الوقت- شغلت مذكرة التوقيف الدولية التي اصدرتها قبل يومين القاضية الفرنسية اود بوريزي بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاوساط السياسية والمصرفية والقضائية، نظراً لاعتبارها اول اجراء قضائي دولي بحق موظف كبير، وهو رأس السلطة النقدية في البلاد. وتالياً، سيترتب عليها انعكاسات مباشرة على عمل المركزي وعلى الوضعية المالية في البلاد، وكمؤشر على اطلاق الملاحقة القضائية الدولية بحق مسؤولين لبنانيين. وتصدر اسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بعد إصدار مذكرة توقيف دولية بحقه وحسب وسائل إعلام محلية فقد صدرت الثلاثاء في فرنسا مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، على خلفية دعوى قضائية رفعت ضده في فرنسا بشأن مزاعم فساد في لبنان.
وتغيّب سلامة عن جلسة استجواب في باريس الثلاثاء الماضي لمعرفة كيف راكم أصولا كبيرة في أوروبا، وفق ما أفاد محاميه. وكان فريق سلامة القانوني استبق جلسة الاستجواب الفرنسية هذه عبر تقديم دفوع شكلية الاثنين أمام النيابة العامة التمييزية في لبنان يطالب فيها بتعليق التعاون مع التحقيقات الأوروبية، والاكتفاء بالتحقيق المحلي الذي يتم أساساً على خلفية التحقيقات الأوروبية في قضايا غسل أموال واختلاس فيما أكد مصدر قضائي مطلع أن القضاء اللبناني "فشل" أربع مرّات في تبليغه موعد جلسة الاستجواب الفرنسية وفق الأصول.
ومن جهتها علقت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون على صدور مذكرة توقيف دولية بحق رياض سلامة. وقالت عبر تويتر "القضاء اللبناني: تعذر ابلاغ رياض سلامة، مجهول محل الإقامة". وتساءلت: "هل هذا معقول؟" وتابعت عون "جواب القضاء الأوروبي دون تردد...مذكرة توقيف دولية بحق سلامة"، وأضافت "بعدهن عم يتذاكوا ما صارت مفهومة اللعبة". وختمت تغريدتها بالقول: "لا بد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر. لا يا جماعة الظلم ما بيدوم القهر له نهاية. فاتعظوا قبل فوات الأوان".
وفي نفس السياق، قال حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، إن إصدار القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية بحقه أمر مخالف للقوانين. ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية عن سلامة قوله في بيان له: "إن القرار الذي اتخذته قاضية التحقيق الفرنسية أود بوريزي يشكل بامتياز خرقاً لأبسط القوانين، كون القاضية لم تراع المهل القانونية المنصوص عليها في القانون الفرنسي، رغم تبلغها وتيقنها من ذلك". وإذ اتهم القاضية بتجاهل القانون، قال إنها "تجاهلت تطبيق اتّفاقية الأمم المتّحدة لعام 2003، والإجراءات المعترف بها دولياً، التي تستند إليها هي بالذات في إطار المساعدة القضائية الدولية". واتهم التحقيق الفرنسي بـ "ضرب مبدأ جوهري يتعلق بسرية التحقيقات، لكونه أصبح واضحاً من المقالات الصحفية، أن الوكالات الصحفية تحصل دون قيد على وثائق التحقيق السرية، كما تأخذ علماً مسبقاً بنيات المحققين والقضاة".
وقال سلامة في البيان إن "التحقيقات الفرنسية تعاكس مبدأ قرينة البراءة في تعاملها، وفي تطبيقها الانتقائي للنصوص والقوانين". كما اتهم بوريزي بأنها "أخذت قرارها بناءً على أفكار مسبقة دون إعطاء أي قيمة للمستندات الواضحة المبرزة لها، وهذا ما يتضح أيضا بتشنجها الذي وصل أخيراً إلى حد عدم التقيد بالأصول المفروضة في القوانين الفرنسية وفي المعاهدات الدولية". وأكد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، على أنه "لا توجد مذكرة "انتربول" بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بل هناك مذكرة من قاضية فرنسية، لذلك على الدولة الفرنسية أن تقدم طلباً للإنتربول، ومن ثم الأخير يطلب من لبنان الذي بدوره يدرسها". وأشار مولوي في حديث تلفزيوني، إلى أن "كل هذه الإجراءات لم تحدث لحد الآن، وبالتالي لا يمكننا أن نلاحق سلامة". وحول موضوع الحجز على أملاك سلامة، قال مولوي: "هذا الموضوع مدني تتعاطى فيه فرنسا، وقرار حجز الأملاك يعود لها".
وبعد انتشار خبر صدور مذكرة توقيف دولية بحق سلامة، أعلن كثير من اللبنانيين النصر، واعتبروا أن "الحاكم سقط، وانتصرت العدالة"، فيما ذهب آخرون الى اعتبار القضاء اللبناني متواطئاً، وأن الحكم الفرنسي فضح القضاء اللبناني. حيث قال عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر المحامي وديع عقل عبر تويتر: "مبروك لأوادم لبنان: مذكرة توقيف دولية بحق المجرم رياض سلامة حاكم مصرف لبنان، أمين صندوق مافيا الفساد ". واتهم آخرون القضاء اللبناني "بالتواطؤ في قضية حاكم مصرف لبنان". فقال إدمون ساسين: "مذكرة توقيف دولية صادرة عن قاضية فرنسية في حق رياض سلامة الذي لم يعثر عليه القضاء اللبناني. هذا القضاء تحول الى سلطة أسوأ من السلطة السياسية في ملف رياض سلامة ومجموعته. لكن رغم السواد المحيط بهذا القضاء تحية الى غادة عون وجان طنوس اللذين حققا ولاحقا رياض وحفظا ماء وجه القضاء".
وربط كثيرون قضية سلامة بالاستحقاق الرئاسي. فقال حسن الدر: "في السّياسة: توقيت الادّعاء على رياض سلامة في فرنسا يأتي في سياق الضّغط باتّجاه انجاز الاستحقاق الرّئاسي قبل نهاية شهر يونيو/ حزيران المقبل. ورقة سلامة احترقت قانونياً وسياسياً". ومن جهته غرد النائب جميل السيد قائلا: "مذكرة توقيف دولية من قاضية فرنسية بحقّ حاكم مصرف لبنان". وأضاف: "لو كنتُ مكانه لذهبْتُ الى فرنسا وواجهتُ القاضية هناك بالوقائع والمستندات التي تثبت البراءة"، لكنه مع الأسف احتمى بالحِجَّة السخيفة الذي قدّمها القضاء اللبناني بأنّه لم يُعْثَر عليه لتبليغه مذكرة استدعائه إلى فرنسا بينما هو معروف العنوان ولديه مواكبة أمنية رسمية في كل لحظة". وختم قائلا: " المهم، سخافة هذا القضاء عندنا وتفاهته جعلتْهُ ممسحة ومهزلة، ومع ذلك لا يزال المجال مفتوحاً امام سلامة لتبرئة نفسه في فرنسا، أمّا الذين يقنعونه بعدم الذهاب الى هناك، فهؤلاء ليسوا خائفين عليه بل خائفين منه على أنفسهم، نصيحتي له بالذهاب وكشْف المستور وإلّا جعلوه كبْش محرقة".
وفي المقابل رأى متابعون أن بإمكان رياض سلامة أن يطلب استئناف قرار الادعاء عليه في قلم مكتب قاضية التحقيق. فقال تمام نور الدين: "الادعاء على رياض سلامة يصدر من مكتب قاضية التحقيق، امّا مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق رياض سلامة فصدرت عن قاضية التحقيق بعد أخذ رأي النيابة العامة المالية في فرنسا ". وأضاف: " عندما يتم تبليغ محامي سلامة في باريس بالادعاء على موكله ، بإمكان رياض ان يطلب استئناف قرار الادعاء عليه في قلم مكتب قاضية التحقيق. اما مذكرة التوقيف المعممة فهي تبلّغ للأجهزة الأمنية و لا يتم تبليغها الى الأطراف في الملف. ولا إمكانية لاستئنافها ، بإمكان قاضية التحقيق الممسكة بالملف الغاء مذكرة التوقيف حينما تشاء. تحركات رمزية نفذّت مجموعة "أوميغا" تحركاً رمزياً أمام منزل القاضي شربل بو سمرا في بيروت. وقد عبّرت مشهدية "أوميغا" عن مطالب الشعب اللبناني في إحقاق العدالة، رداً على تهرب بو سمرا من القيام بواجبه وتبليغ رياض سلامة.
وبالتالي سننتظر ما ستحمله الايام المقبلة من تطورات قضائية كي يُبنى على الشيء مقتضاه، ولكن كل ذلك لا بد انه يضيّق الخناق على سلامة الذي بات محاصرا من قبل القضاء الاوروبي والفرنسي بعد قدرته على التفلت من القضاء اللبناني، وهو لاحقا لن يكون بمقدوره التذرع كثيرا بعدم تبلغه مواعيد الجلسات وإنما على الأرجح سيبحث عن أعذار اخرى للتهرب من الحضور فيما لو أراد او قدّر ان مصلحته هي بعدم الحضور، فالموضوع من الآن وصاعدا سيكون مرتبطا بـ”التكتيك” الذي سيعتمده الفريق القانوني لسلامة سواء قرر الحضور من عدمه.
يبقى ان ننظر للموضوع من بُعده السياسي المحلي والدولي، وخاصة ان هناك منظومة سياسية اقتصادية طالما كانت تحمي رياض سلامة في الداخل والخارج، ولا شك ان هذه المنظومة التي قامت منذ ما بعد العام 1992 كانت تشكل الحاضنة الآمنة لحاكم مصرف لبنان، الذي شكل أحد أهم حلقاتها، وقد تبين ذلك بشكل واضح خلال الأزمات المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ اكثر من 3 سنوات، فكل شيء مرتبط بحاكم المصرف المركزي ويحتاج لتوقيعه كي تُفتح الاعتمادات ويتم إدخال السلع والمواد الى لبنان.
من كل ذلك يظهر أن هناك جانبأ من الغطاء السياسي الخارجي قد رُفع عن رياض سلامة ما سمح بملاحقته في سويسرا وفرنسا بالعديد من الملفات والقضايا، بينما يتواصل الغطاء الأميركي له وخاصة انه أحد أهم الممثلين التاريخيين لمصالح واشنطن في لبنان، بانتظار ما ستحمله الايام المقبلة من تطورات في هذا الملف.