الوقت - بينما كان من المتوقع أن يتحقق السلام والاستقرار في أفغانستان مع انسحاب القوات الأمريكية من هذا البلد بعد عشرين عامًا من الاحتلال، إلا أن الأمريكيين لم ينهوا أذاهم عن الأفغان في غيابهم، وسلبوا السلام والاستقرار عن أفغانستان من خلال فرض العقوبات. كما أعطت طالبان العذر اللازم للغربيين لتضييق الخناق على الحكومة المؤقتة لهذه المجموعة.
وقد أقام المجتمع الدولي الحجة مع طالبان، والآن الكرة في ملعب طالبان لإنقاذ أفغانستان من الوضع الذي تعيش فيه، من خلال تشكيل حكومة شاملة تريدها جميع الدول.
للنظر في الوضع السياسي في أفغانستان وتسليط الضوء عليه، تحدث "الوقت" مع السيد بهرام زاهدي، الخبير في الشؤون الأفغانية.
الوقت: بعد عام على انسحاب القوات الأجنبية، ما هو الوضع السياسي والأمني الحالي في أفغانستان؟ وهل استطاعت طالبان السيطرة على شؤون البلاد؟
السيد بهرام زاهدي: للإجابة على هذا السؤال، يجب أولاً إلقاء نظرة عامة على الوضع في أفغانستان والتاريخ السياسي المعاصر لهذا البلد، وأهم نقطة في هذه النظرة الكلية هي أنه بعد أربعين عامًا، هذه هي المرة الأولى تقريبًا التي يتم فيها تشكيل حكومة وطنية في أفغانستان.
خلال الفترة الشيوعية، كان جزء من أفغانستان تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي وأجزاء كانت تحت سيطرة المجاهدين، وبعد انتصار المجاهدين تشكل الكومنولث الإسلامي لأفغانستان لفترة قصيرة من الزمن، ولكن دخلت البلاد على الفور في حرب أهلية. واستمر هذا الوضع حتى وصول طالبان إلى السلطة، وفي ذلك الوقت كانت مناطق في شمال البلاد تخضع لسيطرة الراحل برهان الدين رباني، لكن معظم المناطق كانت تحت سيطرة طالبان.
بعد الهجوم الأمريكي الذي استمر عشرين عاماً في أفغانستان، توجهت طالبان إلى الجبال والمناطق النائية، وعلى مدار عقدين من الزمن ازدادت المناطق التي تسيطر عليها طالبان تدريجياً إلى حوالي 50٪ من البلاد، ومع رحيل الأمريكيين العام الماضي، سيطرت طالبان على الدولة بأكملها وشكلت حكومةً وطنيةً.
والآن، في ظل هذه النظرة العامة، سنناقش ما إذا كان هناك هيكل إداري وعسكري واحد في هذا البلد فيما يتعلق بالشؤون السياسية أم لا؟ رداً على هذا السؤال، يجب أن نقول نعم، هناك شيء من هذا القبيل والنظام السياسي يحكم البلاد. في الأساس، تنقسم أفغانستان إلى ثماني مناطق ولكل منها مقر مرکزي أو جيش إقليمي. وفيما يتعلق بالإدارات والمؤسسات القضائية الأخرى وما إلى ذلك، يوجد نفس الترتيب في مقاطعات مختلفة في أفغانستان.
لكن من الناحية الأمنية، لا بد من القول إن تهديد داعش يعتبر أكبر مشكلة أمنية تواجه طالبان، رغم أن داعش لا يملك أرضًا في حوزته الآن، على عكس الفترة السابقة. في عهد أشرف غني، الرئيس السابق لأفغانستان، كان داعش قد استولى على عدة أجزاء من أفغانستان، لكن التنظيم الآن لا يمكنه سوى القيام بأنشطة إرهابية. ويمكن لدول مثل أمريكا أن تساعد في تقويته من خلال وسطاء، حتى لا تصل أفغانستان إلى الاستقرار والأمن. إذن، هناك مشكلة كهذه من الناحية الأمنية، ولكن القول بأن أفغانستان معرضة لحرب أهلية وتفكك، فهذا غير صحيح.
الوقت: زعمت حركة طالبان أن العشرات من المسؤولين السابقين قد عادوا إلى أفغانستان ويتعاونون مع الحكومة المؤقتة. برأيكم کيف ستكون رؤية الحكومة الشاملة، وهل طالبان مستعدة لتقديم تنازلات في هذا المجال؟ لأن المجتمع الدولي أعلن أن الحكومة الشاملة هي الشرط الرئيسي للاعتراف بالحكومة المؤقتة لطالبان. والاعتراف بحكومة طالبان في أي مرحلة الآن؟
السيد بهرام زاهدي: صحيح أن عددًا من المسؤولين الأفغان السابقين قد عادوا إلى البلاد، لكن هؤلاء الأشخاص عادوا في الغالب إلى حياتهم الطبيعية ولا يشاركون في هيكل السلطة. ومن أجل العودة، وضعت طالبان شروطًا حيث يمكن للأشخاص الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب العودة إلى أفغانستان. وربما في المستقبل، سيتم الاستفادة من الأشخاص الفنيين والإداريين الذين كانوا في الحكومة السابقة ولم تكن لديهم مشاكل مثل المشكلة المذكورة أعلاه والفساد الاقتصادي في الحكومة.
وفيما يتعلق بعبارة الحكومة الشاملة، ينبغي القول إن هناك بعض التحديات النظرية والعملية لمتابعتها. بشكل أساسي، لم تقدم المنظمات والبلدان المختلفة تعريفًا واضحًا للحكومة الشاملة، وليس من الواضح ما تعنيه بالضبط باستخدام هذا المصطلح.
إذا نظرنا إلى الموضوع من وجهة نظر الجماعات العرقية والديانات، فقد تحقق هذا الموضوع إلى حد ما في أفغانستان، والآن يوجد في الحكومة ثلاثة نواب وزراء شيعة ووزيران طاجيك ووزير أوزبكي ووزير تركماني ووزير نورستاني، إلى جانب الأغلبية البشتونية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى نقطتين، إحداهما أن البشتون لعبوا الدور الرئيسي في صراع العشرين عامًا ضد الأمريكيين، ومن الطبيعي أن يتمتعوا بسلطة أكبر في الهيكل الحاكم بعد النصر.
والثانية، أن البشتون أنفسهم قبيلة إيرانية، وبالتالي فإن نظرة الجمهورية الإسلامية تجاه الحكومة الشاملة يجب أن تكون نظرةً وديةً تجاه جميع المجموعات العرقية الأفغانية، حيث تكون هناك شخصيات سليمة من جميع الأفغان في الحكومة، في عملية تدريجية. إنني أرکز بشكل أكبر على عبارة "الوجوه السليمة"، لأن بعض الأطراف(الغربيين) يحاولون وضع الوجوه الفاسدة للحكومات السابقة على رأس الشؤون تحت غطاء عبارة "الحكومة الشاملة"، وهذه القضية ليست صحيحةً ولا ممكنة.
يبدو أن دولًا مختلفةً الآن في مرحلة تهتم فيها بتوسيع العلاقات مع أفغانستان، لأن الاستقرار النسبي قائم هناك. ومن ناحية أخرى، فقد اقترحوا أيضًا كلمة الحكومة الشاملة، لذا فهم يبحثون عن تعريف عملي للحكومة الشاملة، حيث تتحقق رغباتهم ويمكنهم التحرك بمزيد من الانفتاح في توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية مع أفغانستان.
الوقت: في السياسة الخارجية، لم تكن تحديات طالبان، أو بمعنى آخر، الإمارة الإسلامية قليلةً خلال هذه الفترة. وفي الأشهر الأخيرة، تصاعدت التوترات بين طالبان وباكستان وأدت عدة مرات إلى اشتباكات على الحدود. ما أسباب هذه التوترات وكيف ستؤثر على العلاقات بين البلدين؟ لأن باكستان كانت تدعم طالبان دائمًا، ولكن الفجوة والخلافات ظهرت بينهم الآن.
السيد بهرام زاهدي: کانت باكستان تعلم أن طالبان لا يمكن أن تكون أداةً لهم للسيطرة على أفغانستان. إظهار طالبان بأنها قوة بالوکالة قضية أثيرت في بعض وسائل الإعلام، لكن أولئك الذين کانوا علی علم بما يدور في أفغانستان كانوا يعلمون أن الأمر ليس كذلك، وعلى الرغم من وجود تفاعلات بين طالبان وباكستان، إلا أن هذه التفاعلات لا تعني أنهم مجموعة بالوكالة.
حتى طالبان في حكومتهم الأولى لم توافق على المطلب الرئيسي لباكستان، وهو الاعتراف بخط ديورند. كان لباكستان منطقها الخاص، وفي حكومة عمران خان علی وجه الخصوص قدموا الدعم الدولي للحكومة المؤقتة لطالبان، لكن مع سقوط حكومة عمران خان ووصول شهباز شريف إلى السلطة، وهو أكثر توجهاً نحو الغرب، انخفض هذا الدعم لطالبان.
وأظهرت سلسلة الأحداث التي وقعت من قبل على الحدود بين باكستان وأفغانستان، أنه إذا كانت هناك حكومة مستقلة في أفغانستان، فستكون لديها توترات خطيرة مع باكستان. على سبيل المثال، أقيمت بعض نقاط التفتيش الباكستانية داخل أراضي أفغانستان، لكن الحكومات السابقة لأفغانستان لم تحتج بشكل جدي، إلا أن طالبان قالت إنه يجب نقل نقاط التفتيش هذه إلى أراضي باكستان. كما تسبب سلوك الباكستانيين مع المهاجرين الأفغان على حدود البلدين، في انزعاج طالبان ورد فعلهم.
هناك نقطتان مهمتان أخريان في هذه التوترات، إحداهما ما هو هدف أمريكا؟ هذا البلد يحاول زيادة مستوى التوتر بين البلدين من خلال أدواته في باكستان، وهذه القضية ستفيد أمريكا، لأنها تتسبب في خلق بيئة اقتصادية وسياسية أكثر صعوبةً في أفغانستان، لإظهار أن وجود أمريكا كان سبب الأحداث الجيدة في أفغانستان وغيابها هو سبب الأحداث المؤسفة.
والنقطة الثانية هي حركة طالبان الباكستانية، وهي عنصر مهم في العلاقات بين طالبان وباكستان. لقد زادت حركة طالبان الباكستانية من أنشطتها الإعلامية والدعاية في الأشهر الأخيرة، وتقول باكستان إن هذه الجماعة أنشأت لنفسها قاعدةً في أفغانستان. وعلى الرغم من أن حكومة طالبان قد أكدت مرارًا وتكرارًا أن أراضي أفغانستان لن تستخدم أبدًا ضد جيرانها، لكن هذه القضية يمكن أن تكون ذريعةً للحكومة الباكستانية لشن هجمات عسكرية على أجزاء من أفغانستان، کما أنها استهدفت العام الماضي أيضًا منطقةً بالقرب من الحدود، ما تسبب في رد فعل قوي من كابول.
ومع ذلك، فإن باكستان وأفغانستان مجتمعان متشابكان، والعديد من المشاكل في أفغانستان ستسبب الاضطرابات في باكستان أيضًا، ولا يوجد رجل دولة مستقل في إسلام أباد يريد انتشار الفوضى وانعدام الأمن في أفغانستان، لكن العوامل الخارجية قد تثير تصعيد التوترات بين البلدين، وتحاول طالبان بالتأكيد إظهار نوع من الاستقلال في علاقاتها مع باكستان وجيرانها الآخرين، وعدم الاستماع إلى الآخرين مثل حكومة أشرف غني، لذا إذا كان الطرف الأجنبي جشعاً، فسيزداد مستوى التوتر.
الوقت: من القضايا البارزة الأخرى في السياسة الخارجية لطالبان، قربها من الصين. کيف سيكون تأثير توسيع العلاقات مع الصين في أفغانستان؟
السيد بهرام زاهدي: سيكون للعلاقات بين الصين وطالبان تأثير مهم داخل أفغانستان والمنطقة. تتابع الصين بناء مشروع "حزام واحد طريق واحد"، وستلعب أفغانستان دورًا مهمًا في ذلك، كما أن توسيع العلاقات بين الجانبين أمر فعال أيضًا في العلاقات الدولية. وفي المنطقة أيضًا، إذا طورت إيران مناقشاتها التجارية والسكك الحديدية مع أفغانستان وارتبطت بهذه الشبكة، فسنشهد ازدهارًا اقتصاديًا في المنطقة. في أفغانستان، تعدّ المشكلة الاقتصادية هي أهم مشكلة تواجهها حكومة طالبان، ويمكن للوجود التجاري الواسع للصين أن يحل جزءًا كبيرًا من مشاكل هذا البلد.
الوقت: تتطلع طالبان إلى بعض مشاريع الترانزيت الاقتصادي الإقليمية مثل ترانس-الأفغان وتابي. ما هو تأثير تنفيذ هذه الخطط على وضع هذا البلد؟
السيد بهرام زاهدي: يمكن أن يسهم تحقيق هذه الممرات بشكل كبير في الازدهار الاقتصادي لأفغانستان، لأنها ستخلق فرص عمل وتثبت الدور الجيوسياسي لأفغانستان في المنطقة. وفي هذا السياق يجب أن نأخذ بعين الاعتبار التصريحات الأخيرة للسيد حسن كاظمي قمي، سفير إيران الجديد في أفغانستان. قال كاظمي قمي إن أفغانستان يمكن أن تكون حليفًا استراتيجيًا لإيران، وأن التفاعل والتعاون مع الحكومة الأفغانية الجديدة هو سياسة الجمهورية الإسلامية، ولتحقيق هذه القضية يجب ربط البنى التحتية للبلدين.
يمكن أن يكون لتنمية العلاقات التجارية وربط السكك الحديدية بين البلدين، إلى جانب الوجود التجاري للصين والممر العابر لأفغانستان، تأثير كبير على إيران وأفغانستان، وسيستفيد كلا البلدين من هذه البرامج. ولكن إذا تمت عرقلة طريق استقرار أفغانستان وسلامها، وكذلك توسيع علاقات دول الجوار مع كابول، فإن أمريكا ستتدخل وسنشهد أذى هذا البلد في المنطقة، والذي سيكون ضاراً بإيران وأفغانستان ودول أخرى حول أفغانستان.
يطرح الأمريكيون والغربيون بشکل عام خطابًا عطوفًا في الظاهر لشعب أفغانستان، لكن حقيقة سياسة أمريكا هي تأمين مصالحها الإمبريالية بأي ثمن، وخلال السنوات العشرين الماضية كان الثمن هو إراقة دماء مئات الآلاف من الشعب الأفغاني.