الوقت - لطالما كانت السفارات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، جزءًا من أدوات الاستخبارات والتجسس لهذا البلد.
إضافة إلى ذلك، خلال الفترة الأخيرة، وسعت أمريكا دور دبلوماسييها إلى أبعد من مهمتهم الرئيسية، وتشمل المهام الجديدة لهؤلاء الدبلوماسيين جمع المعلومات من دول العالم؛ حيث يبدأ موظفو السفارات في جمع المعلومات من بطاقات الائتمان وأرقام جوازات السفر وجداول العمل، وغيرها من المعلومات الشخصية من كبار المسؤولين الأجانب.
ويبرر المسؤولون الأمريكيون ذلك بأن الدور الاستخباراتي لدبلوماسيي هذا البلد هو جزء من السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا ما يفعله الدبلوماسيون الأمريكيون منذ سنوات.
ما هي مهمة السفارة الأمريكية في بيروت؟
في غضون ذلك، فإن مهام السفارات الأمريكية في المنطقة وفي دول مثل العراق ولبنان مهمة للغاية، وربما يمكن القول إن الشيء الوحيد الذي لا يتم القيام به في هذه السفارات هو النشاطات الدبلوماسية.
السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد، هي في الواقع ثكنة عسكرية ومقر للتآمر ضد العراقيين، وعلى وجه التحديد مجموعات المقاومة في هذا البلد. والأميركيون ينتهكون سيادة العراق بشتى الطرق متى شاؤوا من خلال سفارتهم، دون الالتفات إلى القواعد الدبلوماسية.
لكن مهمة السفارة الأمريكية في لبنان مختلفة عن العراق في مجموعة من الأبعاد. للدبلوماسيين الأميركيين المتواجدين في لبنان تأثير خاص على المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، إلى الحد الذي يمكنهم فيه إصدار الأوامر للمسؤولين، بمن فيهم وزراء هذا البلد، وتهديدهم.
إن إضعاف مكانة حزب الله ومواجهته بأشكال مختلفة، هو الهدف الأهم الذي سعت السفارة الأمريكية في بيروت إلى تحقيقه طوال العقدين الماضيين.
كما يتمتع سفراء الولايات المتحدة بسلطة كاملة للتدخل في جميع أنواع الشؤون السياسية والأمنية في لبنان. کذلك، فهم مسؤولون عن تنظيم الحملات بذرائع مختلفة، بما في ذلك الاجتماعية والإنسانية، وما إلى ذلك، ولديهم العديد من شبكات الاتصال والمنصات الإعلامية في مناطق مختلفة من لبنان.
ولهذا السبب، يمكن دائمًا رؤية آثار أقدام أمريكا في أي نوع من الأحداث السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها في لبنان.
وبعبارة أخرى، فإن أمريكا كواحدة من أكبر الفاعلين الأجانب في الساحة اللبنانية، تقوم بمهام التدخل في هذا البلد من خلال دبلوماسييها، وعلى وجه التحديد سفراؤها.
معظم السفراء الأمريكيين في لبنان كانوا من النساء في العقدين الماضيين، وقد خلفت السيدة دوروثي شيا، وهي دبلوماسية أمريكية نشطة، السيدة إليزابيث ريتشارد، السفيرة الأمريكية السابقة في لبنان، في 6 مارس 2020.
من المناصب التي شغلتها دوروثي شيا يمکن الإشارة إلی أنها کانت نائبة رئيس الديبلوماسيين بالسفارة الأمريكية بالقاهرة، نائبة رئيس القنصلية الأمريكية في القدس، عضوة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، المستشارة السياسية والاقتصادية للسفارة الأمريكية في تونس، المسؤولة السياسية في السفارة الأمريكية في تل أبيب، مديرة دائرة الديمقراطية وحقوق الإنسان بمجلس الأمن القومي، والنائبة الخاصة المسؤولة عن جرائم الحرب في وزارة الخارجية الأمريكية. إنها من المتطرفين اليمينيين في أمريكا وتجيد اللغة العربية أيضًا.
دوروثي شيا سكرتيرة الدبلوماسيين الأمريكيين في لبنان
أثارت دوروثي شيا، التي تقترب من نهاية مهمتها في بيروت، الكثير من الانتقادات في لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب سلوكها التدخلي، لكن الحقيقة هي أن دور شيا كان تحت تأثير الأنشطة المتزايدة لدبلوماسيين أميركيين آخرين في قضايا لبنانية مهمة. وبعبارة أخرى، في منصبها كسفيرة في بيروت، لعبت دوروثي شيا دور السكرتيرة لدبلوماسيين أميركيين آخرين.
لعبت دوروثي شيا نوعًا من الدعاية ودور السكرتيرة لأشخاص مثل "ديفيد شينكر"، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق، و"عاموس هوكشتاين" كبير مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية بشأن أمن الطاقة.
كان ديفيد شينكر مسؤولاً عن ما يسمى بمشروع "التغيير"، وأدار مجموعات تهدف إلى تغيير الهيكل السياسي للبنان وفقاً للمصالح الأمريكية. وعمل هوكستين أيضاً مبعوثاً أمريكياً في قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
حتى عندما وعدت دوروثي شيا بحل أزمة الوقود والكهرباء في لبنان عن طريق نقل الطاقة من مصر والأردن إلى لبنان، أعلن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أن هذه الوعود ليس لها مصداقية ولا ضمان لتنفيذها.
ولهذا السبب، يعتقد الكثيرون أن تعيين دوروثي شيا في منصب نائب ممثل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، يعتبر امتيازًا وترقيةً لها.
من هي المديرة الجديدة لغرفة العمليات الأمريكية في لبنان؟
لكن قبل أيام، أعلن البيت الأبيض لوزارة الخارجية اللبنانية أن السيدة "ليزا جونسون" ستحل محل دوروثي شيا في السفارة الأمريكية في بيروت.
إن إلقاء نظرة على سجل ليزا جونسون، يظهر أن الولايات المتحدة تعتزم إجراء تغيير كبير في نهجها تجاه لبنان. ليزا جونسون ليست مثل إليزابيث ريتشارد أو مورا كونيلي أو ميشيل سيسون أو دوروثي شيا، سفيرات الولايات المتحدة السابقات في بيروت.
ليزا جونسون مرتبطة بدوائر صنع القرار في حكومة الولايات المتحدة، ويتم تنفيذ مهامها في مناطق حساسة من العالم. أماكن مثل إفريقيا، حيث المنافسة الشديدة والصراع بين أمريكا والصين. كما مثلت ليزا جونسون بلادها في بروكسل في مكتب الأمين العام لحلف الناتو.
منذ عام 2001، عملت ليزا جونسون مديرةً لمجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ومديرة المكتب السياسي العسكري الإسرائيلي لشؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية.
كما شغلت منصب المشرفة على مركز العمليات في هذا المكتب، ونائبة قائد مدرسة الضباط الأمريكية ومستشارته للشؤون الدولية، ومديرة مكتب إفريقيا والشرق الأوسط في مكتب الشؤون الدولية لمكافحة المخدرات.
هذه الدبلوماسية الأمريكية البارزة تعرف لبنان جيداً، وعملت في السفارة الأمريكية في بيروت من 2002 إلى 2004. كما تربطها علاقات حميمة وعميقة مع مختلف المسؤولين اللبنانيين. ومن النقاط البارزة في أنشطة وسلوك ليزا جونسون، أنها نادرًا ما تظهر أمام وسائل الإعلام، وليس لديها حتى صفحة تحمل اسمها الحقيقي على الشبكات الاجتماعية.
وبينما كانت دوروثي شيا مهتمةً بشدة بالتواجد في وسائل الإعلام وأنشطة الدعاية والسلوك المثير للجدل، فإن ليزا جونسون حذرة للغاية وتولي الكثير من الاهتمام للأنشطة السياسية والأمنية.
ما أدار أداء دوروثي شيا في لبنان كان عقلًا دعائيًا إعلاميًا، أراد تعويض تضاؤل الوجود والتأثير الأمريكي في الشرق الأوسط بالدعاية الإعلامية والافتراضية. هذا بينما يدير عقل أمني وعسكري أداء ليزا جونسون.
هناك عدد قليل من المقابلات القصيرة لجونسون على موقع يوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تظهر أنها تكرر سلسلةً من العبارات المختصرة والمعدة مسبقًا في كل مرة. ومضمون هذه العبارات هو: "إن محاربة الفساد ليست مرتبطةً فقط بالحكومة، وواجب الحكومة هو تعزيز الديمقراطية وتوفير العدالة الاقتصادية وإلخ. واجبنا دعم الناس ونتعاون مع المجتمعات المدنية."
لكن العبارة الأكثر أهميةً التي تستخدمها ليزا جونسون في تصريحاتها، هي "أنا فخورة بالعمل مع شركاء الولايات المتحدة لتمكين التدريب وتبادل المعلومات."
يحتل تبادل المعلومات مكانةً مهمةً في خطاب ليزا جونسون. كما أنها استخدمت عبارات متكررة في كل دولة عملت فيها كممثلة للولايات المتحدة، مثل "لقد تعلمت الكثير من ثقافتكم الغنية، فنحن دائمًا حريصون على بناء مجتمع ديمقراطي ومحاربة الفساد واحترام سيادة القانون".
ولدت ليزا جونسون في واشنطن العاصمة عام 1967، ودرست العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا بعد حصولها على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة ستانفورد، ثم أنهت دراستها في مجال استراتيجية الأمن القومي في مدرسة الضباط. ودخلت الأنشطة الدبلوماسية الأمريكية في عام 1992، وبدأت مهمتها كمستشار أول لمكتب نائب الرئيس لجنوب ووسط آسيا.
كما ذكرنا، كانت هذه الدبلوماسية الأمريكية حاضرةً في لبنان من 2002 إلى 2004، أي الفترة التي كان فيها "فينسنت مارتن" سفيراً لأمريکا في هذا البلد.
يعتقد الكثيرون أن ليزا جونسون تشبه إلى حد بعيد "جيفري فيلتمان"، السفير الأمريكي الأسبق في لبنان، في تصرفاتها وسلوكها السياسي. كان فيلتمان دبلوماسيًا غامضًا ومتخفيًا، تابع المشاريع السياسية والأمنية الأمريكية في لبنان بعيدًا عن التغطية الإعلامية.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على انتهاء مهمة فيلتمان في لبنان، إلا أنه لا يزال حاضرًا في الدوائر السياسية والاجتماعية في هذا البلد، وكان أحد منظمي احتجاجات أكتوبر 2019 في لبنان.
إن اختيار أمريكا ليزا جونسون بهذه الخصائص والخلفية السياسية كسفيرة جديدة لها، أو بالأحرى رئيسة غرفة العمليات الأمريكية في بيروت، تظهر أن الأمريكيين يحاولون تغيير استراتيجيتهم في لبنان والخروج من مرحلة الدعاية، وهم يعتزمون دفع مشاريعهم في هذا البلد بحذر أكبر.