الوقت- ظل الدور الإماراتي في اليمن طوال سنوات الحرب موضوعًا للتحليل والنقاش على مستويات مختلفة؛ إذ يبدو لغزًا مثيرًا من زوايا عدة، أهمها علاقته بالمصالح والسياسات السعودية في اليمن، وهل كان يتكامل معها، أم يشكّل منافسًا قويًا لها؟ وقد تزايد طرح هذه الأسئلة عقب انسحاب الإمارات من الحرب ضد قوات صنعاء منتصف يوليو/ تموز 2019م، مع تأكيد استمرار تحالفها مع السعودية في اليمن؛ وذلك كعنوان – فيما يبدو- للتوفيق بين الخروج من الحرب والاحتفاظ في الوقت نفسه بما تحقّق لها من نفوذ، بل ربما التوجّه لتكريس ذلك النفوذ وترسيمه بصورة نهائية، في وقت ترى السعودية أن حربها في اليمن لم تنته بعد، وأن تقاسم ما جمعه التحالف ربما لم يحن بعد، وهنا تظهر على السطح مسألة العلاقة بين الدور الإماراتي والمصالح السعودية في اليمن أكثر من أي وقت مضى.
وحول هذا السياق، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في تقرير لها يوم الجمعة الماضي، عن خلاف مكتوم بين الجارتين الحليفتين، السعودية والإمارات، مدفوع بتضارب المصالح في ملفات النفط والاستثمارات الخارجية ومسارات الحرب في اليمن.
وسجّل معدّا التقرير، في هذا السياق، الاستنكاف المتبادل بين قادة السعودية والإمارات عن حضور مؤتمرين دوليين كبيرين عقدا تباعاً في البلدين، وشهدا مشاركة أطراف إقليمية رئيسية، مثل قطر ومصر والأردن. ووفق التقرير، يتعلّق المؤتمر الأول بقمة قادة الشرق الأوسط التي استضافتها أبوظبي في يناير الماضي، وغاب عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ ليبادله رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد الغياب حينما استضافت الرياض القمة الصينية العربية في الشهر اللاحق.
وحسب الصحيفة، فإنّ الخلافات تراكمت خلف الأبواب المغلقة، لكنها بدأت شيئًا فشيئًا تتسرب إلى العلن، وتنذر بـ"إعادة تشكيل التحالفات في خليج غني بالنفط، في الوقت الذي تحاول فيه إيران ممارسة المزيد من النفوذ على امتداد المنطقة، بينما ترتفع أسعار المحروقات بفعل الحرب الروسية في أوكرانيا، التي عكّرت كذلك عملية اتخاذ القرار في منظمة الدول المنتجة للنفط أوبك".
وتنقل الصحيفة عن مصادر مطّلعة على القضية أنّ مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، وهو المقرّب من محمد بن سلمان، زار السعودية عدة مرات للقاء الأخير من أجل مناقشة الملفات الخلافية، أحدها كان بعد قمة أبوظبي في يناير؛ لكنه لم يتمكّن من تأمين مقابلة مع ولي العهد السعودي. وتشير الصحيفة إلى أنّ الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي، اللذين كانت تجمعهما علاقة وطيدة، بدءا بالتباعد تدريجيًّا مع اختلاف وجهات النظر حول القيادة، ومع تجنّب بن زايد حقيقة وقوع بن سلمان تحت "تدقيق" مستمر دوليًّا.
اليمن مركز الخلاف
ووفق مصادر الصحيفة، فإن الخلاف الأشد يتركز حول اليمن، حيث يشكّل البلدان البقية الباقية من "التحالف العربي" الذي تشكّل في عام 2015. وتنقل الصحيفة عن مسؤولين خليجيين أن الإمارات، التي سحبت قواتها البرية عام 2019، لا تزال تخشى التهميش في القرارات المتعلقة بمستقبل الصراع هناك، بينما تجري السعودية محادثات مباشرة مع حكومة صنعاء بشأن إنهاء الحرب. وتنقل "وول ستريت" أنّ غاية الإمارات هي الإبقاء على موطئ قدم لها في الساحل الجنوبي للبلاد، وتوجيه موارد القوة إلى البحر الأحمر من أجل تأمين الممرات البحرية بين موانئها والعالم.
قاعدة عسكرية إماراتية جنوب اليمن
وحسب ما يكشف مسؤولون خليجيون للصحيفة، فإنّ الإمارات وقّعت اتفاقية أمنية مع الحكومة المدعومة من السعودية تتيح لقواتها التدخل في حالة وجود "تهديد وشيك"، وتدريب "قوات يمنية" في الإمارات، وتعميق التعاون الأمني، وكذلك بناء قاعدة عسكرية ومدرج في جزيرة قرب باب المندب، عند الحافة الجنوبية للبحر الأحمر.
ووفق المصادر ذاتها، فإنّ المسؤولين السعوديين اعترضوا سرًّا على الاتفاق الأمني والخطط الخاصة ببناء قاعدة عسكرية، واعتبروا أن الإمارات بذلك تعمل ضد أهداف السعودية في اليمن، المتمثّلة أساسًا في تأمين حدودها ووقف هجمات قوات صنعاء بالطائرات المسيّرة والصواريخ. وردًّا على ذلك، نشرت السعودية قوات سودانية من التحالف في مناطق قريبة من مواقع العمليات الإماراتية، وهو ما اعتبره مسؤولون إماراتيون "تكتيكات ترهيب".
تحدي مكانة دبي
ويُعيد المسؤولون الإماراتيون إياهم الخلاف إلى 2018، العام الذي قتل فيه الإعلامي السعودي جمال خاشقجي وتكشّفت خيوط القضية على الملأ؛ وهو ما دفع قادة الإمارات لإعادة النظر في مدى القرب من محمد بن سلمان. لاحقًا، في عام 2019، شعر السعوديون بأن شركاءهم الإماراتيين تخلّوا عنهم حينما أعلنوا سحب قواتهم العاملة على الأرض في اليمن.
وحسب مسؤولين دبلوماسيين سابقين، فإن مصالحة السعودية مع قطر مطلع عام 2021، بعد أن ضغطت الأولى لإتمام هذا الملف سريعًا، أزعجت أبوظبي، التي كانت المبادر إلى الدفع نحو مقاطعة قطر وحصارها. وما عمّق الخلاف خلال كل تلك السنوات الماضية، هو أنّ الإماراتيين بدؤوا ينظرون بارتياب إلى مساعي السعودية لاستقطاب الشركات الأجنبية واستضافة مقارها في المملكة، إذ من شأن ذلك أن يمثّل تحدّيًا لمكانة دبي، الإمارة التي تعدّ مركز الأعمال الدولي في الشرق الأوسط
تقاطع النفوذ الإماراتي السعودي
في عام 2016، جرى حديث أن الإمارات والسعودية تقاسمتا بالفعل العمل في اليمن حيث تشرف أبوظبي على عمليات التحالف جنوب اليمن وساحل البحر الأحمر -بعد خسارة ثقيلة للسعودية أدت إلى وفاة واحد من أبرز قادتها بقصف تبنته قوات صنعاء قرب باب المندب وهو العقيد عبدالله السبهان- وتشرف الرياض على العمليات العسكرية ضد قوات صنعاء شمال ووسط وشرق اليمن. وهو ما فتح الباب بالكامل لأبوظبي لبناء أهدافها وطموحاتها في اليمن منذ بدء إشرافها على المحافظات المحررة جنوب اليمن.
بدأ الانفصاليون يتحركون كسلطة مع تزايد ضغوط الإمارات على حكومة الفنادق في تعيينهم بمناصب مهمة 2016م. وشكل انعدام الأمن ونشاط التنظيمات الإرهابية مبرراً للإماراتيين لبناء تشكيلات شبه عسكرية موازية للسلطة الشرعية، من بين هؤلاء منير العشملي اليافعي والذي لعب دورًا رئيسيًا في تشكيل تلك التشكيلات شبه العسكرية المدربة والمجهزة من الإمارات والتي عُرفت "بالأحزمة الأمنية" و"النُخب". وعادة ما اعترف "عيدروس الزُبيدي" الذي كان محافظاً لعدن وعدد من المحافظين الذين عيّنهم عبدربه منصور هادي بضغط إماراتي بنيتهم "انفصال جنوب اليمن".
الإمارات مهتمة بشكل أساسي بالسيطرة على جنوب اليمن بالذات على موانئ الجنوب والغرب، وخاصة ميناء عدن الاستراتيجي، لتأمين سيطرتها على خطوط الشحن التجارية في المنطقة؛ كما أنها مهتمة بالوجود قرب مضيق باب المندب الحيوي وجزيرة سقطرى التي يمكن أن تصبح قاعدة عسكرية وغرفة عمليات متقدمة لقوتها في خليج عدن والقرن الافريقي. كما تسعى أبوظبي وراء التواجد بالقرب من مضيق باب المندب لحماية مصالحها المتعلقة بالشحن والتجارة وإظهار ذاتها كقوة صاعدة في المنطقة، وتأمل أن تكون الشريك الأقوى لأمريكا في مكافحة الإرهاب ، كما أنها ترى في ميناء بلحاف النفطي في شبوة الذي يصدر منه الغاز المسال بوابة لمنافسة إيران وقطر في سوق الغاز الطبيعي.
الإمارات والسعودية كلتاهما تبحثان عن منافذ على البحار المفتوحة جنوبا بعيدا عن تهديدات إيران باغلاق مضيق هرمز، فالرياض مهتمة بـ"المهرة" لكونها تريد بناء ميناء نفطي هناك ، لكنها ترى في مناطق الشرق بشكل عام الجوف مأرب شبوة حضرموت المهرة مناطق نفوذ وأمن قومي لها. ويبدو أن تقاطع النفوذ بين أبوظبي والرياض في نقاط حمراء تشمل بلحاف في شبوة والمكلا في حضرموت وسقطرى ، كما أن السعودية والشرعية اليمنية بموافقتهما على التهدأة في الحديدة عرقلتا حسم قوات موالية للإمارات المعركة هناك ومنع ذلك سيطرتها على أهم ميناء يمني، وقد يكون ذلك الحدث عاملاً من عوامل استعجال أبوظبي في تفجير الأوضاع جنوبا كردة فعل انتقامية واسعة لا تقتصر السيطرة على الجنوب، بل هناك استعدادات لقوات في الساحل الغربي تابعة لها لاقتحام مناطق في أكبر المحافظات سكانا وهي تعز.