الوقت- طالب خبراء الأمم المتحدة البحرين بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الناشط الحقوقي المضرب عن الطعام منذ 700 يوم في السجون البحرينية عبد الجليل السنكيس.
وفي تقرير نشرته في 25 مايو / أيار مجموعة عمل تابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ذكر الخبراء أن السنكيس تعرض للتعذيب. وحسب هذا التقرير فقد أُجبر عبد الجليل السنكيس على الاختفاء وتعرض هو وعائلته للتهديد بالسلاح واعتقل دون أمر قضائي.
وقال حسين عبد الله، المدير التنفيذي للديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، إن التقرير سلط الضوء على أن السنكيس كان في السجن منذ أكثر من عقد بسبب "إدانته بناء على تهم ملفقة ومحاكمة صورية".
وأضاف إنه إذا كانت حكومة البحرين تحترم المجتمع الدولي أو حتى لديها ذرة من اللياقة، فإنها ستطلق سراح الدكتور السنكيس على الفور.
وحسب منظمات حقوقية، فإن هذا المعتقل البحريني يعاني من ضعف في البصر وألم والتهاب في المفاصل ورجفات ومشاكل في البروستات، وتفاقمت مشاكله في الأشهر الأخيرة وسط إهمال طبي مؤكد بحقه.
عبد الجليل السنكيس يقضي عقوبته في سجن "جو" سيئ السمعة ويعاني من مضاعفات فقر الدم وضيق في التنفس. عانى من شلل الأطفال في طفولته واضطر إلى استخدام عكازات ويعاني من آلام شديدة في الصدر ورجفان في اليد.
خلال إضرابه عن الطعام، لم يستهلك عبد الجليل السنكيس سوى مكمل متعدد الفيتامينات وشاي وماء وملح احتجاجًا على الإنهاء التعسفي للاتصال بأسرته.
البحرين ليست بلدا يحظى باهتمام دولي كبير، ولكن أوضاع حقوق الإنسان المتردية في هذه المملكة باتت محل متابعة متزايدة. ويعزى هذا إلى الجهود الحثيثة التي يبذلها نشطاء حقوق الإنسان على الميدان وفي خارج البلاد. ويعتبر سجل النظام البحريني حافلاً بانتهاكات حقوق الانسان و قمع حرية الرأي و التعبير و تعزيز الطائفية.
ويستخدم النظام البحريني القضاء كأداة لكمّ الأفواه الشعبية المُطالبة بالديمقراطية، وفي حين تنتزع الاعترافات بالتعذيب تتراوح أحكام القضاء التي تستهدف المعارضين ما بين الإعدام و السجن لعدة أعوام وإسقاط الجنسية.
القمع السياسي في البحرين منذ الثورة الشعبية
انطلقت انتفاضة الربيع العربي في البحرين في فبراير/ شباط 2011 وكان الكثيرون يأملون أن تكون نتيجتها عهداً جديداً من الديمقراطية في البلاد. لكن، تمت مقابلتها بقمع الحكومة العنيف للاحتجاجات، ولم تتحقق أي من الإصلاحات الموعودة. ولا يزال قادة الحركة الاحتجاجية، وبعضهم من كبار السن، في السجن حتى الآن.
و منذ عام 2017، حظرت السلطات البحرينية جميع وسائل الإعلام المستقلة وألغت جميع أحزاب المعارضة السياسية. وسجنت العديد من قادتهم ومن بين أبرز السجناء حالياً قادة معارضون سياسيون بارزون، ونشطاء، ومدونون، ومدافعون عن حقوق الإنسان ، حكم عليهم بالسجن مدى الحياة لدورهم في انتفاضة عام 2011 المؤيدة للديمقراطية. ومن هؤلاء نذكر: حسن مشيمع، وعبد الجليل السنكيس، وعبد الهادي الخواجة، والشيخ محمد حبيب المقداد، وعبد الوهاب حسين.
في العام 2018، تم الحكم على رئيس أكبر كتلة معارضة في البحرين، الشيخ علي سلمان، بالسجن مدى الحياة بعد محاكمات بتهم تتعلق بالتعبير واتهامات ملفقة بالتجسس.
وعلى مدى السنوات الماضية، تحمل النشطاء والقادة السياسيون القسم الأكبر من القمع السياسي في البحرين، حيث واجهوا الاعتقال التعسفي والسجن لفترات طويلة، وفي بعض الحالات التعذيب، لمعارضتهم الحكومة. كما تم تجريد المئات منهم من الجنسية تعسفاً، بينما يتعرض النشطاء والصحفيون الذين يواصلون عملهم من المنفى لخطر الانتقام من أفراد عائلاتهم الذين بقوا داخل البحرين.
الدول الغربية، حتى في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، بصفته الهيئة الدولية الأكثر رسمية لرصد أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأخرى ، لم يتحركوا أبداً تجاه قضية قمع المعارضين والنشطاء السياسيين والدينيين من قبل حكومة المنامة، كما أنهم لم يتخذوا أي إجراء حتى الآن لتعيين مبعوث خاص لحقوق الإنسان في البحرين ويبدو أن صمت هذه الدول تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين له عدة أسباب اقتصادية ، ويمكن الاستنتاج أن الدول الغربية تواصل تفضيل البحرين كسوق لتصريف أسلحتهم ومعداتهم العسكرية بالإضافة إلى استضافتها لقواتهم في قواعد عسكرية على أراضي البحرين ، بدلاً من انتقادها لانتهاكات حقوق الإنسان.
من هو السنكيس وقصة الإضراب المفتوح
تواصلت المطالبات الدولية بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، و أبرزهم الدكتور عبد الجليل السنكيس المضرب عن الطعام منذ 8 يوليو/تموز الماضي، حيث بدأ السنكيس إضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجاً على المعاملة “السيئة” التي تلقاها في سجن جو، وللمطالبة بإعادة عدد من الأبحاث والكتب التي عمل على تأليفها منذ أربع سنوات، والتي صادرتها السلطات البحرينية في ال 9أبريل/نيسان.
ووفقاً لعضو البرلمان البريطاني فإن تدهور الحالة الصحية للمعارض البحريني، أدت إلى إدخاله إلى المستشفى عدة مرات خلال فترة إضرابه، إذ تبين أنه في 18 أغسطس/ آب الماضي، فقد ما يقرب من 18 كيلوغراماً من وزنه، كما اضطر الأطباء لإزالة أنبوب التغذية الوريدية بعدما تسبب له بآلام مُبرحة، وهو ما عرض حياته للخطر.
ولد الدكتور عبد الجليل عبد الله السنكيس في الخامس عشر من كانون الثاني/يناير 1962. وقد نال شهادة الدكتوراه من معهد التكنولوجيا في جامعة مانشستر. في مطلع العام 2005، تم تسريحه بشكل تعسّفي من منصبه كأستاذ مساعد للهندسة في جامعة البحرين، بناءً على طلب رئيس الوزراء (المتوفى الآن) خليفة بن سلمان آل خليفة.
لسنوات طويلة، كان السنكيس ناشطاً حقوقياً وعضواً في مجلس إدارة الجمعية الأكاديمية البحرينية، وأيضاً الناطق الرسمي باسم حركة "حقّ"، وكان ينشر في موقعه "الفصيلة" مقالات نقدية عن حالة حقوق الإنسان في البلاد وتقارير سياسية وثقافية متنوّعة. وتمَّ حجب الموقع من قبل السلطات بعد شهر من اعتقاله في كانون الثاني/يناير 2009، بتهمة مشاركته في "مؤامرة إرهابية"، وأن مقالاته "تحرض على كراهية النظام"، ثم أطلق سراحه بعد فترة وجيزة.
في العام 2009، كشف الدكتور عبد الجليل السنكيس أنّ السفارة الأميركيّة وعدته بتمرير عريضة (موقّعة من 80 ألف مواطن) إلى البيت الأبيض، تطالب بحقّ البحرينيين بصياغة دستور ديمقراطي. وقد أكَّد في مقاله لصحيفة "نيويورك تايمز" أنَّ البحرين ليست منارة للديمقراطية، كما يعتقد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، طالباً منه توخي الحذر عند استخدام كلمات "تغيير" و"حلم" و"ديمقراطية" عند مخاطبة العالم الإسلامي، مشدداً على أنَّ هذه الأمور "لا تأتي إلينا بسهولة"، وأن "أولئك الذين يسعون إلى التغيير هنا يدفعون ثمناً باهظاً".
وكشف السنكيس في المقال عن اعتقاله فجراً في شهر كانون الثاني/يناير من ذلك العام، إذ احتُجز في الحبس الانفرادي بتهمة "محاولة قلب نظام الحكم في المملكة". وأضاف إنَّ مدونته ومنشوراته في "فيسبوك" محجوبة، وأنهى كلامه بالقول: "من الجيّد أن السيد أوباما تعهّد بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن يجب أن يتحدَّث عن هذه المُثل إذا كان على استعداد لمساعدتنا على تحقيقها".
وفي آب/أغسطس 2010، أُلقي القبض على السنكيس في مطار البحرين الدولي، بعد إلقائه كلمة في مؤتمر في مجلس اللوردات البريطاني، انتقد فيها تجاهل البحرين لقضايا حقوق الإنسان وافتقارها للحريات.
وبعد إلقاء القبض عليه، ظل بمعزل عن العالم الخارجي حتى شباط/فبراير 2011، وتعرَّض لتعذيب بدني ونفسي شديد قبل أن يُطلق سراحه إبان انطلاق الاحتجاجات السلمية المطالبة بالديمقراطية، وأُعيد اعتقاله في 17 آذار/مارس 2011. وقد أدانته محكمة عسكرية في حزيران/يونيو بالسجن المؤبد بتهمة "التآمر لقلب نظام الحكم".
في 17 آذار/مارس 2011، اقتحمت قوات أمن بلباس مدني منزله في منتصف الليل، وسحبته من سريره مرتدياً ملابسه الداخلية ومن دون نظارات، مصوّبة بنادقها نحو رأسه، وكما هو موثق في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق: "لم يقدم الرجال أي هوية أو مذكرة توقيف... ودُفع المعتقل إلى مؤخرة شاحنة، وأُجبر على الاستلقاء، بينما كانت يداه مكبلتين بأصفاد بلاستيكية، واقتيد إلى مركز الشرطة... حيث أُجبر على الوقوف لفترات طويلة، بينما تعرَّض للشتائم والضّرب باليدين والأحذية، ولعق الحذاء، ومسحه على وجهه، والتحرّش به جنسياً".
على الرغم من إصابته بمتلازمة ما بعد شلل الأطفال، فإنَّ السلطات البحرينيّة عرّضت السنكيس للتعذيب والإهمال الطبي. ويكشف التقرير أنَّه حُرم من نظّارته لأكثر من شهر، كما حُرم من استخدام سدادات مطاطية لعكازاته، ما أدى إلى سقوطه عدة مرات.
ويؤكّد تقرير اللجنة البحرينية المستقلّة لتقصي الحقائق، كما هو موثّق في الحالة 7، أنه "نُقل بعد ذلك إلى سجن القرين، وتعرَّض للضّرب على طول الطريق، ووُضع في الحبس الانفرادي من 17 آذار/مارس حتى 17 أيار/مايو في زنزانة مساحتها 2م × 3م.
لم تكن هناك أضواء في زنزانته. في البداية، لم تكن هناك سوى إسفنجة للنوم، ولم تكن هناك بطانيات. لم يُسمح له بالاغتسال حتى يومه الحادي عشر في الاعتقال. كانت الجو باردا، و هناك رياح ورمال وحشرات. قام ملثّمون بالبصق عليه، ووصفوه بـ"الخائن وابن العاهرة"، وهدّدوه بالاغتصاب، وأبدوا تعليقات جنسية صريحة عن زوجته وابنته. أخذوا عكّازيه الخشبيين بعيداً، وأجبروه على الوقوف على ساقٍ واحدة لفترات طويلة".
منذ ذلك الوقت، تدهورت صحّته بشكل حادّ. وقد قام السنكيس بعدة إضرابات عن الطعام، احتجاجاً على تدهور أوضاع السجن والإهمال الطبي المتعمّد واستخدام العقاب الجماعي والتعذيب والممارسات المهينة.
وفي آب/أغسطس 2015، نُقل إلى المستشفى العسكري إثر تدهور صحّته، بعد أن كان مضرباً عن الطعام منذ 21 آذار/مارس، احتجاجاً على العقاب الجماعي الممنهج، إثر احتجاج معتقلي الرأي على تردي أوضاع سجن "جو".
ودخل السنكيس إضرابه الحالي عن الطعام منذ 8 تموز/يوليو 2021، احتجاجاً على القيود المستمرة المفروضة خلال جائحة كورونا، وللمطالبة بإعادة بحثه الذي صادره حراس السجن في 9 نيسان/أبريل 2021. وقد عمل على تأليفه طوال 4 سنوات على الأقل. البحث يسلّط الضوء على التنوع اللغوي بين اللهجات العربية في البحرين، أي إنَّه خالٍ من أي مضمون سياسي.
تبقى الإشارة في الختام، إلى أنَّ السجناء السياسيين في سجون آل خليفة ينتمون إلى الطائفة الشيعية، وهو ما يكشف أزمة "ثقة" بين النظام وهؤلاء المواطنين الذين يشكلون حوالى 60% من السكان، رغم تأثيرات "التجنيس السياسي" الذي يستهدف التغيير الديموغرافي في التركيبة السكانية للبلاد. من هنا، ينبغي تفهّم مطالب أفراد هذا المكوّن الاجتماعي الواسع في البحرين، والنظر في المظالم التي يعانونها، والتي تتلخّص في الأساس في التجهيل السياسي وانعدام العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة.