الوقت- توجه وزير الاقتصاد التركي، إلى جانب نائب الرئيس وعدد من المسؤولين الاقتصاديين في حكومة أردوغان، إلى أبوظبي لملء جزء من احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي بالموارد المالية للرأسماليين العرب.
لم يتخيل أحد أنه خلال فترة وجيزة بعد الانتخابات الرئاسية التركية، سيرتفع سعر الدولار في هذا البلد من 20 إلى 25 ليرة بل ويتجاوز ذلك. اضطر البنك المركزي التركي، أمس، إلى رفع سعر الفائدة مرة أخرى للمرة الأولى بعد 27 شهرًا من تطبيق التغييرات الأخيرة على سعر الفائدة على الودائع المصرفية والإعلان عنها بحدود 15٪.
اليوم في السوق التركي، وصل كل دولار أمريكي إلى 25 ليرة ونصف، وتجاوز كل 1 يورو الرقم القياسي المذهل البالغ 27 ليرة و 80 قرشا، ما معناه أن 20 قرشا فقط تبقى لتصبح 28 ليرة! حدثت كل هذه الأحداث فيما اضطرت حكومة أردوغان إلى رفع الحد الأدنى للرواتب مرة أخرى ورفعها من 8500 ليرة إلى 11402 ليرة. لكن الخبراء يعتقدون أنه حتى 11 ألف ليرة لا تكفي لتوفير الحد الأدنى الأساسي من الحياة في مواجهة التضخم الرهيب في تركيا.
أنقرة تتودد مرة أخرى إلى الإمارات
وسط مثل هذا الوضع الصعب، تضاءل أمل النشطاء الاقتصاديين الأتراك في تجاوز الأزمة ويبدو أنه على الأقل خلال هذا العام لن يحدث شيء إيجابي في هذا البلد، ومن المحتمل أن يصل الدولار إلى 28 ليرة بنهاية العام.
في هذا الوقت الصعب للغاية، توجه قائد الاقتصاد التركي محمد شيمشك، إلى جانب نائب الرئيس والعديد من المسؤولين الاقتصاديين في حكومة أردوغان، إلى أبوظبي لملء جزء من افتقار تركيا لاحتياطيات النقد الأجنبي بالموارد المالية للرأسماليين العرب.
سافر نائب الرئيس التركي جوديت يلماز، ووزير الخزانة والمالية محمد شيمشك، إلى جانب نوابهم وخبراء رفيعي المستوى إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والتقوا بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان. تم في هذا الاجتماع تقييم العلاقات وفرص التعاون الاقتصادي بين البلدين. كما شارك في الاجتماع سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء.
يعتقد محللون اقتصاديون أن الاعتماد المفرط لحزب العدالة والتنمية وحكومة أردوغان على الموارد المالية العربية يخلو من الواقعية السياسية والاقتصادية. لإثبات ذلك، يجادلون بأنه حتى القطريون، الذين تربطهم علاقات ودية واستراتيجية مع أردوغان، لم يتخلوا أبدًا عن جانب الحذر ومبدأ الربح للاستثمار في تركيا، ناهيك عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
شيمشك في سلة أردوغان من جديد
يقال إن محمد شيمشك الذي كان غاضبًا من فريق أردوغان وعاد إلى وول ستريت ونيويورك بعد كل هذه السنوات، عاد إلى تركيا بشرط أن يتمتع باستقلالية كاملة في ممارسة آرائه المالية وألّا يتدخل الرئيس في قراراته.
لكننا الآن نواجه حقيقة أنه حتى شيمشك الواقعي والمؤمن بالسوق الحرة، سقط في لعبة أردوغان ويكرر شعاراته. بالأمس، علق على شعار أردوغان الطموح المسمى "قرن تركيا" وكتب: "الفلسفة الرئيسية للقرن التركي تتجسد في 3 مفاهيم رئيسية: الاستقرار والثقة والاستدامة. ستتم صياغة سياستنا الاقتصادية في الفترة المقبلة حول هذه المفاهيم وستكون رؤيتنا الرئيسية هي ضمان أن يعيش 85 مليون مواطن وأجيال المستقبل في سلام وأمن. نسعى لخلق بيئة اقتصادية تسمح للناس بالاختيار وتجلب الرخاء للمجتمع. النمو المستدام شرط أساسي للازدهار والتنمية. يتحقق النمو المستدام من خلال الاستثمار وزيادة فرص العمل وكذلك زيادة الإنتاجية. أهم عامل محدد لقرارات الاستثمار والتوظيف هو القدرة على التنبؤ. حتى لو كانت ظروف التمويل مواتية للغاية وكانت الربحية تبدو جذابة للغاية، فلا يمكن توفير الاستثمار المستمر ونمو العمالة دون القدرة على التنبؤ و ما يضمن القدرة على التنبؤ هو الثقة.
تشير كلمات شيمشك إلى حقيقة أنه يتفهم عمق الأزمة الاقتصادية في تركيا، ولهذا السبب، لا يقدم وعودًا قصيرة الأجل أو أخبارًا جيدة.
تأمل حكومة أردوغان في كسب قلوب نشطاء القطاع الخاص من خلال زيادة أسعار الفائدة على الودائع المصرفية.
وفي هذا السياق قال إردال باجشيفان، رئيس غرفة صناعة إسطنبول، عن عمل الحكومة: "الاستقرار المالي هو أهم قضية تمنح الصناعيين الفرصة للتنبؤ بالاستثمار والإنتاج في بيئة الاقتصاد العالمي المليئة بالتحديات". لذلك، فإن قرار رفع سعر الفائدة من قبل البنك المركزي قد ساعد في تشكيل الاستقرار المالي. نعتبر هذا الإجراء مكملاً للعديد من الفرص التي تواجه الاقتصاد التركي ونعتبره خطوة نحو الاستمرارية المستدامة.
وقال شكيب أفداجيش رئيس غرفة تجارة اسطنبول: "الانكماش النقدي لا ينبغي أن يبطئ خطوط الإنتاج". في الوضع الحالي، أصبح التضخم أهم مشكلة اقتصادية لبلدنا ومن الضروري أن تكون سياسات البنك المركزي على طريق مكافحة التضخم.
مستقبل العلاقات التركية الإماراتية
يكثر الجدال حول مستقبل تطبيع العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي. ويأتي على رأس ما يشغل الرأي العام العالمي، انعكاس تلك العلاقات الاقتصادية على القضايا السياسية والأمنية من عدمه.
ليس من السهل الإجابة على تلك التساؤلات. لكن يمكننا القول إن دول المنطقة ستحظى باستقلالية ومبادرة أكثر، في ظل التحولات الجارية في المحاور، بين أمريكا والصين، وروسيا والناتو، وأوروبا وروسيا.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى مقالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل زيارته للإمارات التي قال فيها: "حان وقت اتخاذ المبادرة"، إضافة إلى الدعوات التي تقوم بها الدول الأخرى في هذا الاتجاه من الأبواب الخلفية، للعمل على التغيير.
وبالنظر إلى الإرادة السياسية الواضحة للاتجاه نحو التقارب بين تركيا والامارات، فلن يكون مفاجئاً انعكاس ذلك التقارب على الملفات الأخرى. ولهذا، ليس من الضروري تفكيك كل الأزمات بين تركيا والإمارات، وليس من الصواب توقع ذلك.
وعلى سبيل المثال، يمكن للخلاف في الملف الليبي أن يستمر. ولا يعني ذلك عدم زيادة التعاون الاقتصادي، وانعكاسه على الملفات السياسية والأمنية. وحين ننظر من الناحية الاقتصادية، يمكن توقيع اتفاقيات إضافية علاوة على الاتفاقيات الموقعة في هذا الاطار.
وإذا لعبت تركيا دوراً محورياً في الوصول لأوروبا ( إيصال البضائع الإماراتية) فسوف يزيد ذلك من حجم التجارة بين البلدين. كما أن التواجد الإماراتي في السواحل الإفريقية يمكن أن يزيد القنوات الاقتصادية لتركيا الممتدة في المنطقة.
ورغم أن القضايا الأمنية سوف تتشكل بناء على توازنات حساسة، يمكن التقدم بخطوات متفرقة في هذه المساحة. وسوف ترغب الإمارات أيضاً في الاستفادة من التقدم التركي في قطاع الصناعات الدفاعية.
ولن يكون مفاجئاً إذا رغبت الإمارات في الاستثمار في هذا القطاع أو شراء معدات وأسلحة وعلى رأسها الطائرات المسيرة.
ولهذا، ليس من الضروري تشكيل رؤية أمنية مشتركة بين تركيا والإمارات، وباختصار فإن التقدم بخطوات في الملف الأمني، سوف يرتبط بما ستتشكل عليه ديناميكيات الوضع الإقليمي.
علاقات اقتصادية قوية
ويشكل الجانب الاقتصادي أحد أبرز ركائز التعاون المتنامي بين البلدين حيث تعود نشأة العلاقات الاقتصادية القوية بين الإمارات وتركيا إلى فترة تأسيس الاتحاد الآخذة في التطور والنمو عبر السنوات، فقد بلغت قيمة التجارة بين البلدين في النصف الأول من عام 2021 أكثر من 26.4 مليار درهم بقفزة نمو بلغت 100 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020.
وأعلنت دولة الإمارات مؤخرا عن تأسيس صندوق استثمار بقيمة 10 مليارات دولار في تركيا يركز على الاستثمارات الاستراتيجية؛ وعلى رأسها القطاعات اللوجستية ومنها الطاقة والصحة والغذاء.
تأتي تركيا في المرتبة الـ11 بين أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، بينما تمثل الإمارات الشريك التجاري الثاني عشر لتركيا عالميا والشريك التجاري الأكبر لتركيا على مستوى منطقة الخليج.
ويوجد ما يقارب 400 شركة في تركيا مؤسسة برأس مال إماراتي ويعتبر قطاع العقارات على رأس قائمة الاستثمارات الإماراتية في تركيا إلى جانب استثمارات كبيرة في قطاع المصارف وتشغيل الموانئ والقطاع السياحي.
وبلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الإماراتي إلى تركيا نحو 18.4 مليار درهم في نهاية عام 2020، بينما بلغ رصيد الاستثمارات التركية في دولة الإمارات حتى بداية عام 2020 أكثر من 1.3 مليار درهم، وتركز الاستثمارات التركية على قطاعات البناء والتشييد والعقارات والقطاع المالي والتأمين والصناعة وتكنولوجيا المعلومات.
في النهاية، ينبغي القول إن حزب العدالة والتنمية وأردوغان نفسه، بصفتهما الفائزين الكبار في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، استطاعوا التغلب على خصومهم. لكن إذا لم يتمكنوا من إيجاد طريقة للتغلب على الأزمة الاقتصادية، فسوف يواجهون مشاكل مرة أخرى في الانتخابات البلدية في عام 2024.