الوقت_ مؤخراً، تحدث المركز العربيّ لتطوير الإعلام الاجتماعيّ "حملة" عن نتائج مؤشر العنصرية والتحريض في المحادثات العامة المنشورة باللغة العبرية على الانترنت خلال عام 2022، والذي شهد وفقاً للمعلومات ازدياداً ملحوظاً بحجم الخطاب العنيف تجاه الجمهور العربيّ والفلسطيني، بالتزامن مع تصاعد إجرام العدو الصهيونيّ الوحشيّ الذي لا يكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، واتهام المنظمات الدوليّة "إسرائيل" بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، مع التشديد على أنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في أعقاب المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق أصحاب الأرض، والأخبار التي تأتي من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة خيرُ دليل على ذلك، حيث ارتفع الخطاب العنيف بما قُدر بـ %10 مقارنة بعام 2021، ووصل عدد المنشورات ذات المحتوى المحرض على العنف المنشورة عبر الشبكات باللغة العبرية إلى 685 ألف محادثة، مقارنة ب 620 ألف منشور مماثل خلال العام 2021.
أشارت المعلومات التي نشرها المركّز العربي إلى أنّ أشكال الخطاب العنيف المنتشر باللغة العبرية تنوعّت وأظهر ازديادًا واضحًا في نسبة الخطاب العنصريّ ضد العرب والشعب الفلسطينيّ والذي وصلت نسبته إلى 39% من مجمل خطاب العنف، وجاء 20% من هذا الخطاب على شكل محتوى تحريضيّ، و41% شتائم موجهة ضد العرب وأبناء فلسطين، ما يضع العدو الغاشم ومن يدور في فلكه في دائرة ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، في شهادة دولية قويّة ومحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، وإنّ ذلك يستدعي تحمل المجتمع الدوليّ لمسؤولياته الفوريّة تجاه فلسطين، ومساءلة تل أبيب على جرائمها المتعددة وتحريضها ضد الشعب الفلسطينيّ.
وفي الوقت الذي بات من الضروريّ مراجعة هذا التقرير بعناية والنظر في توصياته على المستوى العربيّ والدوليّ، وتذكير الدول بالتزاماتها القانونيّة بموجب القانون الدوليّ، للجم خروقات الكيان المُعتدي، تشير النتائج إلى أنّ الارتفاع في الخطاب العام ضد المجتمع الفلسطيني في الانترنت يرتبط بالاعتداءات المختلفة التي تحدث على أرض الواقع، وتصاعد العنف في فلسطين المحتلة في ظلّ تواجد حكومة بينيت – لابيد الإسرائيليّة، حيث بلغت ذروة الخطاب العنصريّ خلال عام 2022 في أشهر آذار (مارس) ونيسان (أبريل) وأيار (مايو)، ويرتبط هذا بأحداث بئر السبع ومركز فلسطين، فيما كان شهر أيار (مايو) الشهر الأكثر عنفاً رقمياً في أعقاب إعدام الصحفية الشهيرة شيرين أبو عاقلة التي كانت تعمل في قناة الجزيرة القطرية وقُتلت بنيران الجيش الإسرائيليّ في جنين.
وعلى هذا الأساس، يتصاعد معدل انتشار خطاب العنف بأشكاله المختلفة عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، فقد انتشر 51% من هذا الخطاب عبر منصة (تويتر) “Twitter” وبذلك تكون المنصة قد حافظت على أعلى نسب من انتشار العنف والتحريض عليه على غرار السنوات الماضية، ويتزامن ذلك مع تسارع المخططات الاستيطانيّة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال القاتل واغتيال أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967، ناهيك عن قيود صهيونيّة على حركة الفلسطينيين والاستيلاء على أراض مملوكة لهم لإقامة مستوطنات يهوديّة في مناطق احتلتها في حرب عام 1967 باعتبارها أمثلة على سياسات وجرائم تفرقة عنصريّة واضطهاد، بسبب تمادي قوات المحتل الأرعن بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، بالإضافة إلى ارتفاع حدّة الاستيطان الصهيونيّ والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينيّة لصالح المستوطنين في القدس والضفة الغربيّة، والتي قارب تعداد مستوطنيها 800 ألف مستوطن.
ومن الجدير بالذكر أنّ نسبة الخطاب العنيف عبر منصة (فيسبوك) “Facebook” وصلت إلى 20% من مجمل خطاب العنف، وقد ارتفعت نسبة ذلك في التعقيبات عبر مقالات الانترنت عن الأعوام الفائتة لتصل إلى نسبة 26%، في الوقت الذي لا يكف فيه جنود الاحتلال المجرم عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، إضافة إلى مساعي قوات العدو في فلسطين للهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لصالح الإسرائيليين اليهود، في تأكيد جديد على أنّ مسؤولي الكيان يرتكبون جرائم ضد الإنسانيّة ويحرضون مجتمعهم الاحتلاليّ على العنف.
وبالاستناد إلى ما ذُكر، من الضروريّ أن تتخذ شركات التواصل الاجتماعي إجراءات حاسمة لمنع انتشار خطاب التحريض والعنصرية والعنف ضد العرب والشعب الفلسطينيّ على وجه التحديد عبر المنصات المختلفة، لأن هذا النوع من المحتوى يؤدي بما لا شك فيه إلى تصاعد الاعتداءات ضدهم على أرض الواقع، وقد بيّن مركز الحملة ضمن توصياته السابقة لشركات التواصل الاجتماعي، ضرورة تطوير معجم خطاب الكراهية باللغة العبريّة واستخدامه لمراقبة هذا النوع من محتوى العنف والكراهية، وضرورة إنفاذ سياسات إدارة المحتوى بالشكل المطلوب على المحتوى الصهيوني باللغة العبرية للحد من ومنع ازدياد الاعتداءات في الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث إن مؤشّر التحريض والعنصريّة في شبكات التواصل الاجتماعيّ الإسرائيليّة ارتفع بشدّة، وهو تقرير سنوي يصدره مركز “حملة” يرصد تقاطع استخدام التسميات والكلمات العنصريّة والعنيفة ضد العرب والفلسطينيين بشكل سنويّ وعلى مدار العام.
عنصريّةٌ مقيتة
نعام جميعاً أن عنصرية الكيان الصهيونيّ الغاصب التي وصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعيّ وتتحدث عن نفسها، ي مشهد يظهر المنهج العنصريّ الذي يتبعه الاحتلال الصهيونيّ مع أصحاب الأرض والمقدسات، ومن لا يعلم أنّ حقوق الفلسطينيين أقل من حقوق اليهود في المنطقة بأكملها بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وأنّهم يعيشون تحت أشكال مختلفة من السيطرة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقيّة وداخل الأراضي المحتلة نفسها.
وإنّ المعلومات الأخيرة تضيف تأكيداً جديداً من الإسرائيليين أنفسهم على منهجيّة الاحتلال العدوانيّة، لأن فلسطين باتت باعتراف الإسرائيلييين أنفسهم منطقة جيوسياسيّة واحدة تحكمها حكومة واحدة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه)، بمعنى آخر "أبرتهايد" (نظام فصل عنصريّ) بين النهر والبحر.
وخلال تقسيم المناطق واستخدام وسائل سيطرة مختلفة، يخفي الكيان الصهيونيّ حقيقة أنّ ما يقارب الـ 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطينيّ يعيشون في ظلّ نظام واحد ذي حقوق غير متساوية إلى حد كبير، بل إنّه لا يوجد معيار واحد يتساوى فيه الفلسطينيّ واليهوديّ في فلسطين المحتلة، وفي السنوات الأخيرة مع ترسيخ الكيان الغاصب لاحتلاله الضفّة الغربيّة، تبنّى كتّاب إسرائيليون، وجنرالات سابقون وساسة معارضون لحكومتها اليمينيّة مصطلح “أبرتهايد” بشكل متزايد ضد كيانهم.
كذلك، إنّ الحدود التي تفصل بين الكيان والضفة الغربيّة قد اختفت منذ فترة طويلة، على الأقل بالنسبة للمستوطنين الإسرائيليين، الذين يمكنهم التنقل بحرية ذهاباً وإياباً، بينما يُلزَم أصحاب الأرض الفلسطينيين بحمل تصاريح لدخول الأراضي المغتصبة، كما أن "جهاز التخطيط" الذي أنشأه العدو للضفة الغربيّة ضمن الإدارة المدنيّة ولشرقيّ القدس عبر بلديّة القدس يكبح أيّ إمكانيّة للتطوير والبناء الفلسطينيّ، ويمنع الفلسطينيّين من بناء منازل لهم، معتبرة أنّ المهمّة الأساسيّة لهذا الجهاز هي "الهدم" عوضًا عن تخطيط البناء بما يلبّي احتياجات السكّان الحاليّة ويُعدّ لاحتياجاتهم المستقبليّة، في ظل تعنت صهيونيّ وغياب الرغبة الدوليّة، لإخراج قوات العدو من المناطق العربيّة التي احتلتها في عدوانها الهمجيّ.
في الختام، لا يمكن حصر الجرائم التي ارتكبتها آلة العدو الصهيونيّ العسكرية بحق الفلسطينيين والعرب، وإن ما ذُكر في هذا المقال لا يعدو عن كونه استرجاع تاريخيّ قريب للغاية لبعض انتهاكات العدو التي تكشف عنصريّة الكيان ودمويّته، ناهيك عن الجرائم الكثيرة التي تستهدف الأطفال والشيوخ والنساء جهاراً نهاراً، وهنا لا بدّ من القول أنّ التقارير تلك رغم أهميتها في الإضاءة على جزءٍ يسير من جرائم الصهاينة، إلا أنّها لا تُقدم ولا تؤخر إذا لم تترافق مع محاسبة عربية ودوليّة تردع "إسرائيل" عن عدوانها في مختلف الجهات.