الوقت – جدّد المغرب وإسبانيا عزمهما لإنجاز مشروع الربط الثابت لمضيق جبل طارق وهو المشروع الذي سيربط قارتي إفريقيا وأوروبا، عبر البلدين، حيث تم التأكيد على ذلك خلال لقاء جمع بين وزير التجهيز والماء المغربي نزار بركة، ووزيرة النقل الإسبانية راكيل سانشيز خمينيز الاثنين.
واستغل وزير التجهيز والماء المغربي، نزار بركة، الإثنين خلال اجتماعه بمدريد، مع نظيرته الاسبانية راكيل سانشيز خيمينيز، اللقاء لتسليط الضوء على مظاهر التقدم المحرزة في مشروع الربط الثابت لمضيق جبل طارق.
وكشفت يومية “الأيام المغربية” عن فحوى الاجتماع، الذي ركز على إعادة تنشيط اللجنة المشتركة وتوقيع اتفاقية التعاون الثنائي التي ستربط أوروبا بإفريقيا.
وأكدت الصحيفة على أهمية مشروع الربط الثابت بين المغرب وإسبانيا، الذي شدد المصدر، على حيويته بالنسبة للاقتصاد وحرية التنقل، كأحد المشاريع الاستراتيجية المندرجة في إطار خارطة الطريق الجديدة المعتمدة في أبريل 2022، وذلك بمناسبة زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، للمغرب، بدعوة من الملك محمد السادس.
وتم خلال السنوات الأخيرة إعادة إحياء فكرة الربط القاري بين المغرب وإسبانيا، وذلك في إطار التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. تم إجراء دراسات مستفيضة لتحديد أفضل الطرق والتقنيات المناسبة لتنفيذ المشروع، إضافة إلى تقييم الجوانب البيئية والاقتصادية للمشروع.
يهدف المشروع إلى تعزيز الروابط الاقتصادية والسياحية بين المغرب وإسبانيا، وتسهيل حركة التجارة والسفر بين البلدين.
على الرغم من الصعوبات التقنية والجيولوجية التي تواجه المشروع، فإن هناك تفاؤلًا بتحقيقه في المستقبل القريب. تستمر اللجان المشتركة والشركات المعنية في العمل على تجاوز التحديات التقنية والتقدم في دراسة تفصيلية للمشروع.
من المتوقع أن يكون الربط القاري بين المغرب وإسبانيا مشروعًا ضخمًا ومعقدًا، يتطلب استثمارات كبيرة وجهودًا مشتركة من البلدين، إلا أن خبراء من البلدين، يشددون على الفوائد المتوقعة من المشروع تبرر هذه الجهود، حيث سيسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي وتطوير المناطق المحيطة بالمشروع.
على الرغم من أنه لا يزال هناك العديد من التحديات والعوامل التي يجب مراعاتها، غير أن مسؤولي البلدين، يجمعون على أن إحياء فكرة الربط القاري بين المغرب وإسبانيا يعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون الثنائي.
جدير بالذكر أن اللجنة المغربية الإسبانية المشتركة، عقدت في الشهور الماضية عدداً من اللقاءات من أجل مناقشة مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا، تنفيذا للاتفاق الذي خلص إليه اللقاء الذي جمع بين وزير التجهيز والماء نزار بركة، ومحمد عبد الجليل، وزير النقل واللوجيستيك، المغربيين، بنظيرتهما الإسبانية وزيرة النقل والبرامج الحضرية الإسبانية راكيل سانشيث خيمينيث.
وكان الوزراء الثلاثة قد التقوا ضمن فعاليات الاجتماع رفيع المستوى الذي جمع الحكومة الإسبانية بنظيرتها المغربية بالعاصمة الرباط بين 1 و2 فبراير، حيث تم الاتفاق على الدفع نحو مواصلة المساعي لإنجاز مشروع الربط القاري بين إسبانيا والمغرب من أجل المساهمة في الرفع من العلاقات التجارية بين البلدين.
ويأتي هذا التطور بعد شهور قليلة من إشارات متفائلة بشأن التطورات المرتبطة بمشروع الربط القاري على إثر ظهور مؤشرات عن وجود رغبة قوية لدى الحكومة المغربية ونظيرتها الإسبانية للدفع قُدما نحو تنفيذ الخطوات الأولى لإخراج هذا المشروع الضخم إلى الوجود.
وفي هذا السياق، اعتبرت الصحافة الإسبانية أن تعيين الحكومة المغربية في الشهور القليلة الماضية لعبد الكبير زهود، مديرا عاما للشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق، هي خطوة جديدة ومهمة تُعطي إشارات برغبة المغرب في تنفيذ مشروع الربط القاري الواعد مع إسبانيا.
ووفق ذات المصادر، فإن هذه الخطوة أتت بعد أسابيع من قرار الحكومة الإسبانية بتخصيص ميزانية لفائدة الجمعية الإسبانية لدراسات الاتصالات الثابتة عبر مضيق جبل طارق (Segecsa) المكلفة بالمشروع، لاستكمال الدراسات المتعلقة به، مشيرة في هذا الصدد إلى أن السلطة التنفيذية التابعة للحكومة الإسبانية، قررت تخصيص 750 ألف أورو من ميزانية سنة 2023 لفائدة "Segecsa" في إطار مخطط لإعادة إحياء الدراسات المتعلقة بإنجاز مشروع الربط القاري، بعد تحسن العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد وتجاوز الأزمة الدبلوماسية.
وأضافت المصادر نفسها، إن هذه الخطوة من طرف الحكومة ستكون حاسمة في هذا المشروع، وستعطي دفعة قوية نحو الاقتراب من بداية الإنجاز، مشيرة إلى أن الجمعية الإسبانية المكلفة بالمشروع، ستعمل بالمبلغ المخصص لتحديث الدراسات التي كان قد جرى إنجازها في السنوات والعقود الماضية.
ووفق المصادر ذاتها، فإن "Segecsa" تعاقدت مع شركة ألمانية متخصصة في إنجاز الدراسات وإنشاء المشاريع المرتبطة بالأنفاق تحت الماء، من أجل تقديم تصاميم هندسية لإنجاز نفق يربط إسبانيا بالمغرب، يكون شبيها بالنفق الذي يربط بين فرنسا وبريطانيا.
ونقلا عن مسؤولي الجمعية الإسبانية المكلفة بإنجاز هذا النفق الواعد، فإن هذا المشروع سيكون مخصصا لتنقل المسافرين والبضائع في الوقت نفسه، متوقعين أن ينقل 9,6 ملايين شخص في سنة 2030 عند إنجازه، إضافة إلى نقل 7,4 ملايين طن من البضائع.
ويَعقد المغرب وإسبانيا العزم على إحياء المشروع الكبير المتمثل في بناء نفق تحت قاع البحر يربط القارتين الأوروبية والأفريقية. لكن هذا الحُلم يواجه تحدّيات عدة، أبرزها التحديات الجيولوجية.
بدأ الحديث عن مشروع الربط القاري بين أوروبا وأفريقيا عبر مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا قبل 44 عاماً، حين التقى الملكان الراحلان، الحسن الثاني وخوان كارلوس الأول في 16 يونيو من عام 1979، واتفقا على تطوير المشروع.
لتحقيق هذا الحلم، أنشأ البلدان لجنة حكومية مشتركة، وشركتين متخصصتين حصرياً في الدراسات الضرورية للمشروع باسم "الشركة الوطنية لدراسة مضيق جبل طارق" (SNED) في المغرب، و"الشركة الإسبانية لدراسات الربط القاري عبر مضيق جبل طارق" (SECEGSA) في إسبانيا.
ما بين عامي 1980 و1989، جرى التوقيع على اتفاقيتين بين البلدين، الأولى اهتمت بإجراء دراسة الجدوى والدراسات الأولية على مستوى البيئة الفيزيائية والدراسات التقنية والجوانب الاجتماعية والاقتصادية، في حين تركّز إطار الاتفاقية الثانية على إنجاز العمليات الجيولوجية، من خلال حفر آبار وأنفاق استطلاعية.
بعد أكثر من أربعة عقود، لا يزال هذا المشروع يراود البلدين اللذين يفصل بينهما البحر على مسافة 14 كيلومتراً تقريباً، فيما يصل حجم المبادلات التجارية بينهما إلى نحو 21 مليار دولار، وفقاً للأرقام الرسمية عن عام 2022.
حسب نعيمة حمومي، الأستاذة في كلية العلوم التابعة لجامعة محمد الخامس في الرباط، فإن مضيق جبل طارق يحتل مكانة جغرافية استراتيجية بين أوروبا وأفريقيا، وبين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وهو ما يجعل لمشروع الربط القاري منافع جيوسياسية واقتصادية عدة.
وتعاونت حمومي مع "الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق" لسنوات امتدت من 1989 إلى 1995، حيث أنجزت أعمالاً جيولوجية وجيوفيزيائية بَحرية في المضيق، إضافة إلى دراسة التكوينات الرسوبية للأرض الواقعة على الجانب المغربي.
وقالت حمومي، إن المشروع سيُعزز العلاقات بين المغرب وإسبانيا، ويسهم في تقريب القارتين، ناهيك عن تقوية شبكات النقل الأوروبية المتوسطية والأوروأفريقية، إضافة إلى تدبير تدفقات الهجرة.
يُتوقع أن يسهم النفق في تنقل 9.6 ملايين شخص و7.4 ملايين طن من البضائع في عام 2030، وهي أرقام يمكن أن ترتفع إلى 11.3 مليون شخص و10.8 ملايين طن من البضائع عام 2040، وفقاً لما جاء في تقرير مشترك للشركتين المغربية والإسبانية المكلفتين بدراسات المشروع. كما سيتيح المشروع أيضاً نقل الألياف الضوئية وخطوط الطاقة الكهربائية عالية الجهد.
التحديات التي تطرح نفسها بقوة أمام هذا المشروع، تتعلق بالجانب الجيولوجي، نظراً لأن مضيق جبل طارق يقع في منطقة التقاء الصفائح التكتونية الأفريقية والأوروبية، والتي يمكن أن تكون مصدراً للزلازل. نوّهت حمومي في هذا الصدد بأن الدراسات تؤكد وجود حركة باتجاه الشمال الشرقي للصفائح الأفريقية بمقدار 2.15 سنتميتر سنوياً.
جانب آخر من التحديات يتمثل في تميز المنطقة بتعقيد جيولوجي مرتبط بطبيعة مواد الأرض وبنيتها على السطح وفي باطنها، حيث تضم رواسب "فوضوية" غير منظمة، تتكون من طين وكتل بطبيعة متغيرة، مثل الحجر الجيري والحجر الرملي والحجر الطيني، وهي كلها تتأثر بحركة الصفائح التكتونية.
وحسب الخبيرة المغربية نعيمة حمومي، فإن تنفيذ المشروع سيتطلب الاستفادة من نتائج الدراسات الجيولوجية السابقة، وإجراء تحقيقات جيولوجية وجيوتقنية إضافية، وهي تحديات تظل مطروحة في حال أعيد طرح المشروع على الطاولة من جديد.