الوقت- كتبت مجلة فورين أفيرز الأمريكية عن نهج السلطات السعودية في استخدام التكنولوجيا الرقمية لاستهداف المعارضين في الخارج وأعلنت هذه المجلة الأمريكية في تقرير لها أن استهداف منتقدي نظام آل سعود في الخارج ببرمجيات تجسس هي إحدى الطرق التي استخدمتها الحكومة السعودية لقمع المعارضة.
وذكرت المجلة أن برنامج التجسس عبر الحدود الذي أطلقه نظام آل سعود كان واسع النطاق للغاية.
بداية القصة
في عام 2018، تم اختراق الهاتف المحمول الخاص بالمعارض السعودي غانم المصري الذي يعيش في إنجلترا ببرمجيات التجسس الخبيثة Pegasus. في الوقت نفسه، تم تعقبه من قبل عملاء سعوديين في لندن وتعرض لهجوم جسدي.
ربما لعبت برامج التجسس دورًا في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا.
في عام 2018، تم اختراق هاتف عمر عبد العزيز، الناشط السعودي المقيم في كندا وأحد أقارب خاشقجي، ببرمجيات التجسس الخبيثة من نوع Pegasus. كان عبد العزيز وخاشقجي يناقشان أنشطتهما ضد نظام آل سعود على منصات اتصال كان يعتقد خطأً أنها آمنة.
بعد مقتل خاشقجي، أظهر التحليل أنه تم اختراق أجهزة العديد من الأشخاص المقربين من خاشقجي، بما في ذلك زوجته المصرية وخطيبته التركية وبالطبع رفضت حكومة المملكة العربية السعودية التعليق على هذه الاكتشافات.
أخبرت مجموعة NSO صحيفة الغارديان في عام 2021: "لم تكن تقنيتنا مرتبطة بأي حال من الأحوال بالقتل المروع لجمال خاشقجي".
في الواقع، فإن استهداف منتقدي نظام آل سعود في الخارج ببرامج التجسس هو مجرد واحدة من عدة طرق استخدمها النظام للتكنولوجيا الرقمية لقمع المعارضة.
على سبيل المثال، وفقًا لحكم المحكمة الفيدرالية الأمريكية، دفع أحد كبار مستشاري "محمد بن سلمان" ولي عهد المملكة العربية السعودية، في عامي 2014 و 2015 ، 300 ألف دولار وعدة هدايا أخرى لأحد موظفي تويتر والذي يقال إنها مقابل التجسس على خصوم الرياض في تويتر.
هذا الموظف في تويتر، الذي غادر تويتر في 2015، أدين في محكمة أمريكية هذا العام.
عندما يتم استخدام مثل هذه التكتيكات بالتزامن مع المراقبة المكثفة لبرامج التجسس هذه، يواجه المعارضون والنقاد ضغوطًا نفسية هائلة.
يصاب العديد من ضحايا القرصنة بالصدمة لمعرفة أن أجهزتهم قد تعرضت للاختراق وأن جميع تحركاتهم تخضع للمراقبة وحتى أصدقاءهم وزملاءهم معرضون للخطر وفي هذا السياق صرحت ناشطة سعودية أن التجسس الرقمي شكل من أشكال الحرب النفسية التي تسببت في خوفها وقلقها اللامحدود.
باستخدام برامج التجسس، يمكن للحكام المستبدين والديكتاتوريين قمع شبكات المجتمع المدني خارج حدودهم حتى في الوقت الذي يعززون فيه الاستبداد في الداخل.
ومؤخرا كشفت مصادر مطلعة أن محمد بن سلمان خصص 24 مليون دولار لإنشاء وحدة أمنية بهدف قمع المعارضة السعودية في الخارج.
وأعلنت مصادر مطلعة أن محمد بن سلمان وافق على توفير المطالب المالية للوحدة المذكورة على الفور، وأمر بأن تتقاضى القوات الأمنية لهذه الوحدة رواتب عالية وتزويدها بمعدات متطورة.
إن قمع حرية التعبير وانتهاك حقوق الإنسان في السعودية ليس بالأمر الجديد وله جذور تاريخية في سجل آل سعود لكن المراقبين يرون أن هذا حدث في الفترة الأخيرة خاصة مع الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان، في ظل تصرفات ولي العهد الشاب من أجل القضاء على المعارضة لتولي عرش الأب.
اعتقلت السلطات السعودية باستمرار مئات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء، إلى جانب العديد من الشخصيات الدينية والكتاب والنقاد، وشملت هذه الاعتقالات أيضًا مسؤولون حكوميون ورجال أعمال وأمراء.
بعد الاغتيال الوحشي لجمال خاشقجي، جذبت المملكة العربية السعودية أكبر قدر من الاهتمام من حيث قمع حرية التعبير ومن بين الأساليب الأخرى لقمع حرية التعبير في السعودية، فرض قيود على الحصول على جوازات السفر أو إلغائها لضبط حركة المواطنين في الخارج، واختراق الهواتف المحمولة باستخدام برامج التجسس، وتهديد أفراد عائلات النشطاء الاجتماعيين المقيمين بالخارج.
التجسس السعودي عبر مواقع التواصل الاجتماعي
قالت وكالة بلومبيرغ إن التجسس السعودي عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر أدى إلى اعتقال الناشط السعودي عبد الرحمن السدحان، إضافة إلى آخرين.
وقالت بلومبيرغ إنه في 2015، تمكن سعوديان من موظفي تويتر من اختراق أكثر من 6000 حساب أثناء عملهم التجسسي لصالح الرياض، فيما يبدو أن السدحان وآخرين كانوا من ضمن هؤلاء.
وقالت شقيقة السدحان، أريج، إنه كان يدير نشاطا متعلقا بقضايا حقوق الإنسان على تويتر بحساب مجهول، لكن الأمن السعودي اعتقله في مارس/آذار 2018. وأرجعت أريج سبب اختفائه إلى الأنشطة التي يقوم بها “جواسيس تويتر”.
وأكدت منظمات حقوقية اعتقال 6 سعوديين كانوا يديرون حسابات على تويتر بهويات مزيفة.
في خمس من تلك الحالات على الأقل، يشير توقيت هذه الاعتقالات واختراق تويتر إلى أنهما متصلان، حسب جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المنظمة الحقوقية التي ترصد انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، وتتخذ من مصر مقرا لها.
عيد قال: “أعتقد أن جميعهم اعتقلوا نتيجة اختراق تويتر”، الذي نفذه الجاسوسان المزعومان داخل الشركة، مضيفا إن هذه الاعتقالات أثارت “قلقه البالغ” على مصير النشطاء في البلاد. وتابع: “السعودية تنفق ملايين الدولارات على التجسس الرقمي واختراق حسابات المدافعين عن حقوق الإنسان والمنتقدين والمعارضين”.
وقالت الوكالة إنه وفقا لدعاوى قضائية ومنظمات حقوقية، فقد استخدمت السعودية عمليات الاختراق تلك لمضايقة أو اعتقال أشخاص منتقدين للحكومة.
وتم الكشف عن بعض التفاصيل في القضية من قبل دعاوى قضائية رفعها أشخاص قالوا إن حساباتهم على تويتر كانت من بين تلك التي تم اختراقها.
وقال معارضان سعوديان، أحدهما في كندا والآخر في الولايات المتحدة، في دعاوى قضائية إن حساباتهما على تويتر كانت من بين الحسابات المستهدفة من الجاسوسين المزعومين داخل الشركة، وقالا إن هذا عرّضهما أو عرّض أصدقاءهما في السعودية للخطر.
وقالت بلومبيرغ إن الدعوى بشأن “جواسيس الرياض” لم تلق انتشارا إعلاميا يكافئ النتائج المترتبة على عملية الاختراق.
كما نشر موقع “أويل برايس” مقالا لمايكل كيرن تحدث فيه عن الأساليب السعودية لإسكات المعارضين. وبدأ بالحديث عن تهديد مستشار ولي العهد محمد بن سلمان الذي كان ناشطا على منصات التواصل الاجتماعي للمعارضين السعوديين. ففي عام 2017 كتب سعود القحطاني قائلا: “هل يحميك الاسم المستعار من هاشتاغ القائمة السوداء؟ لا فالدولة لديها الوسيلة لمعرفة صاحب الاسم المستعار، ويمكن الكشف عن عنوانه الخاص عبر وسائل مختلفة، وهو سر لن أكشفه”.
ويعلق كيرن: “عليك معرفة أنك عندما تضع شيئا على منصات التواصل فهو مفتوح أمام كل شخص لاستخدامه ضدك، ولكن الأمر مختلف عندما يأتي التهديد من شخص كان يعمل كمدير للفدرالية السعودية للأمن الإلكتروني والبرمجة والمستشار القانوني لولي العهد محمد بن سلمان”.
وكانت هذه هي صفة القحطاني عندما أطلق تهديداته ضد المعارضين. وما كان يتحدث عنه في تغريدته في عام 2017 هو حملة ملاحقة واستفزاز لمعارضي النظام. ومن أجل هذا أعلن عن هاشتاغ القائمة السوداء الذي دعا السعوديين ممن يستخدمون وسائل التواصل لإضافة أسماء عليه.
وبعد أسبوع من قرار إدارة شركة تويتر وقف كل الإعلانات السياسية تم توجيه تهم لموظفين سابقين فيها بالتعامل مع حكومة أجنبية والتجسس على حسابات المستخدمين. والحكومة المقصودة هي السعودية؛ فقد وجهت تهم لكل من المواطن الأمريكي أحمد أبو عمو والسعودي علي الزبارة باختراق بيانات المستخدمين الخاصة من أجل تصيد معلومات عن نقاد العائلة السعودية المالكة. وهذه أول مرة يقوم فيها القضاء الأمريكي بتوجيه تهم للسعودية ونشر عملاء لها داخل الولايات المتحدة.
وفي السياق، تناولت صحيفة “نيويورك تايمز”، الاتهامات التي وجهتها وزارة العدل الأمريكية لعاملين سابقين في شركة تويتر بتهم التجسس لصالح السعودية والبحث في حسابات المشتركين السعوديين عن المعارضين للنظام، وقالت إن الاتهامات أثارت أسئلة حول أمن شركات التكنولوجيا.
"تويتر" تحول إلى أداة قمع
عبّر معارضون سعوديون آخرون في الخارج عن أفكار مماثلة، قائلين إن “تويتر” يمنح الحكومة السعودية إمكانية وصول كبيرة للبيانات وأنه يتحمل مسؤولية بذل مزيد من الجهود لحماية مستخدميه من المضايقات والقرصنة.
كان “علي الأحمد” هدفا للعديد من محاولات القرصنة والتصيد الاحتيالي، والتي اكتشف بعضها قبل أن تنجح في ذلك.
لكن كما صرح في دعواه القضائية ضد “تويتر”، فإنه يعتقد أن الشركة فشلت في حمايته، والأهم من ذلك فشلت في حماية المعارضين والشخصيات الحساسة الأخرى التي تواصل معها عبر “تويتر”.
وكان من بين هؤلاء “عبدالرحمن السدحان”.
يقول “الأحمد”: “لقد جعلني ذلك أقرر أن أفعل شيئا حيال ذلك، على الأقل بالنسبة للأصدقاء الذين فُقدوا”.
ويضيف إنه يأمل في أن “تسهم دعواه القضائية في الكشف عن الحقيقة”.
مرت أكثر من 5 سنوات منذ أن أخبر مكتب التحقيقات الفيدرالي موقع “تويتر” بأن لديه مشكلة تجسس سعودي. ووعدت الشركة منذ ذلك الحين بتشديد الإجراءات وضوابط الدخول. لكن بالنسبة للعديد من المعارضين، فقد فات الأوان.
وبعبارة أخرى، أساءت حكومة استبدادية قاتلة استغلال علاقتها الوثيقة بـ”تويتر” لتجنيد جواسيس قدموا معلومات أدت بعد ذلك إلى إلقاء أبرياء في السجن.
وتظل الحكومة السعودية واحدة من أكبر المساهمين الخارجيين في “تويتر”، وتواصل مضايقة مواطنيها ومراقبتهم عبر هذه المنصة.