الوقت - في خضم الحرب في أوكرانيا، يعدّ الكشف عن الوثائق السرية لوزارة الدفاع الأمريكية بشأن هذه الحرب أسوأ خبر لواشنطن.
منذ الأسبوع الماضي، عندما تم الکشف عن الوثائق السرية لوزارة الدفاع الأمريكية في الفضاء الإلكتروني والإنترنت من مصدر غير معروف، كان الأمريكيون يحاولون محو هذه الوثائق في الفضاء الإلكتروني، لكن حتى الآن لم يتمكنوا من منع المزيد من الكشف عن هذه الوثائق، وهناك العديد من الصور لوثائق مختومة من البنتاغون حول الحرب في أوكرانيا.
بعد الكشف عن تسرب هذه المعلومات، راجعت رويترز أكثر من 50 وثيقة تحمل عنوان "سري" و"سري للغاية"، ظهرت لأول مرة الشهر الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي مثل ديسكورد وفورتشن. وفي حين تم الكشف عن بعض الوثائق قبل أسابيع، تم الإبلاغ عن وجودها لأول مرة يوم الجمعة الماضي من قبل صحيفة نيويورك تايمز.
أكد البنتاغون أن الوثائق أصلية لكنه زعم أنه تم العبث بها. في إحدى الوثائق، تُظهر الخريطة وضع مدينة باخموت في أوكرانيا؛ وهي مدينة مهمة كانت مركزًا للصراعات بين روسيا وأوكرانيا لمدة 6 أشهر.
في الوثيقة التي نُشرت يوم الجمعة، يُزعم أن ما بين 16000 و 17500 جندي روسي قتلوا، بينما قُتل 71500 جندي أوكراني. ومع ذلك، كان البنتاغون ومحللون آخرون قد صرحوا في وقت سابق في وسائل الإعلام، أن روسيا لديها 200 ألف قتيل وجريح.
كما كشفت المعلومات الواردة في هذه الوثائق، عن تفاصيل تكاليف الذخيرة الخاضعة لسيطرة الجيش الأوكراني، بما في ذلك نظام صواريخ "هيمارس" وأنظمة صواريخ مدفعية أمريكية الصنع.
من نشر الوثائق؟
يقول المسؤولون الأمريكيون إن اتساع نطاق الموضوعات التي تغطيها الوثائق، والتي تتناول الحروب في أوكرانيا والصين والشرق الأوسط وإفريقيا، تشير إلى أن الوثائق ربما تم تسريبها من قبل أمريكي، وليس شخصًا في دولة حليفة.
وقال مايكل مولروي، المسؤول الكبير السابق في البنتاغون، لرويترز في مقابلة إن التركيز الآن هو ما إذا كان هناك تسريب من الولايات المتحدة، لأن العديد من الوثائق كانت في أيدي الولايات المتحدة فقط.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن التحقيق في مراحله الأولى، وإن من أجروا التحقيق لم يستبعدوا احتمال أن تكون عناصر موالية لروسيا وراء التسريب.
يعدّ تسرب المعلومات هذا أحد أخطر الخروقات الأمنية منذ عام 2013. في ذلك الوقت، ظهر أكثر من 700 ألف وثيقة وفيلم ووثيقة دبلوماسية على موقع ويكيليكس. ولم تردّ السفارة الروسية في واشنطن والكرملين على طلبات للتعليق.
عدم ثقة الحلفاء الغربيين في أمريكا
ما يقلق معظم الأمريكيين في الوثائق المسربة، هو أن هذه الوثائق ليست مخصصةً للحرب في أوكرانيا فحسب، بل تشير أجزاء من هذه الوثائق إلى إجراءات الولايات المتحدة ضد حلفائها.
وذكرت شبكة سي إن إن أن الكشف الأخير عن وثائق سرية للبنتاغون، والتي تظهر أن الولايات المتحدة لم تتجسس على أعدائها وخصومها فحسب، بل علی حلفائها أيضًا، تسبب في قلق عميق بين المسؤولين الأمريكيين.
ويشير التقرير إلى أن المسؤولين الأمريكيين قلقون من أن يؤدي الكشف عن هذه الوثائق السرية، إلى تقويض علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها وتعريضها للخطر.
كما أكدت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها، صباح الأحد الماضي، أن الكشف عن هذه الوثائق سيعقد علاقات واشنطن مع حلفائها، ويجعلهم يشكون في قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على أسرارها.
واستخدم مسؤول استخباراتي غربي قام بمراجعة هذه الوثائق الاستخبارية كلمة "المؤلم" بخصوص الإفراج عن هذه الوثائق، وكتب أن أصدقاء أمريكا قد يحدون من تبادل المعلومات مع أمريكا.
وأكدت نيويورك تايمز في جزء آخر من تقريرها، أن "هذه الوثائق يمكن أن تضر بالعلاقات الدبلوماسية لواشنطن بطرق أخرى. وأظهر الكشف عن وثائق سرية، أن الولايات المتحدة تتجسس ليس فقط على روسيا ولكن أيضًا على حلفائها".
وحسب التقارير، نوقشت في الوثائق المنشورة أشياء مثل "الحرب الروسية الأوكرانية" و"المساعدة الأمريكية لأوكرانيا"، "نشاط مجموعة فاغنر في إفريقيا"، "كيفية إرسال المساعدة العسكرية للکيان الصهيوني إلى أوكرانيا"، "العلاقات بين الإمارات وروسيا"، "قلق كوريا الجنوبية من استخدام الذخيرة المرسلة إلى الولايات المتحدة في أوكرانيا".
كما وردت في هذه الوثائق تقارير عن أنشطة ما يسمى التحالف الأمريكي ضد داعش، والخطط العسكرية البريطانية ضد الصين، ومواقف حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط وأوروبا فيما يتعلق بروسيا، وبرنامج إيران النووي، برنامج كوريا الشمالية الصاروخي والارهاب.
إضافة إلى تجسس أمريكا على أصدقائها الاستراتيجيين وهو أمر غير مسبوق بالطبع، فإن عدم قدرة واشنطن على الحفاظ على سرية المعلومات الخاصة بالدول الأخرى الموجودة لدی واشنطن، زاد من مخاوف هذه الدول.
على سبيل المثال، في أحد تقارير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) التي تعود إلى ما قبل 40 يومًا، قام رؤساء جهاز التجسس الموساد بالتحريض على الاحتجاجات ضد الإصلاحات القضائية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أيضًا، وفقًا لوثيقة أخرى، تخطط بريطانيا لإرسال إحدى حاملات طائراتها إلى جنوب المحيط الهادئ، لمنع نفوذ الصين في هذه المنطقة. کما أن تقييم وكالات الاستخبارات الأمريكية للحلفاء والمنافسين العالميين، هو موضوع آخر يمكن رؤيته في هذه الوثائق المنشورة.
تنص إحدى الوثائق على أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي تعد بلاده عضوًا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، تربطه علاقات وثيقة مع روسيا، ويعتبر أمريكا أحد أهم الأعداء الجيوسياسيين لبلاده.
أو في وثيقة أخرى، تم ذكر تفاصيل جهود مجموعة فاغنر الروسية لإقامة اتصال مع الحكومة الهايتية. كما أن التفاصيل المتعلقة بالتعاون بين موسكو وأبوظبي في مجال افتتاح مركز إصلاح أسلحة روسية الصنع في الإمارات، جذبت اهتمام وكالات المخابرات الأمريكية.
خداع موسكو لواشنطن
وصفت صحيفة نيويورك تايمز نشر هذه المعلومات بأنها مشكلة في جهاز الأمن الأمريكي، بل قالت إن مسؤولي إدارة بايدن كانوا يحاولون حذف منشورات ومحتويات هذه الوثائق على الشبكات الافتراضية حتى مساء الخميس الماضي، لكنهم لم ينجحوا.
أيضًا، وفقًا للمحللين، من الصعب تحديد تأثير تسريب هذه الوثائق على الشبكات الاجتماعية على عملية الحرب في أوكرانيا. لكن من وجهة نظر مخطط الحرب أو محلل الاستخبارات، ستزود هذه الوثائق القوات الروسية بالعديد من القرائن لتحليل مستقبل الحرب.
على سبيل المثال، تشير الوثائق إلى تكلفة صواريخ هيمارس، وتقدّم صورةً أوضح إلى حد ما عن عدد الصواريخ التي يستخدمها الجيش الأوكراني. وهي الصواريخ التي قدمتها الولايات المتحدة للجيش الأوكراني، لكن لم يُعرف بعد عدد هذه الصواريخ التي يمتلكها الأوكرانيون، ولم تحدد الولايات المتحدة بعد بالضبط عدد صواريخ هيمارس التي أعطتها للأوكرانيين.
كما ستوفر الوثائق المسربة معلومات قيمة أخرى، مثل عدد القوات الأوكرانية وتفاصيل عسكرية أخرى لوكالات الأمن والاستخبارات الروسية.
في بعض الوثائق، کتب عنوان "سري للغاية"، وتشير إحدى هذه الوثائق إلى اجتماع عُقد في القاعدة العسكرية الأمريكية في فيسبادن بألمانيا بين مسؤولين أوكرانيين وأوروبيين حول الحرب، وبعد يوم واحد حضر الاجتماع أيضًا الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة.
الكشف عن الوثائق المذكورة أعلاه هو أول انتصار كبير لموسكو في حرب المعلومات ضد الغرب، بالتزامن مع حرب أوكرانيا. من ناحية أخرى، من المرجح أن يؤدي الكشف عن مثل هذه المعلومات حول التعاون العسكري بين أوكرانيا والولايات المتحدة في الحرب ضد روسيا، إلى الإضرار بالتعاون الاستخباراتي بين أوكرانيا والولايات المتحدة.
وفي حين أن ناشر هذه الوثائق غير معروف حتى الآن، يقول مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في معهد سي إن إي للأبحاث، حول الكشف عن هذه الوثائق: "سواء كانت هذه الوثائق أصليةً أم لا، يجب على المرء أن يتوخى الحذر بشأن كل ما تنشره المصادر الروسية".
