الأسهل لتركيا حل تلك المشكلة.
وعندما يدافع المتحدث باسم الحزب الحاكم عن سياسة الهجرة التركية، والتي ترتبط بدوافع وقيم إنسانية مختلفة عن فرنسا القائمة على أسس استعمارية، يحدد المتحدث باسم الحزب الحاكم بطريقة ما أسباب وجود مخاوف بشأن المهاجرين واللاجئين في الرتب الحاكمة والحكومية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت القيم الإنسانية وحدها كافية بما يكفي لعدم إثارة الغضب بين اللاجئين حول العودة الطوعية أو المغادرة العنيفة.
وهذه الأسئلة ليست صحفية بطبيعتها فحسب، بل تستند إلى تقرير صادر عن" هيومن رايتس ووتش "، نقلا عن استطلاع أجري العام الماضي في تركيا حول عمليات الترحيل التي تمت في تركيا، بغض النظر عن حقوق المهاجرين في التقدم بطلب اللجوء أو الطعن في الترحيل، قال 76 ٪ من الأتراك إن هؤلاء الأشخاص غير مؤهلين للترحيل، وقال إنه يجب رفض الدخول إلى تركيا ويجب ترحيلهم على وجه السرعة، وقال إن هذه العمليات هي عودة طوعية.
ماذا عن حياة اللاجئين؟
يوجد في تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم، حيث تقبل حوالي 3.6 ملايين سوري بموجب خطة حماية مؤقتة و 320 ألف مهاجر من جنسيات أخرى (معظمهم من الأفغان) تحت أشكال أخرى من الحماية، وفي عام 2022، تم ترحيل 124 ألفًا و441 مهاجرًا غير نظامي من تركيا، بما في ذلك 58 ألفًا و758 لاجئًا سوريًا عادوا إلى شمال سوريا، وقدمت تركيا العديد من المساعدات للاجئين السوريين، بما في ذلك المساعدات الاجتماعية والمالية، والتعليم، والمأوى، ومواد الإغاثة العاجلة، وذلك بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وفي إطار المساعدات الاجتماعية، يستفيد اللاجئون وطالبو اللجوء من المساعدة الاجتماعية التي ينسقها المحافظ في المحافظات، حيث تتلقى مؤسسة المساعدة الاجتماعية والتضامن باللغة التركية عريضة مكتوبة مع طلب مساعدة نقدية لمرة واحدة، ومواد غير غذائية، ومساعدة للتعليم، والمأوى، والصحة، وغيرها.
ويعاني اللاجئون السوريون في تركيا من العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك التمييز والعنصرية، ووفقًا لتقارير نشرتها مواقع إخبارية، فإن الهجمات العنصرية تجاه السوريين في تركيا تتوسع، وأدت هذه الهجمات إلى صدور مجموعة من القرارات من قبل الحكومة التركية لترحيل أكثر من مليون سوري إلى “مناطق آمنة”، خلال فترة تتراوح بين 15 و20 شهرًا، وهو ما يجعل السوريين يعيشون ضغوطًا كبيرة بعد سنوات من المعيشة في تركيا، والشعور بالتهديد بخسارة الاستقرار المؤقت والوهمي الذي شعروا به.
في النهاية، إن موجة العنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا مستمرة، وأظهرت مؤشرات وقرائن أن مرحلة جديدة قد دخلها استثمار مسألة اللاجئين، في إطار الاستقطاب السياسي الحاصل بين الحزب الحاكم من جهة، وأحزاب المعارضة التركية، ما يعني ارتفاع حدة العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في تركيا إلى مستويات غير مسبوقة، وقد أخذ الملف خلال الأشهر القليلة الماضية، منحى جديداً يتجلّى في مهاجمة المستائين الأتراك لأحياءٍ مكتظة باللاجئين، في العاصمة التركية أنقرة، وارتفاع حدة الخطاب العنصري، مع استخدامه بشكل منظّم من قبل شخصيات تركية معارضة برزت بقوة في الفترة الأخيرة، لهذا تركيا وإسقاطات الخارج أكثر ما يهم السياسيين، والضحية هم اللاجئون.