الوقت - أظهرت التوترات على الحدود الإيرانية - الأفغانية، والتي اشتدت مع تحركات بعض الجماعات المتطرفة في طالبان، أنه على عكس نهج إيران المتسامح، تسعى بعض العناصر المتطرفة في طالبان إلى تأجيج نيران التوتر، رغم أن مسؤولي طالبان أكدوا أنهم سيلتزمون بالاتفاقيات السابقة والتاريخية بين حكومتي إيران وأفغانستان.
في الوقت نفسه، وعلى الرغم من تسامح إيران في التعامل مع العناصر المتطرفة في طالبان، فإن إيران ستكون لديها القدرة على الرد على أي تحركات ضد مصالحها الوطنية، إذا لزم الأمر.
اتفاقية هلمند، محور التعاون بين طهران وكابول
لا شك أن أحد أهم الاتفاقيات الثنائية بين إيران وجارتها الشرقية، أي أفغانستان، هو تنفيذ اتفاقية هلمند لتقاسم الموارد المائية، والتي يعود تاريخها إلى عام 1972 بتوقيع رئيسي وزراء إيران وأفغانستان في ذلك الوقت.
لم تكن هذه الاتفاقية تمثل تحديًا كبيرًا حتى عام 2021، لكن افتتاح سد كمال خان في مايو 2021، أي بعد أربعة أشهر من سيطرة طالبان على كابول، أدخل مرةً أخرى قضية مياه هلمند في تحدٍّ خطير.
في الواقع، يعتبر سد كمال خان قضيةً مثيرةً للتحدي تسببت في تشويه التزامات أفغانستان بتزويد إيران بحقوقها المائية من نهر هلمند، وقد تزامن بدء تشغيل هذا السد مع حكم طالبان في كابول.
منذ تولي طالبان السلطة في كابول، كان تركيز إيران على تنفيذ التزامات الجانب الأفغاني، وخلال العام والنصف الماضيين، عُقدت عدة اجتماعات بحضور مسؤولين من إيران وطالبان، مع التأكيد على تأمين حقوق إيران المائية. لكن عدم امتثال طالبان لتنفيذ التزامات أفغانستان في مسألة تأمين حقوق إيران المائية من نهر هلمند، قوبل برد فعل المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم الرئيس الإيراني، خلال زيارته إلى محافظة سيستان الإيرانية.
عدم التزام طالبان باتفاقية هلمند
على الرغم من تحذيرات إيران العديدة لطالبان، يبدو أن جماعة طالبان غير مستعدة لتنفيذ التزامات أفغانستان المتعلقة بالمياه.
والأبعد من ذلك، تشير بعض المناوشات الحدودية في الأيام القليلة الماضية، إلى جانب بعض السلوكيات غير التقليدية لشخصيات طالبان، مثل عرض عسکري بـ "البراميل الصفراء" التي تشير إلى الأعمال الإرهابية لأعضاء طالبان، إلى أن بعض أعضاء طالبان لم يتلقوا بعد رسالة إيران.
وعلى الرغم من أن مولوي عبد الكبير، النائب السياسي والقائم بأعمال رئيس الوزراء في حركة طالبان، أكد الحاجة إلى علاقات جيدة مع دول الجوار، بما في ذلك إيران، وشدد في لقائه مع ملا عبد اللطيف منصور وزير المياه والطاقة في حركة طالبان على اتفاقية هلمند، ولکن فإن التنفيذ الكامل لهذه الاتفاقية يحتاج إلى مراجعة من قبل اللجنة المشتركة للجانبين، وإلا فقد ادعت طالبان خلال العام ونصف العام الماضيين مرارًا وتكرارًا علی تنفيذ اتفاقية هلمند، ولكن من الناحية العملية فإن حقوق إيران المائية في نهر هلمند لم يتم تأمينها بعد.
والأسوأ من ذلك، أنه على الرغم من أن عمليات إطلاق النار الأخيرة لقوات طالبان عبر الحدود باتجاه الحدود الإيرانية قوبلت برد حاسم من الجيش الإيراني، فإن إطلاق النار من قبل طالبان على الحدود الإيرانية سيجعل وجهات النظر في إيران مشبوهةً بشأن هذه المجموعة.
ليس فقط الجوار، بل من الغريب أيضًا أن طالبان لا تلتزم باتفاقية هلمند رغم الالتزام الديني بالوفاء بالالتزامات في الدين الإسلامي الذي تعتبر طالبان نفسها منتميةً إليه، ناهيك عن أن البلدين، إيران وأفغانستان، لديهما العديد من أوجه التشابه الثقافية واللغوية.
من الأدبيات الدبلوماسية إلى وجود الجيش على الحدود
ارتبطت ردود الفعل في إيران على عدم التزام طالبان بتنفيذ اتفاقية هلمند، بالتعبيرات الدبلوماسية وأدبيات الجوار. لكن حضور كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين في موقع الاشتباكات الحدودية في الأيام القليلة الماضية، يظهر أن الجيش والقوات العسكرية الإيرانية سيكونان قادرين على تأمين المصالح الوطنية الإيرانية حتى خارج الحدود، كلما لزم الأمر.
ففي الأيام الماضية، إضافة إلى القائد الأعلى لقوة الشرطة، كان قائد القوات البرية للجيش الإيراني حاضرًا في موقع الاشتباكات، حتى يتمكن الجيش الإيراني من مراقبة التطورات الميدانية على حدود أفغانستان عن كثب.
من ناحية أخرى، ألقت اشتباكات طالبان على الحدود الإيرانية، بظلالها على بعض التبادلات الاقتصادية والتجارية بين أفغانستان وإيران عند معبر ميلك الحدودي. واستمرار هذه التوترات سيؤدي بلا شك إلى وقف تصدير السلع والمواد الغذائية من إيران إلى أسواق أفغانستان، كما أن إمدادات الوقود في أفغانستان قد تواجه تحديات.
في يوليو 2022، أعلن "میراجان سلیمانخیل"، رئيس الغرفة التجارية المشتركة في هراة ومحافظة خراسان رضوي الإيرانية، أن أكثر من 70٪ من الوقود المستهلك في أفغانستان يتم استيراده عبر المعابر الحدودية مع إيران، وربما لا يمكن لطالبان أن تتوقع استمرار تدفق السلع وصادرات الوقود من إيران في ظل ظروف تجعل الحدود غير آمنة.