الوقت - في العقد الثامن من التاريخ الزائف للکيان الصهيوني، تحاول سلطات تل أبيب تقوية أسس حكمها، لكن نتيجة التطورات تتعارض مع إرادة الصهاينة، وعامًا بعد عام تزداد الظروف المحلية والدولية صعوبةً بالنسبة لهذا الکيان.
بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، الذي شكّل حكومته مؤخرًا، ادعى أنه سيحسن الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي في الأراضي المحتلة، لكن بالنظر إلى تطورات العام الماضي، يرى الصهاينة المستقبل أكثر قتامةً من ذي قبل.
كان عام 2022 كارثيًا على العالم كله بسبب الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وانخرطت فيه جميع الدول، لكن الوضع بالنسبة للکيان الصهيوني كان أسوأ بكثير، لدرجة أن سلطات تل أبيب اعترفت بهذه القضية.
قرارات الأمم المتحدة
يبذل الکيان الصهيوني کل جهده لمنع انكشاف واقع فلسطين في الساحة العالمية، ويزيد دائماً حلفاءه في العالم من خلال التظاهر بأنه مظلوم. لكن هذه الجهود جاءت بنتائج عكسية، واشتداد جرائم هذا الکيان ضد الفلسطينيين دفع العالم إلى اتخاذ موقف موحد ضد الصهاينة، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح في القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة بشأن تل أبيب العام الماضي.
منذ بداية عام 2022، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على 15 قرارًا ضد جرائم واحتلال الکيان الصهيوني، وهو ما يقرب من نصف جميع قرارات هذا العام، ويظهر أن هذا الکيان خلق للعالم أزمات أكثر من غيره، وأصبح أكثر عزلةً يومًا بعد يوم.
في التاسع من كانون الأول(ديسمبر) الماضي فقط، تم إصدار ستة قرارات في الجمعية العامة ضد جرائم واحتلال هذا الکيان، والذي كان يومًا أسود للصهاينة الذين يكرههم المجتمع الدولي.
من بين القرارات المهمة للجمعية العامة للأمم المتحدة ضد الكيان الصهيوني، يمکن أن نذکر الإقرار بالطبيعة الاحتلالية للكيان الصهيوني لأرض الفلسطينيين، القرار المتعلق بقسم حقوق الفلسطينيين في الأمانة العامة للجمعية العامة، البرنامج الخاص للحصول على المعلومات المتعلقة بالقضية الفلسطينية التابع لإدارة شؤون الإعلام بأمانة الجمعية العامة، عقد اجتماع على مستوى عال بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، إصدار أمر لتل أبيب بالانسحاب من الجولان المحتل إلى حدود عام 1967، وقرار "التسرب النفطي في لبنان" في إدانة هجوم الكيان الصهيوني عام 2006 على احتياطيات لبنان النفطية ودفع التعويضات اللازمة من قبل الكيان.
أظهرت قرارات الأمم المتحدة أنه على الرغم من جهود اللوبي الصهيوني القوي، إلا أن الدبلوماسية الفلسطينية نجحت في توعية المجتمع الدولي بجرائم الکيان المنظمة ضد الفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، كتب مكتب منسق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة في تقريره الأخير، أن عام 2022 كان أكثر الأعوام دمويةً للفلسطينيين منذ 2005، حيث قتل 230 شخصًا برصاص الصهاينة هذا العام. ومن إجمالي عدد القتلى الفلسطينيين، سقط 171 شهيداً في الضفة الغربية و 53 في قطاع غزة، و 6 شهداء في الأراضي المحتلة عام 1948.
وحسب هذا التقرير، فقد اعتقل الجيش الصهيوني العام الماضي 6500 فلسطيني، ولا يزال 4700 منهم رهن الاعتقال في السجون الإسرائيلية. ويضيف التقرير إنه في عام 2022، هدمت السلطات الصهيونية حوالي 833 مبنى فلسطينيًا في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
کذلك، في عام 2022، شن المستوطنون الصهاينة 793 هجوماً، وفي 582 حالة لحقت أضرار جسيمة بالممتلكات الفلسطينية، وأصيب 211 شخصًا في هذه الهجمات.
العزلة في كأس العالم لکرة القدم
كأس العالم في قطر هو مثال آخر أزعج الصهاينة کثيراً في الأيام الأخيرة من عام 2022.
حيث واجه آلاف الإسرائيليين الذين سافروا إلى قطر لمشاهدة مباريات كرة القدم، موجةً عارمةً من المعارضة والغضب والاشمئزاز من الرأي العام في المنطقة والعالم، وحسب وسائل إعلام ومسؤولين صهاينة، فقد أصبحوا أكثر ذلاً وعزلةً في العالم. ومع ذلك، كان للفلسطينيين اليد العليا في تغيير الرأي العام العالمي وجلبه إليهم.
كانت تجربة كأس العالم بطريقة ما بمثابة رصاصة الرحمة علی عملية التطبيع، وأظهرت أنه على الرغم من الاتفاقات الدبلوماسية للعرب المطبِّعين مع تل أبيب، فإن الشعوب الإسلامية لها موقف مختلف عن موقف حكامها، وليست مستعدةً للتنازل عن القدس وفلسطين.
هذا في حين أن نتنياهو قد ادعى مرارًا وتكرارًا في الأسابيع الأخيرة أنه ينوي جلب دول عربية أخرى إلى التطبيع بجهوده الدبلوماسية، لكن القانون الجديد الذي أقره البرلمان العماني أظهر أن اتفاقيات "أبراهام" وُلدت ميتةً، وبخلاف الإمارات والبحرين، فإن الآخرين غير مستعدين للتسوية مع الکيان الإسرائيلي.
كابوس اسمه عرين الأسود
كانت بداية عام 2022 كارثيةً للکيان الصهيوني من الناحية الأمنية، وبشّرت العمليات الفلسطينية الواسعة من صحراء النقب إلى شمال تل أبيب في آذار الماضي، والتي قُتل فيها نحو 14 صهيونيًا، بمستقبل دموي لهذا الکيان.
في العام الماضي، تمكنت المجموعات الفلسطينية في الضفة الغربية من تغيير المعادلات العسكرية في هذه المنطقة، وبدخولها مرحلة الكفاح المسلح، ألحقت خسائر فادحة بالکيان الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن الکيان الصهيوني وسّع نطاق جرائمه ضد الفلسطينيين، إلا أن الخسائر التي تكبدها الکيان العام الماضي كانت غير مسبوقة في تاريخه.
الجيش الإسرائيلي اعترف في تقريره الأخير بأن عام 2022 کان ذروة النضال ضد الصهيونية، وأشار إلى تزايد الخسائر في صفوف هذا الکيان في الأراضي المحتلة، وقال إن 31 صهيونيًا قتلوا العام الماضي، وهو ما يظهر زيادةً عدة مرات مقارنةً بالعام السابق. كما أصيب نحو 500 صهيوني آخر بجروح خلال عمليات الفصائل الفلسطينية، وهو أعلى رقم منذ عام 2015.
وفي جزء آخر من هذا التقرير، يذكر أنه في عام 2022، تم تسجيل أكثر من 7500 حادثة رشق حجارة وإلقاء زجاجات حارقة. والأمر الأكثر أهميةً هو أنه تم تسجيل 285 حادثة إطلاق نار في الضفة الغربية والقدس، والتي كانت 61 فقط في عام 2021.
وتأتي هذه الأضرار التي لحقت بالصهاينة، فيما أعلنت جماعة "عرين الأسود" المقاومة، التي أصبحت كابوسًا لقادة تل أبيب هذه الأيام، عن وجودها في الضفة الغربية منذ منتصف عام 2022، ونفذت عشرات العمليات المسلحة والاستشهادية ضد المستوطنين الصهاينة.
وهددت هذه المجموعة بتوسيع نطاق عملياتها، وفي بعض الأيام تم تسجيل عشرات العمليات المتزامنة باسم هذه المجموعة، ما زاد من قلق الصهاينة. کما غيّرت عرين الأسود المعادلات في الضفة بأسلوبها العملياتي الخاص، وعملياتها مختلفة عن المجموعات الفلسطينية الموجودة في غزة، وهذا الموضوع أربك الصهاينة.
کذلك، اعترف المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون مرارًا بتزايد قوة هذه المجموعة، وقالوا إنهم لا يملكون القوة اللازمة للتعامل معها. وبالتالي، سلبت عرين الأسود منذ عدة أشهر النوم من أعين قادة تل أبيب، ووضعت الجيش الصهيوني في حالة تأهب وضاعفت تکاليف الصهاينة.
من ناحية أخرى، كانت هزيمة الجيش الصهيوني في حرب الأيام الأربعة على غزة في آب/أغسطس، نقطةً سوداء أخرى في سجل هذا الکيان.
بدأ الصهاينة الحرب مع الجهاد الإسلامي لإضعاف قوة المقاومة في غزة. لكن بعد أربعة أيام ودون أي إنجاز، تراجعوا ووافقوا على الهدنة كالعادة، لأنهم لم يمتلکوا القوة لمواصلة الحرب. كما أنه بعد انتهاء الحرب، ازدادت الانتقادات بسبب هذه الهزيمة بين الصهاينة الذين اعترفوا بضعفهم أمام الفلسطينيين، وأعلنوا أن وقوع حرب واسعة النطاق في المستقبل مع حزب الله وإيران أمر مدمر بالنسبة لهم.
هزيمة أخرى أمام حزب الله
القضية المهمة الأخرى التي كانت مريرةً لسلطات تل أبيب، هي التراجع أمام قوة حزب الله اللبناني.
منذ العقد الماضي، وبفضل الدعم الدولي والقوة المالية، کان الکيان الصهيوني يستفيد من جانب واحد من موارد الغاز المشتركة مع لبنان في البحر الأبيض المتوسط، واللبنانيون الذين کانوا لا يملكون القوة للاستفادة منها قد حرموا من هذه الثروة.
لكن في العام الماضي، انقلبت الصفحة لصالح بيروت، ومع المبادرات التي اتخذها حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله، اضطرت تل أبيب إلى التراجع والاستسلام لشروط حزب الله، ووافق على الاستخراج المشترك للموارد بوساطة الولايات المتحدة.
كان اتفاق ترسيم الحدود البحرية للبنان مع الكيان الصهيوني انتصاراً كبيراً لحزب الله، حيث لم يسمح للصهاينة بنهب حقوق اللبنانيين، إجراءٌ أعلن نتنياهو نفسه أنه بمثابة بيع أرض اليهود، وادعى أنه إذا تولى الحكومة فسيلغي هذا الاتفاق. لكن السيد نصر الله قال إن صواريخ المقاومة موجهة نحو حقل "کاريش"، وإن الصهاينة إذا أخطؤوا فإنهم سيدفعون ثمناً باهظاً.
المستقبل المظلم في عام 2023
إضافة إلى التحديات والتوترات الخارجية مع الفلسطينيين، واجه الکيان الصهيوني أزمةً جديدةً من الداخل أيضًا.
في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأراضي المحتلة، تولت أحزاب اليمين المتطرف السلطة في حكومة تل أبيب لأول مرة، وزادت هذه القضية من المخاوف بشأن مستقبل هذا الکيان.
إن القادة المتطرفين هم الداعمون الرئيسيون للاستيطان في الضفة الغربية، وأعداء الفلسطينيين من الدرجة الأولى ومعارضون جديون لحل الدولتين. ولهذا هناك احتمال تصعيد التوترات في الضفة الغربية، وقد وصلت هذه المخاوف إلى حد أن المسؤولين السابقين قد توحدوا لمواجهة جشع المتطرفين.
وعلى الرغم من الاستقرار السياسي النسبي بعد صعود اليمين المتطرف، إلا أن الظروف غير مواتية للکيان الصهيوني. كما قال يائير لابيد، رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي السابق، في توقعه للعام المقبل في ظل حكومة نتنياهو، "أتوقع تشاؤمًا وسوادًا وخوفًا من مستقبل مظلم للعام المقبل."
وأضاف إن مكانة الكيان الصهيوني في العالم ستضعف، وأعلن بوضوح الانهيار من الداخل، والذي سيتفاقم مع تشكيل أحزاب يمينية متطرفة في الحكومة.
وحسب المراقبين، فإن الحكومة الجديدة في الكيان الصهيوني تشبه الحکومات السابقة الأخرى لهذا الکيان، مع اختلاف أن هذه الحكومة ستكون أكثر هشاشةً وعدم استقرار، لأن أساسها هو التطرف والإفراط في السياسة والعنصرية والرغبة الشديدة في القتل والخطط الظالمة في الاستيطان، وكذلك العدوان والكراهية تجاه العرب وجميع المسلمين.
الحقيقة أن الكيان الصهيوني ينهار من الداخل وصعود اليمين المتطرف سيسرع طريق الانهيار، ومحاولات تطبيع العلاقات مع العرب لا يمكن أن تخرج هذا الکيان من هذه الأزمة العميقة، وربما، كما يتنبأ الصهاينة، لن يتحقق الاحتفال بالذكرى الثمانين لتأسيس هذا الکيان.