الوقت- أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أنها ستتخذ خطوات انتقامية ردا على محاولة فلسطينية إشراك محكمة العدل الدولية في الصراع المستمر منذ عقود. ومن بين هذه الإجراءات، استخدام الأموال الفلسطينية في تعويض ضحايا هجمات المسلحين الفلسطينيين وتجميد البناء الفلسطيني في بعض مناطق الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.
وفي هذا السياق قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن حكومته ستتخذ إجراءات تأتي "ردا على قرار السلطة الفلسطينية شن حرب سياسية وقانونية على دولة إسرائيل".
وتشمل هذه الإجراءات، التي قررها مجلس الوزراء الأمني في الحكومة اليمينية برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، استخدام الأموال الفلسطينية في تعويض ضحايا هجمات المسلحين الفلسطينيين وفرض تعليق على البنايات الفلسطينية في بعض المناطق بالضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح مكتب نتنياهو أن إسرائيل، التي تجمع أموال الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية، ستستخدم 139 مليون شيكل (39 مليون دولار) من أموال السلطة الفلسطينية لتعويض ضحايا هجمات المسلحين الفلسطينيين، وستقوم أيضا بخصم مبالغ توازي الرواتب التي تدفعها السلطة للفلسطينيين للذين نفذوا الهجمات وأسرهم.
وأضاف المكتب إن تجميد البناء الفلسطيني سيشمل جزءا من الضفة الغربية يسمى المنطقة (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
ومن جانبه، قال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية: "هذه العقوبات مُدانة ومرفوضة سواء خصم الأموال أو الإجراءات الأخرى".
ما هي العقوبات الجديدة وما هو تأثيرها؟
أثارت سلسلة العقوبات الإسرائيلية الجديدة بحق السلطة الفلسطينية مخاوف من انعكاسات قاسية على المستويين الشعبي والرسمي.
وتمتد العقوبات الإسرائيلية إلى أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل من المنافذ نيابة عن السلطة الفلسطينية، والتي قد يؤثر الاقتطاع منها على قدرة السلطة على صرف رواتب موظفيها.
قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر فرض 5 عقوبات على السلطة الفلسطينية، بسبب توجهها إلى المؤسسات الدولية لملاحقة إسرائيل.
ومن بين العقوبات اقتطاع نحو 40 مليون دولار من أموال المقاصة لصالح إسرائيليين تضرروا من عمليات فلسطينية، واقتطاع مبالغ مالية تعادل ما تدفعه السلطة الفلسطينية مخصصات شهرية لعائلات الأسرى والشهداء، وتقدر بنحو 600 مليون شيكل سنويا (نحو 171 مليون دولار).
ومن العقوبات أيضا سحب بعض "الامتيازات" من مسؤولين فلسطينيين، وتجميد مخططات بناء فلسطينية في المنطقة "ج"، وملاحقة منظمات أهلية فاعلة في مجال ملاحقة إسرائيل قانونيا.
وإن كانت سلطات الاحتلال تخصم شهريا مبالغ تعادل ما تصرفه السلطة للأسرى والشهداء، فإن الجديد في العقوبات هو اقتطاع أموال لصالح متضرري العمليات الفلسطينية.
كم يقتطع الكيان الإسرائيلي من أموال الفلسطينيين؟
كشف رئيس الوزراء محمد اشتية أن "مجموع الاقتطاعات المتعلقة بمخصصات الأسرى والشهداء بلغ حوالي ملياري شيكل (الدولار يساوي 3.5 شواكل) منذ بداية العام 2019 حتى نهاية 2022".
أما عن الاقتطاعات المتعلقة بالصحة والكهرباء والمياه وغيرها فقال إنها تقارب 1.6 مليار شيكل عن العام 2022 فقط.
وبيّن رئيس الوزراء أن حكومة الاحتلال تقتطع ما مجموعه 350 مليون شيكل (101 مليون دولار) سنويا بدل عمولة لتحصيل الأموال الفلسطينية "المقاصة" وتحويلها.
وأشار إلى استمرار سلطات الاحتلال في احتجاز ضريبة المغادرة عبر الجسور، والتي تبلغ أكثر من مليار شيكل.
وخلال عام 2021 بلغت إيرادات المقاصة 1.36 مليار دولار، وفق عرض مالي أمام المانحين بالعاصمة البلجيكية قدمه وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة في مايو/أيار الماضي.
وتدفع السلطة الفلسطينية شهريا نحو 300 مليون دولار أجورا وشبه أجور شهرية لنحو 240 ألف موظف ومستفيد وفق ما هو في نهاية عام 2021.
وقدر قانون الموازنة الفلسطيني للسنة المالية 2022 الإيرادات بنحو 4.954 مليارات دولار، بينها 3.057 مليارات دولار إيرادات المقاصة، في حين قدر إجمالي النفقات بنحو 5.9 مليارات دولار، بينها حوالي 2.6 مليار رواتب وأجور.
خسائر بـ50 مليار دولار للسلطة الفلسطينية خلال عشرين عاماً
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قدر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) خسائر فلسطين بنحو 50 مليار دولار بين عامي 2000 و2020 بسبب الاستيطان وتقيد التنمية الاقتصادية في مختلف المناطق الفلسطينية، وخاصة المنطقة "ج" التي تشكل حوالي 60% من الضفة الغربية المحتلة وتسيطر عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتضم جميع المستوطنات الإسرائيلية.
في المقابل، قال التقرير إن الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي -بما يشمل القدس- يساهم بالناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بمبلغ 41 مليار دولار سنويا، ما يعني 820 مليار دولار خلال المدة المحددة بالتقرير.
وصنفت اتفاقية "أوسلو 2" لعام 1995 أراضي الضفة 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية.
شرعنة السرقات الإسرائيلية
بشكل عام، تجري الاقتطاعات الإسرائيلية إما وفق اتفاقية سياسية أو بقوانين يقرها الكنيست، وأحيانا بقرارات سياسية.
ويحكم برتوكول باريس الاقتصادي الموقع في 29 أبريل/نيسان 1994 -وهو أحد ملحقات اتفاق أوسلو الذي أنشئت بموجبه السلطة الفلسطينية- أدق التفاصيل في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
وفي يوليو/تموز 2018 صدّق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون ينص على "تجميد دفع قيمة مخصصات ذوي الشهداء والأسرى والجرحى".
وأخيرا جاء قرار الحكومة الإسرائيلية يوم السادس من يناير/كانون الثاني الجاري بالاستمرار في اقتطاع ما يعادل مخصصات الأسرى يضاف إليها نحو 40 مليون دولار كتعويضات لإسرائيليين تزعم تل أبيب أنهم متضررون من العمليات الفدائية.
من المستهدف من العقوبات وما هو الرد الفلسطيني؟
تستهدف توجهات حكومة الاحتلال اليمينية الجديدة الكلَّ الفلسطيني: السلطة والفصائل والشعب
لقد كان لتوجه السلطة إلى محكمة العدل الدولية لاستصدار فتوى لتعريف الاحتلال، تأثيرا إيجابيا في القدرة أكثر على الذهاب للمحكمة الجنائية الدولية، وتعرية الاحتلال على المستوى العالمي، ودعم حركة مقاطعة إسرائيل، وفرض العقوبات على الاحتلال.
لهذا قررت دولة الاحتلال مواجهة التحرك الفلسطيني في اتجاهين: الضغط على الشعب من خلال عقوبات اقتصادية وحجز أموال المقاصة، والضغط على السلطة من خلال سحب الامتيازات.
ولكن الأخطر هو التوجه لفرض عقوبات اقتصادية على الشعب، وهذا يتطلب موقفا فلسطينيا موحدا، وإعادة بناء الجبهة الداخلية باسترجاع الوحدة الوطنية والبرنامج الموحد، وفضح الممارسات الإسرائيلية.
ولكن ما دام هناك عقوبات إسرائيلية، فمن الضروري محاكمة الاحتلال دوليا على اختلاس الأموال الفلسطينية، وفي الوقت ذاته التوجه للتقشف بتوزيع الموازنة وإعادة الهيكلة حيث تتواءم مع أي ضغوط إسرائيلية، والسعي لتفعيل شبكة الأمان العربية.
وبعد أكثر من عام على تقاضي الموظفين 80% من رواتبهم، أشار المحلل السياسي إلى أن المواطن الفلسطيني لا يستطيع تحمل المزيد من الضغوط، ولا بد من خطط مواجهة التحديات القادمة.
وفي ردها على العقوبات الإسرائيلية، تعهدت الرئاسة الفلسطينية على لسان الناطق باسمها نبيل أبو ردينة بمواصلة النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني "لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية".
أما الخارجية الفلسطينية فقالت اليوم السبت -في بيان وصل الجزيرة نت- إنها رغم إجراءات الاحتلال ستواصل قيادة الحراك الدبلوماسي والقانوني الفلسطيني ضد إسرائيل.
أما الفصائل والشعب الفلسطيني لن يكون ردهم استسلامي أو خضوع لهذه القرارات فغيرها من القرارات لم تثنهم عن مواصلة الصمود والمواجهة وهذه القرارات الأخيرة كذلك لن توقفهم عن متابعة النضال والمقاومة للوجود غير الشرعي لهذا الاحتلال وسيستمر النضال وستستمر المقاومة في عملياتها في الداخل الإسرائيلي ودماء الشهداء الذين يسقطون في الضفة أو في أي نقطة فلسطينية هي أغلى من كل الأموال التي يقتطعها الكيان الإسرائيلي.