الوقت- تكمن جذور أزمة النظام الصهيوني في هوية حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية ولقد تجلى ذلك من خلال استمرار المظاهرات العديدة في مختلف المناطق للمطالبة بإسقاط الحكومة ولهذا يمكن القول إنه سوف تتعمق أزمة الكيان الصهيوني، لأن هذا النظام لن يعيش في دوامة من الخلافات الداخلية التي تهدد مجتمعه واقتصاده وأمنه القومي.
وفي هذا الصدد، كتب "تشاك فريليش" نائب مستشار الأمن القومي في "إسرائيل" في صحيفة "جيروزاليم بوست" عن الأزمة التي تمر بها "إسرائيل" وقال: "كيف ستستعيد إسرائيل أمنها القومي؟"
وبعد أسابيع من التظاهرات والاحتجاجات والإضرابات المتواصلة، وإبعاد وزير الحرب في جيش الاحتلال، يوآف غالانت، ووصول المشهد السياسي في النظام الصهيوني إلى نقطة الشلل التام التي طالت معظم القطاعات، اضطر بنيامين نتنياهو إلى تأجيل الإصلاحات القضائية حتى الشهر المقبل وهذا يطرح سؤالا مهما حول السيناريوهات المتوقعة بعد تأجيل أزمة الإصلاح القضائي، وهل الأزمة حقاً محصورة في الإصلاح القضائي أم إنها أعمق من ذلك بكثير؟
لقد قام نتنياهو فقط بتأجيل الأزمة وتأجيل الأزمة هذا لن يؤدي دائمًا إلى إيجاد حل لها، وقد يؤدي إلى تفاقمها، والتوتر الداخلي في المجتمع "الإسرائيلي" لم ينجم بالدرجة الأولى عن الإصلاحات القضائية، ولهذا فإن شوارع هذا النظام لن تسلم من الإضرابات والمظاهرات قد تتجدد في أي لحظة.
أما على الصعيد الداخلي، فإن جذور الأزمة "الإسرائيلية" التي أدت إلى التظاهرات وإضرابات الشوارع، تكمن في هوية الحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو وقد تجلى ذلك من خلال استمرار المظاهرات العديدة في مناطق مختلفة للإطاحة بحكومة نتنياهو.
وفي البعد الخارجي، ظهر ذلك من خلال الدعم الخارجي للجماعات اليهودية في أمريكا وأوروبا لاستمرار مثل هذه المظاهرات، في حين أن مشكلة الحكومة الأمريكية مع اليمين المتطرف تأتي من عدم سيطرة نتنياهو على حكومته وسياساته وسلوكه في المنطقة.
لقد انعكست هذه المسألة في تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي قال فيها بوضوح إنه لا يريد دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض في المستقبل القريب. وكان موقع "أكسيوس" الأمريكي كشف في وقت سابق أن العلاقات بين الولايات المتحدة و "إسرائيل" تحولت إلى أزمة كاملة بعد أقل من 3 أشهر على عودة نتنياهو إلى السلطة في "إسرائيل".
إن النظام الصهيوني يغرق في أزمة داخلية وخارجية. فداخليًا، وصل إلى مرحلة الصراع بين حزبي المعارضة والائتلاف الحاكم، وتعزى الأزمة الحالية إلى تراكم عدم الاستقرار السياسي الذي عانى منه على مر السنين وعدم قدرته على تشكيل بنية سياسية متماسكة. أزمة تسببت في إجراء انتخابات الكنيست أربع مرات في غضون ثلاث سنوات وأصبح هذا أعمق مع عودة نتنياهو إلى السلطة.
وفي البعد الخارجي وخاصة في العلاقات الدولية وما خطط له لتوسيع علاقات التطبيع مع الدول العربية في المنطقة، يعاني النظام الصهيوني من نكسة. وهناك جوانب أخرى لواقع أزمة النظام الصهيوني حظيت باهتمام أقل وامتدت من الأزمة الطبقية والفوارق الاجتماعية إلى الأزمة الاقتصادية والعرقية التي طالت تركيبة "إسرائيل". أزمة أوصلتها إلى حالة غير مسبوقة من التفتت والتآكل.
ويفتح تعليق الإصلاحات القضائية الباب أمام إعادة قراءة عميقة للسيناريوهات المتوقعة في إسرائيل، حيث تشير كل الدلائل إلى مزيد من الانقسامات الداخلية داخل النظام. أزمة لا تنتهي فقط بقضية الاصلاحات القضائية التي أصر نتنياهو على استمرارها.
ولن يعود الوضع "الإسرائيلي" إلى حالته السابقة وصورته الطبيعية، والتوتر القائم سيستمر إلى حد كبير. وهذا الاتفاق بين نتنياهو وابن جوير على تشكيل ميليشيات مسلحة تسمى "الحرس الوطني" سيواجه معارضة أكبر من المتظاهرين وذلك لأنهم يرون في الحرس الوطني أداة لفرض حكم اليمين المتطرف في إسرائيل.
بعد الأزمة الأخيرة والنظر في قدرة أحزاب اليسار الصهيوني على الضغط وشل قطاعات كبيرة ومهمة في "إسرائيل"، سيحاول نتنياهو تجنب الدخول في قضايا تهدد بقاء حكومته. لكن إضرابات الشوارع في إسرائيل، التي انتشرت على نطاق واسع في الأيام الماضية وضغطت بشكل واضح على نتنياهو، ستؤثر على المشهد السياسي المعقد في هذا النظام في المستقبل، في حين أن حكومة اليمين المتطرف في حالة من الضعف. وحقيقة أن تحالف اليسار قادر على حشد شوارع الكيان الصهيوني ويكون فعالاً ضد تحالف اليمين المتطرف وتعليق الإصلاحات القضائية أمر غير مسبوق في إسرائيل، وبالتالي فإن الأيام المقبلة لهذا النظام ستكون إشكالية للغاية.
الجدير بالذكر أن نتنياهو حاول إسكات أصوات المحتجين في تل أبيب بإثارة الحرب في قطاع غزة وجنوب لبنان، لكن الاحتجاجات خرجت في تل أبيب للشهر الثالث على التوالي، وأعلن المتظاهرون أنهم سوف يستمرون في الخروج إلى الشوارع وبهذه الطريقة تعرض نتنياهو للصفع من الداخل ومن محور المقاومة الكبرى. ولقد أعلن منظمو الاحتجاجات في الكيان الصهيوني، ضد التعديلات المقترحة من جانب الحكومة، على سلك القضاء، أن التصعيد الأمني، لن يمنعهم من إقامة المظاهرات، مساء السبت الماضي كالمعتاد. وكان اللواء احتياط طال روسو، الناشط في الاحتجاج، قد طالب بتأجيلها "نظرا للوضع الأمني الصعب". وتعرّض شمال إسرائيل لقصف من لبنان، والجنوب لقصف من قطاع غزة.
كما وقعت عمليتان: في الضفة الغربية وتل أبيب، قتل بهما ثلاثة أشخاص. لكن المنظمين، كشفوا أن التظاهرات ستقام بـ "صيغة مختلفة عن التظاهرات السابقة، بناء على طلب الشرطة"، بمعنى أن مسيرة تل أبيب -حيث التظاهرة المركزية- ستُلغى، وستقتصر الاحتجاجات هناك، على الاعتصام فقط. كما سيتجنب المحتجون إغلاق الشوارع الرئيسية، "لأن الشرطة تريدها فارغة"، لسرعة وصولها إلى مسارح عملية قد تقع أثناء التظاهرات. مشيرين إلى أنهم،"سيشاطرون أهالي الضحايا الحزن ويتمنون الشفاء العاجل للمصابين، ويشدون على أيدي الأجهزة الأمنية، والسكان في مناطق التماس".
وأوضح المنظمون: "سنواصل النضال ضد الديكتاتورية، وكأنه لا يوجد وضع أمني غير مستقر. وسنستمر في دعم الأجهزة الأمنية، وكأنه لا يوجد نضال ضد الديكتاتورية". وفي ذلك إعادة صياغة لجملة شهيرة، قالها مؤسس الكيان الصهيوني دافيد بن غوريون عام 1939. حيث قال:" ستناضل الحركة الصهيونية ضد مقترح بريطانيا للتقسيم، وكأنه لا توجد حرب عالمية، وستحارب إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية ضد ألمانيا النازية، وكأنه لا يوجد مقترح تقسيم بريطاني". وتابع منظمو الاحتجاج:" وزراء الحكومة، وبدلا من أن يرصوا صفوف الشعب، بمواجهة التهديدات الأمنية، فإنهم منشغلون بإجراء تعديلات، تقوّض القضاء والحيز الديمقراطي، وتجعل السلطة مطلقة بيد الحكومة".
وهنا يجد نتنياهو نفسه أمام مأزق سياسي أقرب إلى الفخ، فإما الإصرار على موقفه، حفظًا لماء وجهه وانتصارًا لكرامته السياسية المزعومة، وحفاظًا على قاعدته الشعبية اليمينية المتطرفة، وهو أقرب للانتحار السياسي الذي قد يشعل الموقف بأكمله ويضعه في مواجهة مباشرة مع الجيش والشارع، وإما يستمع لأصوات العقلاء داخل الائتلاف الحكومي وخارجه ويوقف تلك التعديلات أو يجمدها مرحليًا، وهنا قد يتعرض هذا الائتلاف لتشققات وانقسامات تضعه على طريق الانهيار والتهاوي.
في كل الأحوال، سواء مررت التعديلات أم جمدت، سيخرج الائتلاف الحاكم من تلك المعركة بخسائر فادحة، تتأرجح صعودًا وهبوطًا حسب الموقف، لكن ما كان قبل ذلك لن يكون كما هو الحال بعده، فالاحتجاجات المشتعلة والتخبط الذي يعاني منه رئيس الحكومة ووزراءه والإصرار على إصباغ الحكومة بألوان اليمين المتطرف الداكنة سيدفع نتنياهو ثمنه كبيرًا جدًا، إن لم يكن من حريته فسيكون على حساب مستقبله السياسي.