الوقت- اتهمت روسيا الخميس الاتحاد الأوروبي بتأجيج “المواجهة الجيوسياسية” من خلال إرسال بعثة مدنية لمراقبة الحدود المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان، وهي منطقة تعتبرها روسيا ساحتها الخلفية. وقالت الخارجية الروسية إن الاتحاد الأوروبي أصبح “داعمًا للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ويقود سياسة المواجهة في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي”، معتبرة أن المهمة الأوروبية في أرمينيا “لن تؤدي إلا إلى تأجيج المواجهة الجيوسياسية في المنطقة وتزيد حدّة التناقضات الحالية”.
وموسكو هي الوسيط التقليدي في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان منذ تسعينيات القرن الماضي، وبعد حرب عام 2020 نشرت بعثة لحفظ السلام في منطقة ناغورني قره باغ التي تتنازع عليها باكو ويريفان. لكن النفوذ الروسي في المنطقة شهد تراجعاً واضحاً بسبب المنافسة الجيوسياسية الغربية والتركية، وأيضاً بسبب هجومها على أوكرانيا الذي يقلق جيرانها. ورأت موسكو أن الاتحاد الأوروبي يسعى من خلال إرسال مهمّته إلى “تقويض جهود الوساطة الروسية”. وقالت الخارجية الروسية في بيانها إن الموقف المبدئي لروسيا فيما يتعلق بتثبيت "عامل من خارج الإقليم" في منطقة القوقاز، لم يتغير إذ لا ترى موسكو أي "قيمة مضافة" في إشراف "خبراء" الاتحاد الأوروبي على التطورات في منطقة الحدود الأرمنية الأذربيجانية.
وقال البيان: "إذا كانت بروكسل مهتمة بصدق في السلام في منطقة القوقاز، فكان عليها أن تنسق شروط عمل بعثتها مع أذربيجان".وأشار البيان إلى أن "الاتحاد الأوروبي، الذي تحول إلى كيان تابع للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يتبع سياسة المواجهة في فضاء رابطة الدول المستقلة، ليس من شأن ظهور ممثلين عنه في منطقة الحدود الأرمنية الأذربيجتنية، أن يجلب سوى المواجهة الجيوسياسية إلى المنطقة وأن يفاقم التناقضات القائمة هناك".وشدد البيان على أنه "لا ينبغي أن ينخدع أحد بالطبيعة المدنية المعلنة لبعثة الاتحاد الأوروبي، إذ يتم تشكيلها في إطار سياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي مع ما يترتب على ذلك من عواقب".
وأشارت الخارجية الروسية إلى أن "محاولات الاتحاد الأوروبي لكسب موطئ قدم في أرمينيا بأي ثمن، للضغط على جهود الوساطة الروسية، يمكن أن تضر بالمصالح الأساسية للأرمن والأذربيجانيين في تطلعاتهم للعودة إلى التنمية السلمية في المنطقة.
وأعربت الخارجية الروسية عن قناعتها بأن العامل الرئيسي للاستقرار والأمن في المنطقة في المستقبل المنظور هو "انتشار وحدة حفظ السلام الروسية على أساس البيان الذي وقعه قادة روسيا وأذربيجان وأرمينيا في 9 نوفمبر 2020، وكذلك عناصر حرس الحدود الروس الذين يخدمون على الحدود الأرمنية"، مؤكدة أنهم "سيردون على سلوك مراقبي الاتحاد الأوروبي مع الأخذ في الاعتبار تطور الوضع على الأرض". وأضاف البيان إن موسكو "سجلت أن يريفان،دون أن تكمل العمل على إرسال بعثة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، فضلت خيارا لصالح الاتحاد الأوروبي"، مشيرة إلى أنه "إذا ظل الحلفاء الأرمن مهتمين باستخدام قدرات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، فيمكن نشر بعثتها في أرمينيا على وجه السرعة".
ويبذل الأوروبيون محاولاتهم الخاصة للتوسط بين أرمينيا وأذربيجان منذ شهور، لكنّ البعثة التي سينشرها الاتحاد الأوروبي لم تحصل على موافقة من الجانب الأذربيجاني. من جانبها، قدمت الولايات المتحدة دعمها لمهمة الوساطة الأوروبية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل “نرحب بالجهود التي يبذلها شركاؤنا، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، لبناء الثقة في المنطقة وضمان بيئة مواتية للحوار المباشر بين أرمينيا وأذربيجان”. وحض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أذربيجان هذا الأسبوع على رفع الحصار عن ناغورني قره باغ.
من جهتها، دأبت أرمينيا منذ أسابيع على إدانة تقاعس روسيا التي لم تفعل بعثتها لحفظ السلام شيئًا لمنع استمرار الحصار المفروض على ناغورني قره باغ، حسب قولها. ومنذ أكثر من شهر، يُقدم أذربيجانيون أنفسهم على أنهم نشطاء بيئيون يتظاهرون ضد الألغام غير القانونية، على إغلاق طريق حيوي يربط أرمينيا وناغورني قره باغ. وبسبب هذا الإغلاق، يعاني الجيب الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 120 ألف نسمة غالبيتهم أرمن، من انقطاع التيار الكهربائي والإنترنت، فضلاً عن مشاكل في التدفئة والوصول إلى الغذاء والدواء. واستنكر رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان خلال اجتماع حكومي الخميس ممارسة أذربيجان “سياسة تطهير عرقي”، متهما باكو بتسليط “ضغوط اقتصادية ونفسية لدفع الأرمن للخروج الجماعي من قره باغ”.
ولقد عزّز الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهودهما الخاصة إبان تشتيت موسكو، وذلك بغرض الوساطة في سلامٍ دائم وبناء نفوذٍ داخل دول القوقاز. حيث التقى باشينيان بنظيره علييف، في أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، خلال اجتماعات نظمها الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن لقاء وزيري خارجية البلدين في واشنطن، بشهر نوفمبر/تشرين الثاني. ووصف المحللون المسارين التفاوضيين بأنهما غير اعتياديين، حيث تقود روسيا المسار الأول، ويقود الاتحاد الأوروبي المسار الثاني. بينما تخوض موسكو ودول الغرب صراعاً هو الأكثر حدة منذ عقود. لكن تويفو كلار، المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى جنوب القوقاز، قال خلال مقابلةٍ إنه يتواصل مع نظيره الروسي إيغور خوفاييف، وإنه عقد اجتماعين شخصيين معه في الخريف الماضي. وقال كلار: "هناك مساحة أكبر أمام أرمينيا وأذربيجان لتجاوز هذا الصراع وسط الظروف الراهنة، لكن السؤال المطروح هو ما إذا كان بإمكانهما استغلال هذه الفرصة أم لا"
وفي صباح يوم 15 سبتمبر 2022، بادرت الحكومة الأرمينية إلى إعلان التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد؛ وذلك عقب خرق آخر اتفاق لوقف إطلاق النار، الذي رعته روسيا في الثالث عشر من سبتمبر. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن هوية الوسيط، والظروف المحيطة بهذا الاتفاق الجديد، فإن مبادرة أرمينيا إلى الإعلان عن وقف إطلاق نار، يُظهر الموقف الصعب والضغط الكبير الذي تتعرَّض له الحكومة في يريفان، داخلياً وخارجياً، من أجل تهدئة التوتر الأخير. من ناحية أخرى، يظهر قبول أذربيجان باتفاق وقف إطلاق النار الجديد، رغبة باكو الحثيثة في إنفاذ اتفاق زيادة واردات الغاز الأذري إلى الداخل الأوروبي من ناحية، إلا أنه من ناحية أخرى، تؤكد الحكومة الأذرية من خلال سياسات التصعيد الأخيرة، أنها لن تقبل استمرار الحياد الأوروبي تجاه الأزمة، الذي يصل أحياناً إلى حد مناصرة أرمينيا على حساب مصالح أذربيجان. ولكن مع ذلك، يظل صمود وقف إطلاق النار أمراً مشكوكاً فيه في ظل الأزمات الدولية الراهنة، علاوةً على أن محفزات الصدام والعداء بين الدولتَين لا تزال قائمةً، ولم يتم تسويتها نهائياً.